أزلية الكون والمادة.. حقائق وحجج وبراهين

يحتجُّ الكثير من الملحدين بنظرية الحالة الثابتة أو نظرية الحالة المستقرة، أو نظرية الكون اللامتناهي، أو الخلق المستمر على أزلية الكون ووجوده بلا تغير، وهذه النظرية عبارة عن نموذج تم تطويره في عام 1949 من قِبَلِ فريد هويلو توماس غولد وهيرمانبوندي وآخرين كبديل عن نظرية الانفجار العظيم

د. ربيع أحمد

أزلية الكون

الكون هو ذلك الفضاء المحيط بنا، وكل ما يحويه من مجرات ونجوم وكواكب.

انتشرت في عصرنا آفة الإلحاد، وهي إحدى الآفات الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويُعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرِّق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومن عوامل انتشار تلك الآفات: المعرفة غير الكافية بالدِّين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثِّر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدِّين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالَطات ودعاوى أهل الإلحاد؛ شُبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.

وفي هذا المقال سنتناول -بإذن الله- النقض لإحدى هذه الشُّبَه والمغالطات والدعاوى، وهي قولهم بأزلية المادة وأزلية الكون، فعندما تسأل أحد الملاحدة عمن أوجد المادة؟ يجيب: المادة أزلية موجودة منذ الأزل، فليست بحاجة إلى خَلْق وخالق، وعندما تسأل أحدهم عمن خلق الكون؟ يجيب: الكون وُجد منذ الأزل، والكون ليس إلا مادة وطاقة، ومادة الكون أزلية، والكون أزلي ليس بحاجة لخالق، ويستدل بعضهم بأن المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم، ويستدل بعضهم بنظرية الحالة المستقرة، وبعضهم يستدل بفرضية الكون المتذبذب، وبعضهم يقول: إن المفردة التي نشأ منها الكون أزلية، وكل هذه الأقوال ظُنونٌ وأوهام لا تغني من الحق شيئًا.

ما ذا تعني أزلية الكون والمادة؟

وقبل نقض شبهة أزلية الكون و المادة لا بد أن نعرف ما هي المادة؟ وما هو الكون؟ وما صفات الشيء الأزلي؟ وكلنا نعلم أن المادة هي كل ما له كتلة وحجم ويَشغَل حيزًا في الفراغ، ومن أمثلة المادة: الماء  والهواء والكواكب والنجوم والنباتات والجمادات والحيوانات، وغير ذلك.

والكون هو ذلك الفضاء المحيط بنا، وكل ما يحويه من مجرات ونجوم وكواكب، وغير ذلك.

وكلنا يعلم أن الأزلي ما ليس لوجوده بداية؛ فوجودُه ذاتي لا ينفك عنه؛ أي: يبقى إلى الأبد، ولا يعتمد في وجوده ولا استمرار وجوده على غيره؛ فهو مُستغنٍ عن غيره، ولا يتبدَّل ولا يتغير.

تحول المادة إلى طاقة ينافي الأزلية:

من مادة إلى طاقة

تتحول المادة إلى طاقة.. والعكس وفق قوانين فيزيائية معينة.

ومن المعلوم أن المادة يمكن أن تتحول إلى طاقة، والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة طبقًا لقوانين معينة، وهذا يدل على أن الوجود ليس صفة ذاتية ملازمة للمادة أو الطاقة؛ إذ لو كان الوجود صفة ذاتية ملازمة للمادة، لَمَا انفك عن المادة وفارَقها بأي حال من الأحوال، ولو كان الوجود صفة ذاتية ملازمة للطاقة، لَمَا انفك عن الطاقة وفارقها بأي حال من الأحوال؛ أي: إن الوجود صفة عارضة للمادة والطاقة، تعرِضُ للمادة أو الطاقة في بعض الأحوال، وتنفك عن المادة أو الطاقة في بعض الأحوال، وهذا يستلزم أن يكون لوجود المادة بداية؛ أي: المادة مُحدَثة ليست أزلية، وكل محدَثٍ له محدِثٌ.

تحول المادة من صورة لأخرى ينافي الأزلية:

ومن المعلوم أن المادة يمكن أن تتحول من صورة لصورة أخرى طبقًا لقوانين معينة، والتحول والتغير يدل على أن بقاء المادة في صورة معينة يحتاج إلى شروط معينة خارجة عن ذاتها، فإذا زالت تلك الشروط زالت تلك الهيئة والصورة؛ أي: المادة تحتاج إلى شروط معينة كي تبقى على صورة معينة، وحاجة الشيء إلى غيره تعني أنه غير مستغنٍ بنفسه عن غيره، وهذا معناه أنه غير قائم بذاته؛ أي: يحتاج إلى مَن يقيمه؛ أي: يحتاج إلى غيره، وهذا ينافي الأزلية.

خضوع المادة لقوانين لا تحيد عنها.. ينافي الأزلية:

ومن المعلوم أن أي مادة من المواد في الكون تخضع لقوانين معينة، ولا تستطيع المادة الخروج عن هذه القوانين، ويستحيل عليها تغييرها، ولو كانت هذه القوانين من المادة نفسها، لكان بإمكانها أن تغيرها، لكن الواقع أنها لا تستطيع تغييرها، ولا الخروج عنها، وإنما هي مفروضة عليها فرضًا؛ فدلَّ ذلك على أن هذه القوانين ليست من المادة، وبالتالي فهي مفروضة من غيرها، ووجود قانون ما يدل على وجود مقنِّن واضع لهذا القانون سبق القانون، والمادة تحكمها قوانين، ومقنِّن القوانين وواضعها سابق للقوانين؛ مما ينافي القول بأزلية المادة، وإذا كان للمادة قدر لا تستطيع تجاوزه، وتعجِز عنده – فهي مخلوقة لا محالة.

احتجاج الملاحدة بأن المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم على أزلية المادة:

يحتجُّ بعض الملاحدة على أزلية المادة بأنها لا تفنى ولا تُستحدث من عدم؛ معلِّلين ذلك بعلة عليلة، فيقولون: إذا كان في وقت من الأوقات لم يكن هناك شيء في الوجود – أي: لم يكن هناك وجود للمادة – فمن أين لها أن تنشأ؟! ولكن وجود المادة يعني أنها لم تنشأ في أي وقت من الأوقات، وفي الطبيعة لا ينشأ شيء من لا شيء، والجواب على هذا الاستدلال السقيم أن الخالق لا يعجزه شيء، وإذا كان المخلوق لا يمكنه أن يصنع شيئًا من لا شيء؛ فالخالق قدرته ليس لها حدود؛ فهو على كل شيء قديرٌ، قادر على خَلْق الأشياء من عدم، وقادر على خلق الأشياء من جنسها، وقادر على خلق الأشياء من غير جنسها، وقادر على إفناء الأشياء؛ قال تعالى: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس:82)، والعلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار العظيم، ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون؟ فلا ينبغي لنا أن نتكلم فيما لا نعلمه، وقال تعالى: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا” (الإسراء:36)، وكون المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم هذا كلام تجريبي على المادة التي نتعامل معها ونختبرها، أما المادة الأولى لنشأة الكون فلا سبيلَ للعلم للوصول إليها، فضلًا عن أن يختبرها.

دعوى البعض أن المفردة التي نشأ منها الكون أزلية:

سديم

ادَّعى بعض الملاحدة أن المفردة التي نشأ منها أو المادة التي نشأ منها أو السديم أو المادة الأولى للكون.

ادَّعى بعض الملاحدة أن المفردة التي نشأ منها أو المادة التي نشأ منها أو السديم أو المادة الأولى للكون – أزلية، وهذا كلام بلا دليل، والجواب عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن العلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار، ولا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون وتطوَّرَ منها كل شيء؟

الوجه الثاني: ليس هناك ما يدعو إلى أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم.

الوجه الثالث: الفضاء والزمان وجدوا مع الانفجار العظيم، والمادة هي كل ما له كتلة وحجم، ويَشغَل حيزًا في الفراغ؛ أي: المادة تحتاج إلى مكان أو حيز ليحتويها، وبالتالي لا مادة دون وجود المكان.

الوجه الرابع: كون الكون تطوَّرَ من المادة الأولى إلى الحالة التي هو عليها، فهذا يدل على أن المادة الأولى قد طرأ عليها التغيُّر والتبدُّل، وما يجري عليه التغير والتبدل لا يكون أزليًّا؛ لأن كل ما يتغير ويتبدل لا بد له من مُغيِّر ومبدل؛ أي: لا بد له من سبب يغيِّره ويبدِّله، وهذا السبب لا بد أن يكون سابقًا له؛ مما ينافي الأزلية، وما دامت المادة الأولى احتاجت إلى سبب يغيرها من حال إلى حال، وسببٍ يبدلها من حال إلى حال – فالمادة محتاجةٌ إلى غيرها، غير مستغنية بنفسها، مما يدل على أن المادة حادثة، ولو كان الأصل فيها الوجود الأزلي لم تكُنْ عُرضة للتحول والتغير والتبدل.

الكون ممكن الوجود، وهذا ينافي الأزلية:

هذا الكون – بكل ما فيه من مجرات، ونجوم، وكواكب، وبحار، وأنهار، ومحيطات، ونباتات، وحيوانات، وغير ذلك – يقبل الوجود والعدم؛ فإننا نرى أعيان ما في الكون تموت وتحيا، وتوجد وتنعدم، وكانت غير موجودة ثم وجدت، ونعلم أن المجرات والنجوم والكواكب والحيوانات والنباتات والجمادات لم تكن موجودة ثم وجدت، وعليه فلا مانع عقلًا من انعدام الكون، ولا يلزم من فرض وجود الكون محال، ولا يلزم من فرض عدمه محال، وهذه صفات ممكن الوجود، وممكن الوجود الأصل فيه العدم؛ إذ لو كان الأصل فيه الوجود، لكان واجبَ الوجود، فلا يكون مع ذلك ممكن الوجود والعدم، وإذا كان الكون مسبوقًا بالعدم فلا بد من وجود مَن رجَّح وجود الكون على عدمه؛ لبطلان الترجيح بلا مرجح، والممكن لا يوجد بنفسه، بل بغيره، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدَثًا، وهذا ينافي الأزلية.

القول بأزلية الكون يستلزم وجود أحداث لانهائية تمَّتْ في الكون، وهذا باطل:

القول بأزلية الكون يستلزم وجود أحداث لانهائية تمَّتْ في الكون، ولا يمكن أن يكون هناك عدد لانهائي من الأحداث تم في الكون؛ لأن أحداث الماضي واقعية، وليست مجرد أفكار؛ فإن عدد أحداث الماضي يجب أن يكون نهائيًّا؛ أي: يجب أن يكون له بداية.

الكون بالموجودات التي فيه يعتريه التغير والتبدل، وهذا ينافي القول بأزليته:

الكون يحمل دائمًا صفات حدوثه؛ إذ من المشاهَد أن الكون بالموجودات التي فيه -من مجرات، ونجوم، وكواكب، وغير ذلك- يتغير من حال إلى حال، ويتبدل من حال إلى حال، وكل ما يتغير ويتبدل لا بد له من مُغيِّر ومُبدِّل؛ أي: لا بد له من سبب يغيره ويبدله، وهذا السبب لا بد أن يكون سابقًا له؛ مما ينافي الأزلية، وما دام الكون يحتاج إلى سبب يغيره من حال إلى حال، وسبب يبدله من حال إلى حال؛ فالكون محتاج إلى غيره، غيرُ مستغنٍ بنفسه؛ مما يدل على أن الكون حادث، ولو كان الأصلُ في الكون والموجودات التي فيه الوجودَ الأزلي، لم يكن عُرضة للتحوُّل والتغير والتبدل.

الكون مِن أدقِّ دقائقِه إلى أكبرِ وَحداته في حركة دائرية؛ مما ينافي الأزلية:

سباحة الكواكب

من المعلوم أن الكون مِن أدقِّ دقائقه إلى أكبرِ وَحداته في حركة دائرية.

من المعلوم أن الكون مِن أدقِّ دقائقه إلى أكبرِ وَحداته في حركة دائرية، وعلى سبيل المثال: الإلكترون يدور حول نواة الذرة، والأرض تدور حول الشمس، والقمر يدور حول الأرض، والمجموعة الشمسية تدور حول مركز المجرة، والمجرة تدور حول مركز تجمع مَجَري، والشيء الدائر لا بد أن تكون له نقطة بداية بدأ منها دورته، وبما أن الكون بأكمله في حركة دائرية فلا بد أن تكون له بداية بدأ منها، وهذا ينافي الأزلية.

استمرار انتقال الحرارة من الأجسام الساخنة إلى الأجسام الباردة ينافي أزلية الكون:

حسب قانون الديناميكا الحراري الثاني فإن الحرارة تنتقل من الجسم الساخن إلى الجسم البارد، والطاقة المركزة الموجودة في نظام معزول تنتشر وتتوزع فيه بالتساوي مع مرور الزمن، والاختلافات في تركيز الطاقة تختفي بمرور الوقت، وتتساوى درجة الحرارة بمرور الوقت، ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام، وينضب فيها معين الطاقة، وهو ما يعرف بالموت الحراري، وعندها لن تكون هناك عمليات كيميائية أو فيزيائية، ولن يكون هناك أي أثر للحياة نفسها في هذا الكون، ولما كانت الحياة ما زالت قائمة، والعمليات الكيميائية والفيزيائية ما زالت مستمرة – فهذا يستلزم أن الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا، وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد، وتوقف كل نشاط في الوجود.

ظاهرة الإشعاع الحراري تنافي أزلية الكون:

من المعلوم أن الأجسام الساخنة تشع طاقة حرارية، ويطلق على الإشعاعات الصادرة عن الأجسام بفعل حرارتها اسم: الإشعاع الحراري، ومن الأجسام التي تشع طاقة حرارية: النجوم، والكون مليء بالعديد من النجوم، وهذه النجوم عبارة عن أجرام سماوية شديدة الحرارة، ملتهبة مشتعلة، تبعث العديد من الإشعاعات، وموت النجوم يكون بانتهاء وقوده/ من غاز الهيدروجين الذي يزودها بالطاقة، فإذا ما نفِدَت هذه المادة انكمش النجم، وتقلَّص حجمه إلى أقلَّ مما كان عليه بملايين المرات، ثم انهار وفقَدَ نشاطه، وما دامت الشمس والكثير من النجوم ما زالت مشتعلة وتبعث الإشعاعات، إذًا فلا بد من وجود بداية لها؛ لأنها لو كانت أزلية لنفِد وقودها منذ مليارات السنوات.

نظرية الانفجار العظيم تنافي أزلية الكون:

الانفجار العظيم

في اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات، حيث خلقت ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّفَ الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكوَّنت النجومُ والكواكب.

تقول نظرية الانفجار العظيم: إن الكون نشأ من كتلة واحدة، ثم انفجرت وتباعدت أجزاؤها وتناثرت، وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات، حيث خلقت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء خلقت الذرات، وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّفَ الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكوَّنت النجومُ والكواكب، وما زالت تتكون حتى وصل الكون إلى ما نراه عليه اليوم، وما دام الكون له بداية، فكيف يكون أزليًّا؟!

ومن أدلة حدوث الانفجار العظيم: وفرة غاز الهيدروجين والهيليوم في الكون، وإشعاع الخلفية الكونية، وتوسع الكون باستمرار.

ونعلم أن أي انفجار لا يكون إلا مخرِّبًا وهادمًا ومشتِّتًا ومبعثرًا للمواد، ولكن عندما نرى أن انفجارًا بهذا العنف وبهذا الهول يؤدي إلى تشكيل وتأسيس كون منظَّمٍ غاية النظام، فإن وراءه يدَ قدرةٍ وعلم وإرادة فوق الطبيعة، وهي يد الله – سبحانه وتعالى.

وفرة غاز الهيدروجين والهيليوم في الكون تنافي أزلية الكون:

وجد العلماء أن غاز الهيدروجين يكون أكثر قليلًا من (74%) من مادة الكون، ويليه في النسبة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي (24%) من تلك المادة، ومعنى ذلك أن أخف عنصرين يكونان معًا أكثر من (98%) من مادة الكون المنظور، أما بقية العناصر مجتمعة فتكون أقل من (2%) من مادة الكون، ونِسب وجود غازَي الهيدروجين والهيليوم في الكون تتطابق مع حسابات نظرية الانفجار العظيم، ولو كان الكون أزليًّا، لاحترق جميع الهيدروجين وتحوَّل إلى غاز الهيليوم.

احتجاج بعض الملحدين بنظرية الحالة الثابتة أو نظرية الحالة المستقرة على أزلية الكون:

يحتجُّ الكثير من الملحدين بنظرية الحالة الثابتة أو نظرية الحالة المستقرة، أو نظرية الكون اللامتناهي، أو الخلق المستمر على أزلية الكون ووجوده بلا تغير، وهذه النظرية عبارة عن نموذج تم تطويره في عام 1949 من قِبَلِ فريد هويلو توماس غولد وهيرمانبوندي وآخرين كبديل عن نظرية الانفجار العظيم، وحسب نظرية الحالة الثابتة، هناك مادة جديدة تتشكل وتُخلَق باستمرار مع توسع وتمدد الكون، بحيث يؤمَن الحفاظ على المبدأ الكوني المثالي، وقد تراجع الكثير من العلماء عنها في أواخر الستينيات مع اكتشافهم إشعاع الخلفية الكونية.

وإشعاع الخلفية الكونية ما هو إلا ضوء خافت يملأ الكون، ساقط نحو الأرض من كل الاتجاهات بشدة ثابتة تقريبًا، ويمكن القول: إنه الحرارة المتبقية من الخلق – بقايا التوهج الناتج عن الانفجار الأعظم – التي ظلت تتدفق عبر الفضاء خلال الـ: 14 مليار سنة الماضية، فعندما كان الكون صغيرًا جدًّا، وقبل تكوُّن النجوم والمجرات، كان شديد الحرارة، وكان يملؤه دُخَان ساخن جدًّا موزع توزيعًا متساويًا في جميع أنحائه، ومكونات هذا الدخان كانت بلازما الهيدروجين؛ أي: بروتونات وإلكترونات حرة من شدة الحرارة وعِظم الطاقة التي تحملها.

وبدأ الكون يتمدد ويتسع، فبدأت بالتالي درجة حرارة البلازما تنخفض إلى الحد الذي تستطيع فيه البروتونات الاتحاد مع الإلكترونات مكونة ذرات الهيدروجين، وأصبح الكون مضيئًا، وانتهت فترة الظلمة، وكانت الفوتونات الموجودة تنتشر في جميع الأرجاء، إلا أن طاقتها بدأت تضعف؛ حيث يملأ نفس عدد الفوتونات الحجم المتزايد بسرعة للكون، وهذه الفوتونات هي التي تشكل اليوم إشعاع الخلفية الكونية، وانخفضت درجة حرارتها عبر نحو 14 مليار سنة الماضية، هي العمر المقدر فلكيًّا للكون.

ويعتبر إشعاع الخلفية الكونية من الأدلة الهامة على صحة نظرية الانفجار العظيم؛ فقد قال العلماء: لو كان هناك مثل هذا الانفجار، لكان من الضروري أن يخلِّف وراءه إشعاعًا، وفعلًا تم العثور على هذا الإشعاع عام 1989م.

توسع الكون باستمرار ينافي أزليته:

لاحَظ العلماء أن هناك مجرات في الكون تتحرك مبتعدة بعضها عن بعض، وأن الأجسام السماوية تترك عند تحليل طيفها لونًا أكثر احمرارًا في حال كانت تقترب من مركز المراقبة، ولكنه يميل إلى الأزرق عندما تبتعد؛ فالضوء المنبعث من النجوم في مجرات بعيدة ينحرف نحو موجات الضوء الحمراء والطويلة للطيف، وهذه الظاهرة، تدعى الإزاحة الحمراء، فسرت على أنها ناتجة عن الحركة السريعة للمجرات في ابتعاد كل منها عن الأخرى، وأصبح بمقدور العلماء أن يحسبوا سرعة حركة المجرة من الانحراف الأحمر.

وقد أعلن أدوين هابل عام 1929م أن المجرات تبتعد عنا بسرعة تتناسب طرديًّا مع بُعدِها عنا؛ أي: إن الكون يتمدد ويتوسع باستمرار، وما دام الكون في توسع دائم، إذًا لو عدنا بحساباتنا إلى الوراء، فمن الضروري أن الكون في الماضي كان كله متركزًا في نقطة واحدة، أطلق عليها العلماء اسم: الذرة البدائية، أو الحساء الكوني.

وتوسع الكون ينافي أزليته، فإذا كان الكون يتمدد، وكان أزليًّا، لكان قد تبعثر، وتناثرت مادة الكون، وتشتت الكون.

احتجاج الملحدين بفرضية الكون المتذبذب:

يحتجُّ بعض الملاحدة على أزلية الكون بفرضية تُدعى: الكون المتذبذب، وهذه النظرية ترى أن الكون نشأ من انفجار أعقبه انسحاق أعاد الكون إلى حالة المفردة، ثم أعقب ذلك انفجار، ثم انسحاق، ثم انفجار، ثم انسحاق، وهكذا إلى ما لانهاية في القدم، وهذه النظرية مجرد ظن لا يغني من الحق شيئًا؛ فلا دليل على أن كوننا كان قد سبقه كون منسحق، وحسب قوانين الديناميكا الحرارية يستحيل أن تكون هناك انفجارات أزلية؛ لأن كل انفجار يجب أن ينتج كونًا له عمر أطول من الكون السابق؛ أي: دورة الكون السابق أقصر من الكون اللاحق، فإذا رجعنا إلى الوراء، سيتقلص زمن كل كون في هذه السلسلة، ونعود إلى كون زمن دورته صفر، فنسأل عن هذا الانفجار الأول، وعن المؤثر الذي أحدثه، وستكون هذه هي بداية دورات التذبذب، وأيضًا يستحيل تحقق اللانهائية في الواقع؛ فهو مفهوم رياضي يستحيل تحققه في العالم المادي، ولا يمكن أن يكون هناك عدد لانهائي من الأكوان تم في الماضي؛ لأن أحداث الماضي واقعية، وليست مجرد أفكار؛ فإن عدد أحداث الماضي يجب أن يكون نهائيًّا؛ أي: يجب أن يكون له بداية.

____________________________

المصدر: بتصرف عن موقع شبكة الألوكة الثقافية http://www.alukah.net/sharia/0/82990/

 

 

مواضيع ذات صلة