التأمل في خلق الله.. سياحة الروح في أسرار الملكوت

هناك مخلوقات كثيرة، وعجائب مثيرة، وأعماقها مهيبة، فتركت التأمل في الأرض وما فيها من حيوان، ونبات، إذ الوصول إلى شأوها، أو حصرها، من رابع المستحيلات…

د. عبد الرحمن الأهدل

جمال السماء

تأملتُ في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيرت العقول، وترامى تحت عجائبها المفكرون الفحول.

وقفت مع نفسي وقفة  تأمل، وتدبر، وتفكر، والتفكر في خلق الله من أجل العبادات التي غفل عنها الكثيرون، ولأن التفكير يولد التأمل في خلق الله، واستشعار عظمته سبحانه وتعالى ..

تأملت في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيرت العقول، وترامى تحت عجائبها المفكرون الفحول، بل عجزت كل الوسائل الدقيقة والتقنية الحديثة أن تصل إلى شأن هذا الكون الفسيح، المترامي الأطراف فرجع البصر خاسئا وهو حسير.

و ازدادت حيرتي حينما علمت علما يقينا أن في السماء مخلوقات بأحجام عظيمة تفوق الخيال، وتتجاوز المحيط الفكري، وحدود الخواطر، وتيقنت أن هذه المخلوقات تسير وفق خطة محكمة، لا تتعدى حدودها المرسومة لها، ولا تميل عن مسارها.. و زادني دهشة ارتباط هذه المخلوقات العلوية، ارتباطا وثيقا بحياة المخلوقات السفلية الكائنة في هذه الأرض المليئة بالعجائب هي الأخرى.

فبدأت التفكر والتأمل والتدبر في الشمس، هذا المخلوق العظيم الذي لا غنى للمخلوقات على الأرض من الحرارة والأشعة الصادرة منه..

ففوائد الشمس كثيرة لاتعد ولا تحصى.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر …

أن الشمس تمد الأرض بالدفء مما يجعل حياة المخلوقات على هذه البسيطة ممكنة الحدوث و الاستمرار.

وناهيك بالضياء الذي نحتاجه في كل مجالات الحياة وأهمه الخروج إلى السعي وراء أرزاقنا.

وأما النباتات وباقي الكائنات الحية فضوء الشمس ضروري لها ومهم لقيامها بعملية التمثيل الضوئي.

والشمس تصدر طاقات هائلة يستغلها الإنسان، وكم من دول تولد الكهرباء والطاقات الأخرى مما تصدره الشمس.

ومن الناحية الطبية فإن أشعة الشمس تفيد الجلد في إنتاج الفيتامين ( د ) الضروري لنمو العظم، وتدور الأرض حول الشمس في عام كامل، مما يفيد الإنسان في عمل الحسابات الكونية وعد السنين.

وحـرارةُ الشمس تبخر الماءَ فتسوقُ السحاب، وترفعه فوق الجبال، وتقـودُه إلى بلد ميت، فتنبتُ الزرعَ، وتدر الضرع، وغير ذلك مما نعلمه ومالا نعلمه.

ومن غير الهواء وحرارة الشمس ما كنا وجدنا حبة قمح، أو تمرة، أو شجرة، ولو كانت الشمس دائمة السطوع علينا لاحترقت جميع النباتات، ولكن تعاقب الليل والنهار بانتظام يعمل على تنشيط تكون الغذاء.

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (النحل:12).

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (الأعراف:54)

وعلمت علما يقينا أن هناك شموسا عملاقة داخل المجرات أكبر من شمسنا هذه كشمس “قلب العقرب” التي يبلغ حجمها أربعمائة مرة من حجم شمسنا، حسب التقديرات المبنية على العلم والتكنولوجيا الحديثة.

وفي هذه المجرات ملايين الشموس وإن كنا نراها على شكل نجوم نتيجة لبعدها الهائل.

كل هذا الخلق العظيم في سماء الدنيا فماذا تحمل السموات السبع وما فيهن.

فيا لعظمة هذا الكون الفسيح، ويا لعظمة ما فيه من عجائب لا تحصى، وأسرار لا تتناهى…

فغضضت طرفي، وطويت تفكيري، أمام كون لا يسعه تفكير مخلوق، ولا يحيط به عقل إنسان وتلوت قول الله تعالى: “مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحـج:74).

ثم عاد التأمل والتفكر من جديد في كوكبنا الذي نعيش عليه، وهو هذه الأرض فجلت بطرفي، وتفكيري، في بحارها، وأنهارها، وجبالها، وترابها، وكائناتها الحية المتنوعة، وكل ما مر بخاطري، وتفكيري، وإذا بي أقف أمام خلق يعجز العقل البشري عن إدراك كنهه، وتقف الأفكار حائرة في عظمة صنعه، ودقة تنظيمه.

فقلت لنفسي عن ماذا تبحثين وفي ما ذا تتفكرين، أمام ناظريك كون مليء بالمخلوقات والكائنات من حيوانات وسوائل، وجمادات، والتي لا يمكن حصرها، ولا الوصول إلى قعرها فبصرك كليل، وفكرك عليل.

فانظري وتأملي في البحار مثلا، فإنها مليئة بأنواع المخلوقات، والكائنات ومنها اللؤلؤ، والمرجان، وأنواع الأسماك، بل هناك كائنات أخرى يتغذى عليها الإنسان لا حصر لها، ومن البحر يستخرج الإنسان الملح الذي لا غنى عنه لأجسادنا حيث أن الملح هو أحد العناصر المهمة لحياة الإنسان، والحيوان، وحتى النبات.. وإني بحاجة إلى حمل بعير من الأوراق لأسطر فيها ما يحمله هذا البحر الهائل من أسرار “وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل:14)، “اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (الجاثية:12).

وحينئذ قلت لنفسي تأملي في الجبال الرواسي التي جعلها الله لتثبيت الأرض فإن في باطن صخورها كنوزا، وثروات عزيزة، مثل الأحجار الكريمة من الألماس والذهب والمعادن الأخرى كالرصاص، والنحاس، والحديد، والنيكل، والقصدير والزنك، التي تدخل في الكثير من الصناعات ومن الجبال نتخذ البيوت التي نسكنها وغير ذلك من النعم التي لا تحصى.

وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (النحل:15).

وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (الأعراف:74).

وهناك مخلوقات كثيرة، وعجائب مثيرة، وأعماقها مهيبة، فتركت التأمل في الأرض وما فيها من حيوان، ونبات، إذ الوصول إلى شأوها، أو حصرها، من رابع المستحيلات.

بعد التأمل .. نتيجة حتمية واحدة!

سُبْحَانَ رَبِّيْ…

بعد كل هذه التأملات.. خرجت بنتيجة حتمية، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث.

وأدركت أن الله واجب الوجود، وأدركت القدرة الإلهية للخالق، وعظمته وعلمه اللانهائي، المحيط بالكون، في السماء وفي الأرض.

وأن خلْق السموات والأرض، وما أوجد فيهما من مخلوقات تسعى، لا نعرف إلا بعضاً منها، ولا ندري عما تفرَّق منها في ملكوت الله الواسع إلا النزر القليل.

فإبداع هذا الكون، وضخامته الهائلة، وتناسقه، وجريانه وفق نظام دقيق، ينبئ عن عظمة مُبدِعه، و هذا يهدي المتأمِّل فيها إلى قدرة الله عز وجل، فتنجذب النفوس إلى الإيمان، وتتفجَّر ينابيع التسبيح والإقرار بتلك العظمة والقدرة من قلبه على لسانه.

ويدرك المتأمل أن هذا الكون بما فيه لم يُخلق عبثاً، ولا باطلاً، فلا يملك الإنسان بعد كلِّ هذه الدلائل إلا أن يتوجَّه إلى خالقه، ومالكه، خاشعا متضرِّعاً، معلناً قناعته بحكمته تعالى في خلق المخلوقات، قائلاً : “رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (آل عمران:191).

وهذا من أدب المؤمن مع الله؛ فهو حين يهتدي إلى شيء من معاني إحسانه وكرمه في بديع خلقه، ويستشعر عظمته، ينطلق من الإقرار إلى الدعاء، طالباً من مولاه أن يجنِّبه عذاب النار، وأن يوفِّقهُ لصالح الأعمال، فهو سبحانه الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والأمر.

والقرآن الكريم يوجِّه أنظار الناس إلى التأمُّل في عجائب صنع الله في الكون وهي مبثوثة في الوجود كله…

___________________________________________

المصدر: بتصرف عن موقع صيد الفوائد https://www.saaid.net/Doat/alahdal/30.htm

مواضيع ذات صلة