الحواس الإنسانية.. خلقٌ معجز ومسؤوليةٌ عظيمة (الجزء الثاني)

بعد الحاسة السادسة تأتي مجموعة كبيرة من الحواس النفسية الخارقة: كالتخاطر، والبصيرة، والحلم بالمستقبل، والإحساس بقرب المخاطر، ورؤية الأماكن البعيدة (أثناء النوم) إلخ…

د. ناصر أحمد محمد سنه

التخاطر

رغم أن البعض يطلق على الظواهر النفسية الخارقة لقب “الحاسة السادسة” إلا أن الحاسة السادسة تتعلق بقدرتنا على (التوازن) وإحساسنا بحركات الجسم المختلفة.

أنعم الله تعالي علينا بعدد من الحواس التي هي: “نوافذ طبيعية وضرورية للتعلم والإدراك والبيان والتواصل مع العالم الخارجي”. وأتقن صنعها وعملها: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم” (التين:4).. إعانة للناس علي إدراك الغاية من وجودهم علي هذه الأرض: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ“(الذاريات:56).

 وتعرفنا في الجزء الأول على  ماهية هذه الحواس؟، وكيف تعمل؟، وفي هذا الجزء سنستكمل حديثنا بذكر ما يتعلق بالحاسة السادسة، وكيف نسعد بما منحنا الله من حواس؟. وما هي مسئوليتنا نحوها وفق ضوابط الشرع الحنيف؟.

الحاسة السادسة.. و الستون!

رغم أن البعض يطلق على الظواهر النفسية الخارقة لقب “الحاسة السادسة” إلا أن الحاسة السادسة تتعلق بقدرتنا على (التوازن) وإحساسنا بحركات الجسم المختلفة. ففي الأذن البشرية توجد ثلاث قنوات (أفقية، وعمودية، وجانبية) مليئة بسائل يوضح للدماغ حركة ووضع الجسم. وبدون هذه الحاسة لا يمكن للإنسان الوقوف منتصباً أو الحفاظ على توازنه لمسافة طويلة. وبعد الحاسة السادسة تأتي مجموعة كبيرة من الحواس النفسية الخارقة: كالتخاطر، والبصيرة، والحلم بالمستقبل، والإحساس بقرب المخاطر، ورؤية الأماكن البعيدة (أثناء النوم) الخ.

فقبل أن يرن الهاتف بثوان يقفز إلي ذهنك (فلان).. لتجده هو من يتصل بك. وتجلس تتذكر (فلاناً).. تجده بعدها بدقائق على بابك.، لماذا قبل أن تقابل صديقك الذي لم تره منذ زمن، تجده في عقلك قبلها بيوم مثلا؟، هل تشعر فجأة بأنك قد رأيت هذا المشهد من قبل ولا تعرف متى؟، هل كنت تقف في الطريق لترى من تتوقع له الشر، لتجده بالفعل يسقط أو يحدث له شيء ما أمام عينيك؟.

فأين هي مصدر هذه الظواهر النفسية الخارقة؟

وكي يسهل الأمر: هناك (10) حواس أساسية معترف بوجودها.. مثل السمع والبصر والتوازن. وهناك (21) حاسة فرعية أو حديثة بدأت تحظى بقبول واسع.. كالإحساس بشد العضلات، و تقلبات الضغط الجوي. وهناك (35) حاسة خارقة – محل جدل – كالتخاطر والبصيرة والشعور بقرب الخطر، وبهذا يصبح المجموع (66).

للحواس وظائف أخرى.. كيف نسعد بها؟

للحواس وظائف أخرى تساعد على خفض التوترات والشعور بالراحة وبالسعادة النفسية، فكيف يكون ذلك؟. قال تعالى: “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل: 78).

وقد ميز الله سبحانه وتعالى السمع والبصر عن بقية الحواس الأخرى كاللمس، الشم والتذوق وهى من النعم التي لا تقدر بثمن وقد ذكر الله نعمة البصر مقترنة بنعمة السمع والفؤاد والسمع والبصر هما من أهم الوسائل التي يتعرف من خلالها الإنسان ما حوله بمساعدة بقية الحواس الأخرى في إمداده بالمعلومات عما حوله ومن هنا ارتبطت نعمة البصر بالعين التي تشبه الكاميرا.

أما نعمة الفؤاد فهي من أكمل النعم ويقصد به الشعور الداخلي الروحي الرباني المرتبط بالقلب.

 وهو الشعور الذي يمثل حقيقة الإنسان المدرك و المخاطب. ولهذا أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان السمع ليسمع والبصر ليرى آياته الكبرى فيستدل بها على وحدانيته سبحانه: “وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ” (يونس: 42).

 والمقصود بإعطائه الحواس للعلم ومتطلباته؛ لأن السمع والبصر أهم حواس الإنسان التي تساعده على سرعة نموه العقلي ونضجه ورشده. و التي من خلالهما يتعلم الإنسان، وقد تعجب من أنك تتعلم بحاسة السمع أضعاف ما تتعلمه بواسطة البصر؟.

إن تقدم السمع على البصر يشير إلي الأولوية وليس إلي التفضيل بالرغم من أن البصر مدخل العلم وهو أعلى درجة من السمع فهو (عين اليقين) قال تعالى: “فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ” (الحشر:2). فلليقين درجات أولها: السمع، وثانيها البصر، وأعلاها الإدراك والرؤية المباشرة.

أما حاسة الشم فهي تحتوي على 20 مليون خلية عصبية لتمييز الروائح عن طريق سائل ذهني له خاصية عجيبة حيث تتفاعل مع الرائحة كيميائياً فتنتج أشكالاً هندسية مميزة حسب الشعور النفسي.

وحاسة اللمس وتأتي من حيث الأهمية بعد السمع والبصر مباشرة فهي تساعد الإنسان على اكتساب المعلومات من العالم الخارجي عن طريق الأعضاء الحاسة ذات القيمة الكبرى السمع، البصر واللمس.

أما حاسة التذوق فبفضل خلايا خاصة تنتشر على اللسان تساعد على سهولة التذوق، وبالتقاء حاستي الشم والتذوق يتوفر للإنسان الشعور بلذة ما أنعم الله عليه من خيرات الدنيا.

هذه الحواس جميعها لابد لها من أن تنموا نمواً طبيعياً وتمارس دورها وفق ما خلقت من أجله .أما الركائز الخمس (التوازن، التركيز، المرونة، القوة، الحركة) فمن المهم تدريب الحواس الخمس للتكيف مع التغيرات والواقع الجديد ببعض التمارين التي تعززها. و التي تحقق التوازن والانسجام العصبي العقلي والعاطفي الانفعالي.

الإسلام.. يحدد مسئوليتنا نحو الحواس

نِعمُ الله تعالي علي الناس أكثر من أن تحصي، يقول تعالي: “وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيم“ٌ (النحل:18)، ويقول جل شانه: “وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” (إبراهيم:34)، فخلق للإنسان وتكوين، وإيجاد من عدم، وحواس يتعلم ويبين بها، وهداية بالرسل والكتب، ثم تسخير الكون، وتذليل كل ما فيه للإنسان، كي يتفرغ هو لعبادة ربه ويُحسن الخلافة في الأرض: “قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ“(الملك:23). آيات وآلاء متعددة ونعم متعددة لا ينكرها إلا جاحد.

وقال تعالي: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” (الإسراء:36)، سيسألنا الله تعالي عن المجالات التي استعملنا فيها هذه الحواس كوسائل للمعرفة منّ ـ سبحانه وتعالي ـ بها علينا، فالسمع ينبغي أن يكون في سماع الحق وكلماته، لا الباطل وزيفه وزخرفه من أفكار الشك والإلحاد، يكون في سماع الكلمة الطيبة والهداية لا الخبيثة من غيبة ونميمة وضلالة.

كذلك البصر فنري به آيات عظمة الله تعالي في الآفاق والأنفس، تبصرة وذكري وشكر وحمد: يقول الله تعالي: “ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ“(السجدة:9)، “وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ” (المؤمنون:78)، لا أن يستعمل البصر في رؤية المحرمات، وتتبع عورات الناس، واللهو والفساد والإفساد.

فحواس لم تستعمل في الحق في الدنيا.. ستنقلب وسائل نقمة وألما في الآخرة، فها هو الإحساس عبر الجلد: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا” (النساء:56)، كذلك التذوق: “يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ” (إبراهيم:17).

وتبقي الأفئدة (القلوب) هي الموجِّهة وهي محل العقيدة السليمة، لا الباطلة، محل التفكر والتبصر السليم لا الضال. فالله تعالي يأمر بالتحري في كل ما يسمع ويبصر ويُدرك، وينهي عن التقليد، والرجم بالغيب، وعدم التثبت.. “منهج علمي حق” يهدي إلي توحيد و تصديق وعبادة وإخلاص لله تعالي المنعم المتفضل. صفوة القول: حواسنا هي بوابات التواصل مع الكون والناس و الأشياء. فينبغي استعمالها في حسن السير إلي خالقها، وخالق الكون، فنسعد بها، ونُرضي بها ربنا.

_________________________________________

المصدر: بتصرف عن موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة http://bit.ly/2mItu6v

مواضيع ذات صلة