العلاقة بين الذكاء الاصطناعي و الغباء الإلحادي!

مثل هذا الاختبار –من وجهة نظري- علامة فاصلة لكل مَن يريد معرفة الفرق بين الذكاء الحقيقي و الذكاء الاصطناعي .. الفرق بين الوعي والبرمجة وبين الماكينة أو الآلة أو الروبوت، ولا أقصد هنا تلك الاختبارات القائمة على إعادة كتابة حروف أو كلمات وأرقام بأشكال مموهة وغريبة، فهذه يمكن عمل برامج لكشفها ومحاكاتها كل فترة، ولكني أقصد نوعية السؤال نفسه!!

(مقتطف من المقال)

الذكاء الاصطناعي

إذا قام أحد ببرمجة الماكينات على ردود أفعال معينة لتتخذها عند الحاجة.. فلن تفعل غيرها ولو بعد مليارات السنين وسيتوقف سير العمل، فالماكينات لا عقل لها ولا وعي!!

عند انتهائي من هذا البحث في 2014م تنفست الصعداء، إذ لم يعد عليّ أن أشاهد أو أتابع الإنتاج السينمائي بنفس الصورة التي لم يكن يسعدني اختلاطي بها إلا للحاجة، ولكن لفت نظري أثناء تتبعي لليوتيوب كثافة إعلانية ملحوظة من أواخر 2014م وبدايات 2015م لأكثر من تريلر فيلم عن الروبوتات التي تتحول إلى اكتساب عقل وإدراك ذاتي بل ومشاعر كذلك (كتوابع لتطور الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence)!! مثل فيلم (أوتوماتا) Automata وفيلم (إكس ماشينا) Ex Machina و فيلم (شابي) Chappie وغيرهم.

فخطر لي أني يمكنني تتبع هذه الظاهرة وخاصة أننا قابلنا بالفعل شباباً مخدوعين بمجال (الذكاء الاصطناعي) وبما يشيعه الملحدون والتطوريون من أكاذيب عنه مستقبلاً، حيث بعد هذه الأكاذيب يعيدون إسقاط ذلك المستقبل (الذي لم يقع أصلاً بعد ولن يقع!!) على أضعف نقاط الإلحاد والتطور لتدعيمها ألا وهو: معضلة نشأة الوعي وحرية الاختيار.

فكما هو معلوم أن الذرات (أصغر وحدات المادة التي تتفاعل مع غيرها في هذا الكون) لا تملك حرية اختيار ولا وعياً متقدماً مثل الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان، فالذرات محكومة بقوانين وثوابت معينة ومعادلات لا تحيد عنها في أي تفاعل، ولن تجد ذرة تعتذر اليوم مثلاً أو تخبرك بأنه لم يعد يناسبها هذا الدور أو هذا العمل! ولذلك فهي واحدة من أكبر نقاط ضعف التفسير الإلحادي أو التطوري للحياة ونشأة الكائنات الحية والوعي وحرية الاختيار إذ “فاقد الشيء لا يعطيه”!.. فمن أين إذاً أتى كل ذلك إن لم يكن من خالق حكيم قدير له مشيئة وإرادة؟

ومن هنا ندرك أهمية هذه (القفزة) التي يريد الملحدون والتطوريون أن يتخطوا بها ما يهدم معتقداتهم المادية من الأساس، وذلك عن طريق تمريرها (إعلامياً) إلى عوام الناس والأطفال والشباب.

(لاحظوا دوماً اللجوء للتأثير الإعلامي وليس العلم وأدلته وإثباتاته)!!

فلا عجب إذاً –وطالما الأمر مفتوح للخيال المحض- أن تجد شاباً مسلماً يأتي ليسألك: “ماذا سيحدث لو استطاع العلماء في الغرب (آلهة العلم الجديد كما تصورهم له الميديا) من صنع ذبابة”؟

وهو يقصد بذلك سقوط التحدي الإلهي في القرآن: “… إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ” (الحج: 73).

وهنا مغالطة منطقية بافتراض أشياء لم تقع أصلاً ولن تقع عند كل مَن يفهم ألف باء بيولوجيا!! فالمستقبل ليس كلمة سحرية يسقط معها المستحيلات العقلية وتتحقق!! المستقبل لن يجعل الـ 4 أكبر من 7!! هناك بدهيات عقلية لا يمكن أن يتخطاها إلا مجنون أو عابث.

ومن ذلك عجز الإنسان عن خلق بروتين واحد وظيفي فقط من آلاف البروتينات التي تتواجد في الخلية الحية!! فما بالنا بخلق كائن حي كامل فيه عشرات الآلاف من البروتينات؟!

فإذا فهمنا ذلك فسنفهم كيف يتم تعليق آمال مكذوبة يخدعون بها أمثال هؤلاء الشباب عن (مستقبل الذكاء الاصطناعي)!! وهو ما يتطلب مني هنا وقفة –ستكون موجزة وقصيرة جداً- ألا وهي:

هل يمكن أن تكتسب الماكينات أو الآلات أو الروبوتات ذكاءً حقيقياً بالفعل؟!

ولكي تتخيلون هذه المعضلة يجب تبسيطها لكم قليلاً بأمثلة سهلة من حياتنا العملية على الذكاء الاصطناعي ولأنها مرتبطة جداً بالوعي كذلك!!

مثال 1:

أريدكم أن تتخيلوا معي مصنعاً فيه 20 ماكينة تمت برمجتها جميعاً على أداء وظائفها بكل دقة، والسؤال: هل لو تعطلت الماكينة رقم 5 مثلاً؛ هل يتخيل أحد أن باقي الماكينات ستتخذ قراراً من نفسها باستبدال أو تصليح هذه الماكينة المعطلة أو تجاوزها واستبعادها من خط العمل حتى لا يتوقف الإنتاج ولو كان معيوباً؟!

والإجابة بالطبع: لا….

اللهم إلا إذا قام أحد ببرمجة الماكينات على ردود الأفعال هذه لتتخذها عند الحاجة.. فإذا لم يُبرمجها أحد فلن تفعل ولو بعد مليارات السنين وسيتوقف سير العمل، فالماكينات لا عقل لها ولا وعي!!

مثال 2:

إذا تمت برمجة روبوت أن يسير إلى الأمام في خط مستقيم، ثم وضعنا أمامه جداراً أو حائلاً، فهل يتوقع عاقل أن الروبوت عندما يرصد الجدار أو الحائط سيتوقف؟ أم أنه مأمور بالاستجابة لفعل السير إلى الأمام ولا يوجد في برمجته ما يوقفه عن هدفه؟

الإجابة: سيظل يسير إلى الأمام ويصطدم بالجدار أو الحائل ثم يقع وهكذا لأنه ليس لديه في برمجته غير ذلك ولن يستطع (اختراع) أوامر جديدة لنفسه….!

اللهم إلا إذا سبقت برمجته على ذلك، وأنه مثلاً إذا رصد ما يعيق طريقه فليتصرف معه بإحدى الطرق التي سيغذيه المبرمج بها حسب كل حالة… ولو أن يتوقف ويقول (لا)!!

المثال 3 والأخير:

كل مَن يستخدم التنزيل أو التسجيل على الإنترنت يعرف مصطلح الكابتشا أو (حروف التحقق) Captcha، حيث تكون عبارة عن اختبار صغير للحماية من غزو الروبوتات أو البرمجيات المفسدة للمواقع، وفيها يتم عرض كلمات معينة أو سؤال معين مع المطالبة بالتفاعل معه أو الإجابة عليه أو إعادة كتابة ما تراه إذا كنت إنساناً وليس روبوتاً.

ومثل هذا الاختبار –من وجهة نظري- علامة فاصلة لكل مَن يريد معرفة الفرق بين الذكاء الحقيقي والذكاء الاصطناعي، الفرق بين الوعي والبرمجة وبين الماكينة أو الآلة أو الروبوت، ولا أقصد هنا تلك الاختبارات القائمة على إعادة كتابة حروف أو كلمات وأرقام بأشكال مموهة وغريبة، فهذه يمكن عمل برامج لكشفها ومحاكاتها كل فترة، ولكني أقصد نوعية السؤال نفسه!!

فهنا مربط الفرس…

ولنتخيل معاً أنه يظهر لك بطريقة مموهة: 32+45

ثم عبارة صغيرة في ركن بعيد تخبرك بأن تضع الإجابة، فإذا لم يتم برمجة الروبوتات أو الآلات على هذا النمط تحديداً: فستقوم بإعادة كتابة نفس العبارة جرياً على ما سبق برمجتها عليه!! يعني بدلاً من كتابة الحل وهو 77 ستكتب نفس الظاهر أمامها وهو: 32+45

الرائع هنا هو أن بعض الكابتشا الحديثة انتقلت لأنماط أكثر ذكاء وإبداعية وهي عرض مجموعة من الصور (9 صور مثلاً) ثم تكتب عبارة قصيرة تسأل سؤالاً متعلقاً بهذه الصور مثل: كم عدد الصور التي فيها زهور؟ كم عدد الصور التي فيها شلالات؟ هل هناك لون أحمر في الصور؟ إلخ

حيث هنا ستتوقف الروبوتات أو الآلات أمام الصور ولن تقم بأي فعل ما لم يتم برمجتها لمثل هذا السؤال تحديداً.

(لاحظوا أني قلت “هذا السؤال تحديداً “حيث كل تغيير في السؤال من هذه النوعية سيتطلب برمجة خاصة به لأن الروبوتات أو الماكينات لا تفهم معاني الكلام المكتوب وإنما تنفذ ما يتم برمجتها عليه)!!

فإذا فهمنا ذلك: لأدركنا أن أي كابتشا ستعتمد على الوعي والفهم البشري فلن تنجح معها الروبوتات أو الآلات لأنه سيكون جديدٌ عليها، مثلاً يظهر سؤال: ما هو اليوم من أيام الأسبوع؟ ما هو لون السماء؟ أخو أختك ماذا يكون بالنسبة لك؟ وهكذا….

وفي النهاية: أرجو أن يكون وفقني الله في إيضاح هذه النقطة الهامة التي صاروا يتلاعبون عن طريقها بالعقول بجرأة وفجاجة متعلقين في ذلك بشماعة (التقدم) و (المستقبل) رغم أنها كلها (مستحيلات عقلية) لن يستفد أحد من إيهام الناس بصحتها إلا الملحدون والتطوريون للأسف!


المصدر: (من كتاب الميديا والإلحاد : السينما واللاوعي الخطاب الشعبي للإلحاد – م. أحمد حسن – مركز دلائل – الطبعة الأولى 1437هـ/2016م).

مواضيع ذات صلة