العمل التطوعي في الإسلام.. نهوض اختياري بالأمة (2-2)

تحدث الكاتب في الجزء الأول من المقال عن العمل التطوعي، وأصوله وجذوره، ودوره في المجتمع المسلم، ودعمه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإلى بيان دوره في التنمية الفكرية، وبيان أسس تفعيل دور العمل التطوعي بشكل عام في سياق الجزء الثاني…

د. عثمان عبد الرحمن عبد اللطيف

أهمية العمل التطوعي في تحقيق الأهداف التنموية

3- دعم التنمية الفكرية 

العمل التطوعي

مع وضوح الدعوة الإسلامية وصراحتها في الحث على العمل التطوعي لنشر العلم وتنمية الفكر، شهد التاريخ تسابق الأمراء والأثرياء والأغنياء وأصحاب الأعمال في بناء المساجد والمدارس ودور العلم في الشرق والغرب.

إن دور العمل التطوعي في الإسلام في دعم التنمية الفكرية لا يمكن إنكاره بحال، لما له من أهمية رفيعة في كافة مظاهر النشاط العلمي بجميع أنواعه وأشكاله، ولذا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إليه صراحة في أحاديث كثيرة ورغب فيه .

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.

وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) أخرجه مسلم.

ومع وضوح الدعوة الإسلامية وصراحتها في الحث على العمل التطوعي لنشر العلم وتنمية الفكر، شهد التاريخ تسابق الأمراء والأثرياء والأغنياء وأصحاب الأعمال في بناء المساجد والمدارس ودور العلم في الشرق والغرب، وعملوا على ما يضمن استمرارها في أداء رسالتها.

يقول ابن كثير في حوادث سنة إحدى وثلاثين وستمائة: فيها كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد، ولم يبن مدرسة قبلها مثلها، ووقفت على المذاهب الأربعة، من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب، وشيخ حديث، وقارئان، وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد.

إن التنمية الفكرية في أوج ازدهار الحضارة الإسلامية ما كان لها أن تبلغ ما بلغت إليه من هذه الدرجة لولا العمل التطوعي وغير الحكومي، وهو ما ترتب عليه أيضاً إبراز أهمية دور العمل التطوعي في تحقيق الأهداف التنموية والخدمات العامة.

تفعيل دور التطوع

العمل التطوعي

إن تفعيل دور التطوع يتطلب العمل على غرسه في عقول الأبناء وتعويدهم على ممارسته.

لقد كان التطوع قديماً يملأ ربوع المجتمع الإسلامي، حتى كان للعمل التطوعي أكبر الأثر في النهوض بالحضارة الإسلامية وإبقاء الإسلام جذوه متقدة في مواجهة العديد من الأزمات، بل لم يقتصر دور التطوع على مواجهة الاحتياجات الملحة، وإنما امتد ليخدم المسلمين في شتى المجالات.

ولا شك أن إعادة تفعيـل دور التطـوع إلى ما كان عليه منذ مئات السنين منوط بتوجيـه الفكر نحو ما يتماشى مع حياة الأمة واحتياجاتها وتشجيع الفرد – كل حسب إمكانياته – لإنشاء أعمال وخدمات ترتفع بكينونته ومكانته ومكانة وطنه.

كما أن تفعيـل دور التطوع يتطـلب ضرورة التوسع في مفهومـه بحيث لا يقتصر على عمل معين كبناء المساجـد والمدارس والمستشفيـات، وإنما يتعدى العمـل التطوعي إلى الأنشطة الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها من الأعمـال الاستراتيجية لمواجهة التحديات المعاصرة.

إن تفعيل دور التطوع يتطلب الدعوة المستمرة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات للتعريف بأهمية التطوع، والعمل على تحقيق القوة الإيمانية الصحيحة والقوة المادية معها لتكون في خدمة الإسلام.

إن تفعيل دور التطوع يتطلب العمل على غرسه في عقول الأبناء عن طريق إدخاله كمادة دراسية في المعاهد والمدارس والجامعات، والتحدث عنه بشفافية، وإظهار مدى خطورة تضخم الثروات وظهور الاحتكارات التي تخل بالتوازن الاجتماعي وتعصف بكيان الأمة.

أخيراً وليس بآخراً إن تفعيل دور التطوع يحتاج إلى شعور الإنسان بالعدل والأخوة الإنسانية، عن طريق الدعم الأسرى، والبيئي، وصدق النوايا، وتصفية السرائر، وهنا تبرز فاعلية العمل التطوعي في صنع النهضة وحركة المجتمعات في إطار من الشريعة الإسلامية يقول الله تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” (الشمس:7 -10).

_______________________________________________

المصدر: بتصرف عن موقع كنانة أون لاين

مواضيع ذات صلة