في الإسلام.. العلم أساس الحضارة وأصل اليقين

محمد بن سالم بن علي جابر

إقرأ باسم ربك الذي خلقاحتفى الإسلام بالعلم والعلماء احتفاء عظيمًا، فلا فجوة في الإسلام بين الدين والعلم، وإن القول بذلك قولا غريبا عن ديننا وثقافتنا؛ لأن الإسلام لا يفصل أصلاً بين الدين والعلم، وإنما يجعل العلم جزءًا من الدين، ولا يصلح الدين مع الجهل؛ ولهذا أرشد الله – سبحانه – إلى العلم أولاً قبل القول والعمل، فقال سبحانه: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” (محمد:19)، وقد اتكأ الإمام البخاري على هذا المعنى المستنبط من الآية الكريمة، فأورد في صحيحه بابًا تحت عنوان: «العلم قبل القول والعمل»، وعقَّب على ذلك الإمامُ البغوي قائلاً: «أراد البخاري بذلك أن العلم شرط في صحة القول والعمل؛ فلا يعتبران إلا به؛ فهو يتقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل».

وقد وعى هذا الصحابة والسلف – رضوان الله عليهم – فقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فيما رواه البخاري: «تفقهوا قبل أن تسودوا».

والبشرية على تاريخها الطويل لم تعرف دينًا عُنِي بالعلم عناية بالغة مثل الإسلام، الذي دفع العقل الإنساني إلى مجال العلوم والمعرفة المختلفة، ودعاه إلى تفَتُّح آفاق الفكر، والتأمل والتدبر في جميع ما حوله.

فقال تعالى: “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ” (الطارق: 5 – 7)، وقال تعالى: “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (يونس: 106).

وقال تعالى: “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ” (عبس: 24 – 32).

وقال تعالى:” أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ” (الملك:19).

التأمل في آيات الكون

الأرض

دعا القرآن الكريم إلى إخضاع جميع ما في الكون للنظر والتأمل؛ ليتعرف الإنسان على حقائق الموجودات بشمول وعمق

فقد دعا القرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها، إلى إخضاع جميع ما في الكون للنظر والتأمل، سواء في ذلك ما ينتمي إلى عالم النبات، أو الحيوان، أو الجماد؛ ليتعرف الإنسان على حقائق الموجودات بشمول وعمق؛ وهذا هو منهج العلم في أصدق أصوله، وأرسخ قواعده؛ فهو المنهج الذي يهدم الخرافة والوهم والتقليد، وينبه العقل للتأمل والتفكير، معليًا من شأن البحث العلمي الذي يقود إلى الطريق الحق، ويؤدي إلى الإذعان لنور اليقين، بعيدًا عن ضروب الأساطير وأنواع الخرافات مهما اختلفت في مظاهرها وصورها. ولذا فقد نعى القرآن الكريم على أولئك الجهلاء الذين يجادلون بلا علم، فقال – عز وجل -: “هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (آل عمران: 66).

فدلت الآية الكريمة على أن العلم في الإسلام هو أساس الإقناع؛ فينبغي لمن أراد أن يقنع غيره بفكرة معينة -أمر أو نه- أن يكون على علم كامل بهذه الفكرة، لا يشوبها في ذهنه أدنى غموض، يطرح فكرته من منطلق قوي؛ لتكون حجته قوية، وليقتنع المتلقي، وتتضح له الرؤية.

تقدير الإسلام للعلماء

ومن احتفاء الإسلام بالعلم احتفاؤه بالعلماء؛ فقد أنزلهم الله – عز وجل – منزلاً عليًّا، حيث جعلهم في مصاف الملائكة في قوله تعالى: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (آل عمران: 18).

وضارع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فضل العالم على العابد بفضله – صلى الله عليه وسلم – على أدنى رجل من أمته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً» أخرجه الترمذي.

علماء عرب

إنما كان العلماء أكثر خشية لله تعالى من غيرهم؛ لأنهم هم الذين يتدبرون كتاب الله العزيز؛ ومن ثم يعرفون الله حق المعرفة، يعرفونه بآثار صنعته، ويدركونه بآثار قدرته وعظمته

وفي حديث آخر يذكر فضلهم أيضًا، ويجعلهم ورثةً للأنبياء، فيقول – صلى الله عليه وسلم -: «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم في ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»؛ أخرجه أبو داود.

وقد تغلغل ذلك في نفوس السلف؛ فعرفوا للعلماء حقهم وفضلهم، حتى قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: «العلماء أرحم بأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – من آبائهم وأمهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم -أي: العلماء- يحفظونهم من نار الآخرة».

ومن احتفاء الإسلام بالعلماء أن اختصهم القرآن الكريم بخمس مناقب كما ذكر ذلك العاملي في كتابه منية المريد في آداب المفيد والمستفيد حيث قال:

الأولى: الإيمان؛ قال تعالى: “وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا” (آل عمران: 7).

الثانية: التوحيد؛ قال تعالى: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (آل عمران: 18).

الثالثة والرابعة: البكاء والخشوع؛ قال تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا” (الإسراء: 107 – 109).

الخامسة: الخشية؛ قال تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (فاطر: 28).اهـ.

وإنما كان العلماء أكثر خشية لله تعالى من غيرهم؛ لأنهم هم الذين يتدبرون كتاب الله العزيز؛ ومن ثم يعرفون الله حق المعرفة، يعرفونه بآثار صنعته، ويدركونه بآثار قدرته وعظمته، ويستشعرون قدرته؛ فيخشونه حقًّا.

وبالعلم يرسخ الإيمان في القلوب، وتتعمق العقيدة في النفوس، وبه تزداد بصيرة الإنسان نفاذًا، وإدراكُه وتفكيرُه قوةً وسلامًا؛ ولذا كان من اجتمع فيه العلم والإيمان مستحقًّا للرفعة وعلو الشأن في الدنيا، وسُمُوّ المنزلة في الآخرة؛ مصداقًا لقوله – عز وجل -: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة: 11).

_____________________

المصدر: بتصرف يسير عن شبكة الألوكة الثقافية

مواضيع ذات صلة