المرأة في تاريخ الفقه الإسلامي.. مفتيةٌ وقاضيةٌ أيضا!!!

انتشار المُفتيات خلال عصور إسلامية مختلفة، يشير إلى أنّ أمر إفتاء المرأة وإتقانها لعلوم الفقه لم يكن سمة لمرحلة محددة أو قاصراً على شخصيات بعينها، بل كان أمراً عضوياً، بدأ منذ صدر الإسلام، واستمر قروناً طويلة بعد ذلك. في السطور التالية، نستعرض مجموعة من أشهر المُفتيات، خلال عصور إسلامية مختلفة.

(مقتطف من المقال)

محمد حسين الشيخ

الفقه

كانت أم موسى القهرمانة تجلس في دار المظالم برصافة بغداد كل يوم جمعة ومعها عدد من الفقهاء، لاستشارتهم في مسائل الفقه قبل إصدار الأحكام والفصل في النزاعات.

تحدث ابن حزم الأندلسي القرطبي، أكبر علماء الأندلس، عن ترعرعه على أيدي النساء، فقال: (تربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب.. وهنّ علمنني القرآن وروين لي كثيراً من الأشعار ودربنني في الخط).

لعل شهادته خير بداية للحديث عن تاريخ الفقه الإسلامي الذي يحفل بنساء عالمات كان لهن تأثيراً كبيراً، وتتلمذ على أياديهن كثير من الرجال المشاهير.

كنّ يسافرن في طلب العلم، ويسافر إليهن طلاب المعرفة من بلاد أخرى. ومن أهمية بعضهن أن خلفاءً وملوكاً كانوا يطلبون استشارتهن قبل اتخاذ القرار، بل ومنهم من كان يذهب إلى مجالسهن ليستمع إلى علمهن.

انتشار المُفتيات خلال عصور إسلامية مختلفة، يشير إلى أنّ أمر إفتاء المرأة لم يكن سمة لمرحلة محددة أو قاصراً على شخصيات بعينها، بل كان أمراً عضوياً، بدأ منذ صدر الإسلام، واستمر قروناً طويلة بعد ذلك. في السطور التالية، نستعرض مجموعة من أشهر المُفتيات، خلال عصور إسلامية مختلفة.

أم الدرداء الصغرى.. تمكنت من علوم الفقه والحديث معا

ممن برزن في القرن الأول الهجري، خلال العهد الأموي، التابعية هُجَيمة بنت حيي الأوصابية، وقيل “جهيمة”، زوجة الصحابي أبو الدرداء الأنصاري، وكانت تصغره كثيراً. كانت فقيهة ومحدثة، وكان لها مجلس علم في المسجد الأموي بدمشق، يقصدها به طلبة العلم.

يُحكى بأنّ الخليفة الأموي، عبدالملك بن مروان، كان من جلسائها، وأحياناً كان يجلس ضمن الطلبة (وهو خليفة)، وجاء في ترجمتها في “سير أعلام النبلاء” للذهبي، أنها كانت في حلق القراء تعلم القرآن.

توفيت عام 81هـ في دمشق، وقال محمد بن حبان في كتابه “الثقات”، إنها كانت تقيم 6 أشهر في بيت المقدس، و6 آخرين في دمشق، سنوياً.

أم موسى القهرمانة.. أول امرأة تتولى القضاء!

وفي العصر العباسي، برزت كثيرات، منهن “ثمل” أو أم موسى القهرمانة، التي كانت أول امراة تتولى القضاء في الإسلام، حيث تولت منصب “قاضي قضاة بغداد”، عام 306هـ، في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، بدعم من “ناعم” أم المقتدر، وكانت تجلس في دار المظالم برصافة بغداد كل يوم جمعة ومعها عدد من الفقهاء، لاستشارتهم في مسائل الفقه قبل إصدار الأحكام والفصل في النزاعات.

وكان منصب القاضي في تلك العصور، لا يتولاه إلا الفقهاء من الرجال، ولهذا تندّر البعض بل واعترض على الأمر، إلا أن الأمر استمر لسنوات، وتعايش الناس معه.

وصل نفوذ القهرمانة إلى استطاعتها عزل وتولية الوزراء، ولكنها تركت القضاء بعد خلاف مع أم المقتدر، التي خافت من نفوذها السياسي، فأمرت باعتقالها هي وأهلها ومصادرة أموالهم، عام 310هـ، وقيل 311هـ.

ورد ذكر أم موسى في عدد كبير من أمهات كتب التاريخ، ومنها “تاريخ الإسلام” للذهبي، “الكامل في التاريخ” لابن الأثير، “البداية والنهاية” لابن كثير، و”تجارب الأمم وتعاقب الهمم” لابن مسكويه.

ستيتة بنت المحاملي.. مفتية ومستشار علمي!

برزت ستيتة (ت. 377هـ) في الفقه، خلال القرن الرابع الهجري، وكانت شاهدة علمية في محكمة بغداد، أي كان القاضي يستعين بها كمستشار علمي قبل الحكم، لإتقانها الفقه بالإضافة إلى علم الرياضيات.

وفي عصرها، كانت تتصدر الإفتاء على مذهب الفقه الشافعي جنباً إلى جنب مع أبي علي بن أبي هريرة في بغداد، عاصمة الخلافة العباسية. وهي ابنة القاضي أبي عبدا لله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي المحاملي، وأم القاضي أَبي الْحسين محمد بن أَحمد بن القاسم بن إسماعيل المحاملي.

ووردت سيرتها في عدد من مراجع التاريخ، ومنها “البداية والنهاية” لابن كثير، و”سير أعلام النبلاء” للذهبي، و”ترتيب الأعلام على الأعوام” للزركلي.

فاطمة بنت محمد السمرقندي.. الوزيرة الفقيهة

تصدرت للفتوى والتدريس في حلب، خلال القرن السادس الهجري، وكان لها مجلس علم يقصده طلاب العلم والفتوى، حتى أن الملك العادل، نور الدين محمود، كان يستفتيها في الدين ويستشيرها في أمور الحكم.

ولدت فاطمة في مدينة كاسان بتركستان، وكان أبيها، محمد بن أحمد السمرقندي، من كبار الفقهاء هناك، وكانت الفتوى تصدر مشتركة بينها وبين أبيها، ممهورة بتوقيعها جنباً إلى جنب مع توقيعه، وكثيراً ما ردته في آراءه.

تزوجت من علاء الدين الكاساني، الملقب بملك العلماء، وهو أحد أكابر فقهاء المذهب الحنفي في عصره، وكانت تفعل معه ما تفعله مع أبيها في الفتوى، حتى توفيت عام 581هـ.

ورد ذكرها في مصادر عدة، منها “أعلام النساء” لحمد رضا كحالة، و(الدُّر المنثور في طبقات ربات الخدور) لزينب فواز.

ست الوزراء.. رُحل إليها لطلب العلم منها!

وفي القرن السابع برزت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجي التنوخية الحنبلية، وكانوا يلقبونها بـ (وزيرة فقيهة).

أخذت بمسند الشافعي بدمشق ثم بمصر، وقال عنها بن تغري بردي: (صارت رحالة زمانها، ورُحِل إليها من الأقطار). وتتلمذ على يديها كثيرين، ومنهم القاضي محيي الدين بن فضل الله العمري.

ولدت في دمشق سنة 642هـ، ووالدها هو الإمام شمس الدين أبو الفتح عمر، وكان قاضي حران، وتوفيت في دمشق عام 716هـ، ووردت ترجماتها والحديث عنها، في مراجع عدة، منها “البداية والنهاية”، و”سير أعلام النبلاء”، و”ترتيب الأعلام على الأعوام”.

ست الملوك الحنبلية.. من أهم فقهاء بغداد

في القرن السابع الهجري (أي الثالث عشر الميلادي) أيضاً، برزت فاطمة بنت علي بن الحسين بن حمزة، الملقبة بـ”ست الملوك”، وهي فقيهة حنبلية، وراوية حديث، ومن أهم فقهاء بغداد، حيث توفيت بها عام 710هـ.

وترصد المتخصصة في التاريخ والدراسات التراثية، الدكتورة مياسة حاتم نايف، في دراسة لها، عدداً من العلماء الذين أجازوها للفتوى والحديث، ومنهم: شهاب الدين عمر بن محمد السهرودي، الذي وصفه الذهبي بـ”الشيخ الإمام العالم القدوة الزاهد العارف المحدث شيخ الإسلام أوحد الصوفية”، أبو بكر محمود بن مسعود بن بهروز، أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، علي بن أبي بكر بن روزبة، أحمد بن أبي السعود بن القميرة، وأحمد بن يعقوب المارستاني، والأنجب بن أبي السعادات الحمامي، وسعيد بن محمد بن ياسين، وعبد العزيز بن دلف، وعبد الملك بن أبي القاسم بن قينا، ومحمد بن سعيد بن الخازن، ومحمد بن محمد بن السباك، وعجيبة الباقدارية.

كما ترصد مياسة بعضاً ممن أجازتهم، من الذين تعلموا على يديها، ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الكازروني، عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن شامة، وأبو العلاء محمود بن أبي بكر الفرضي، تاج الدين أبو الحسن علي بن سنجر بن السباك، و أبو الفضل عبد الأحد بن سعد الله بن نجيح الحرَّاني، وسراج الدين عمر بن علي القزويني.

فاطمة بنت عياش البغدادية.. الفريدة في دهرها!

كانت فاطمة بنت عياش بن أبي الفتح، المكناة بـ”أم زينب”، من أعلام القرن السابع الهجري، وصفها بن رجب الحنبلي، في كتابه “الذيل على طبقات الحنابلة”، بأنها “الواعظة، الزاهدة، العَبّادة، الشيخة، الفقيهة، العالمة، المُسنِدة، المفتية… الواحدة فِي عصرها والفريدة فِي دهرها المقصودة فِي كُل ناحية، كانت جليلة القدر، وافرة العلم، تسأل عَن دقائق المسائل، وتتقن الفقه إتقاناً بالغاً”.

كانت تفتي على المذهب الحنبلي، وتعلمت على يد الفقيه الحنبلي الشهير، شمس الدين بن أبي عمر، وكانت من المقربين لابن تيمية.

ولدت في بغداد، ثم انتقلت إلى دمشق، واستقرت بالقاهرة، وتوفيت بها عام 714هـ، وتركت من خلفها ابنتها زينب، وكانت واعظة شهيرة، جاء ذكرها في “البداية والنهاية”، و”سير أعلام النبلاء”.

فاطمة بنت أحمد بن يحيى.. الفقيهة اليمنية

بنت الإمام المهدي مؤلف كتاب “الأزهار”، وهي من أعلام القرن التاسع. كانت فقيهة يمنية، راجعها والدها في مسألة الخضاب بالعصفر، وقال عنها: “إن (فاطمة) ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام”، ومدحها بقوله :ونساؤنا فاقت أئمة غيرنا … في الفضل والتدريس و الأخلاق.

تزوجت بالإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وكان إذا أشكلت عليه مسألة، خرج بحلها من عندها؛ فيقول له أصحابه أو تلاميذه :”هذا ليس منك، هو من خلف الحجاب”، وتوفيت عام 840هـ، وأورد الإمام الشوكاني ترجمة لها، في كتابه “البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع”.

قريش بنت عبدالقادر الطبرية.. العالمة الفاهمة

وإذا قفزنا إلى القرن الحادي عشر، نجد أن قريش بنت الإمام عبد القادر بن محمد بن يحيى بن مكرم بن المحب الطبري، من أبرز مفتياته.

وصفها تلميذها الشمس البديري، في كتابه “فهرس الفهارس والأثبات” بـ” العالمة الفاهمة ذات الشيم المرضية والأخلاق الرضية”.

وأضاف: “قرأت عليها في بيتها طرفا من الكتب الستة، وطرفا من الموطأ، ومسند الشافعي، وأحمد، وباقي المسانيد، وأجازتني بقلمها ولسانها، حسب روايتها عن أبيها عبد القادر الطبري”.

وقال عنها فالح بن محمد بن الظاهري المدني، في كتابه “أنجح المساعي في الجمع بين صفتي السامع والواعي”. وعرفت أسرتها من بيت الطبري بالاهتمام بالعلم، وأخرجت مجموعة من الفقهاء والمحدثين، كانت هي آخرهم، وتوفيت بمكة المكرمة عام 1107هـ.

___________________________________

المصدر: بتصرف بسيط في العنوان عن http://bit.ly/2yBV91Y

مواضيع ذات صلة