حقوق الإنسان في الإسلام.. ضروارت تحقيق الإنسانية!

حقوق الإنسان في الاسلام والحرية الإنسانية -بالمعنى الفردي والجماعي والاجتماعي- في عرف الإسلام -واحدة من أهم “الضرورات” – وليس فقط “الحقوق” – اللازمة لتحقيق إنسانية الإنسان…

(مقتطف من المقال)

شعبان صبَّاح

حقوق الإنسان

تعتد دعوة الإسلام بالإنسان كل الاعتداد، وهي دعوة عالمية تخاطب البشر جميعاً فلا تفرق بين حبشي وعربي ولا بين فارسي وتركي…

لم تعرف البشرية على مدار مراحل تاريخها منذ هبط آدم إلى الأرض وإلى يومنا هذا ديناً مثل الإسلام، كرّمها ورفع قدرها وأعلى شأنها، ووضح ذلك في القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه: “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” (التغابن:3)، وكان هذا أعظم تكريم للإنسان، صوره الله في أجمل هيئة وأحسن صورة، ومن هنا استقى المصلحون القيم النبيلة، وما ارتضاه الناس من القواعد الاجتماعية العالية التي تحفظ للفرد كرامته، ثم وضعوا من القوانين الوضعية ما يصون خصوصية الإنسان الذي خلقه الله واستخلفه في الأرض ومنحه الحرية التي بها يصون كرامته.

وله من إرادته ما يجعله يفعل ما يريد دون ضغط أو إكراه، ومن أجل ذلك بعث الله الأنبياء هداة مرشدين، وعلى لسان كل رسول جاء تكريم الإنسان، واقتضت مشيئة الله سبحانه وتعالى أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء الذي أعلن من أول لحظة تنبؤه أن الإنسان حرّ في حياته مكرم عن الله – خالقه وهاديه وربه – وهذا الانسان لا يستهان به، ولا يستضعف ولا يستغل ولا تمتهن شخصيته تحت أي ادعاء، وجاء ذلك صريحاً في قول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء:70).

وبالرغم من حفظ الله لكرامة الإنسان وحقوقه وحريته فقد “جدّت قضايا عديدة شغلت عقول الناس وفكرهم ونالت حظاً وافراً من اهتمامهم وسعيهم، وينبغي أن يكون الدعاة إلى الله على علمٍ بهذه القضايا، وما يراد منها، والقائمين بها، وما فيها من خير للناس أو شر.

الحق والحرية الإنسانية

وبما أنني في هذا البحث أتحدث عن حقوق الإنسان في الإسلام فلا بد لنا أن نتعرف على معنى الحرية التي يتمتع بها الإنسان، وما هي حدودها، لذلك أسوق بعض التعريفات عن الحرية والحق كما يراها المسلمون.

لم تصبح الحرية تلك الكلمة التي تؤثّر في الأفراد والجماعات في الغرب، عقيدةً راسخة في المجتمعات الغربية، إلا بعد كفاح طويل ومرير دام عدة قرون. ولم يتخلص الناس في أوروبا من استبداد حكام الإقطاع وسلطان رجال الكنيسة، وجمودهم، ووقوفهم في وجه كل نزعة للتحرر الإنساني، والتقدم العلمي، إلا بعد جهدٍ كبير بذله كتاب وفلاسفة، دام عشرات السنين. ومع ذلك، لم يتحدد معنى الحرية تحديداً واضحاً حتى الآن.

وفي المفهوم الإسلامي، تعتبر الشريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشريعة. فالحق في الحرية هو وسيلةٌ كبرى لتحقيق غاياتٍ نبيلةٍ وسامية، تتفق مع كرامة الإنسان ورسالته في استخلافه في الأرض. ومن أجل ذلك، بدأ الإسلام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله عز وجل وتحريره من شهوات نفسه ونزوات غريزته.

فالحرية كما يرى علماء المسلمين، هي قدرة الإنسان على التصرف، إلا لمانع من أذى أو ضرر له أو لغيره. وفي الإسلام يجب على الإنسان أن يتحرّر من عبودية غير الله. وسمى الله عبادة الإنسان طاغوتاً، وأمر الناس أن يكفروا به، قال الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا” (النساء:60).

والحق في اللغة: هو الشيء الثابت دون ريب، وهو النصيب الواجب سواء كان للفرد أو للجماعة. ويعرف الحق بأنه ما قيم على العدالة والإنصاف ومبادئ الأخلاق. والحق في الشريعة الإسلامية لفظ يشير إلى الله عز وجل وهو اسم من أسمائه الحسنى جل شأنه.

حقوق الإنسان في الاسلام والحرية الإنسانية -بالمعنى الفردي والجماعي والاجتماعي- في عرف الإسلام -واحدة من أهم “الضرورات” – وليس فقط “الحقوق” – اللازمة لتحقيق إنسانية الإنسان. بل إننا لا نغالي إذا قلنا: إن الإسلام يرى في “الحرية” الشيء الذي يحقق معنى “الحياة” للإنسان. فيها حياته الحقيقية، وبفقدها يموت، حتى ولو عاش يأكل ويشرب ويسعى في الأرض كما هو حال الدواب والأنعام!!

حقوق الإنسان في الإسلام

أنواعٌ كثيرة هي الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، ولكن في هذا البحث سأتناول خمسَ حقوقٍ كفلها الشرع الحنيف للإنسان وهي:

  • الحق في حرية الرأي والفكر
  • حق المساواة
  • الحق في العدل بين الناس
  • الحق في محاكمة عادلة
  • حقوق وواجبات أثناء الحرب

1- الحق في حرية الرأي والفكر:

دعا الإسلام إلى حرية الفكر، وخلّص العقل من سلطان الماضي وتحكم الآباء، واستعباد العرف والتقاليد. وأمر بالنظر في عجائب الكون، وضرب في ذلك أمثلة تتفتح لها الأذهان. “أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ…” (الأعراف:185). وقال أيضاً: “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ.أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا” (عبس:24-30)، ومن الثابت أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يفسح المجال للرأي الحر والفكر الصريح، وكان يكره الرجل الإمعة الذي يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، وكان يطلب إلى أصحابه أن يدلوا برأيهم في بعض المسائل وأن يحاولوا حل ما يعترضهم من صعاب.

وطالما أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حزبهم أمر رجعوا إلى كتاب الله وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإننا لابد وأن نهتدي بهديهم فنرى في القرآن كنز عظيم من حقوق الإنسان التي وردت فيه على شكل قوانين إلهية كالآتي:

1- لكل شخص أن يفكر ويعتقد ويعبر عن فكره ومعتقده دون تدخل أو مصادرة من أحد ما دام يلتزم بالحدود العامة التي أقرتها الشريعة، ولا يجوز إذاعة الباطل ولا نشر ما فيه ترويج للفاحشة أو تخذيل للأمة: “لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا” (الأحزاب:60-61)

2- التفكير الحر -بحثاً عن الحق- ليس مجرد حق فحسب، بل هو واجب كذلك: “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ” (سبأ:46).

3- من حق كل فرد ومن واجبه: أن يعلن رفضه للظلم، وإنكاره له، وأن يقاومه، دون تهيب من مواجهة سلطة متعسفة، أو حام جائر، أو نظام طاغ.. وهذا أفضل أنواع الجهاد: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: (كلمة حق عند سلطان جائر) رواه الترمذي والنسائي بسند حسن.

4- لا حظر على نشر المعلومات والحقائق الصحيحة، إلا ما يكون في نشره خطر على أمن المجتمع والدولة: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ” (النساء:83).

5- احترام مشاعر المخالفين في الدين من خلق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره، ولا أن يستعدي المجتمع عليه: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ” (الأنعام:109).

2- حق المساواة على عكس التمييز العنصري

فالإسلام دين السماحة المطلقة دون منازع، وإن كان يصعب على مراقبي الغرب تفهم ذلك، ولكن هذا هو الإسلام أحق بالحق، فإلحاح الإسلام على ضرورة السماحة والتسامح راسخ في القرآن الكريم: “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ…” (الكهف:29). بهذا يتضح أن الإسلام يؤكد على المساواة والتسامح، بل يدل على موقف شامل للتعامل بالتسامح مع الآخرين فكرياً وعلمياً.

تعتد دعوة الإسلام بالإنسان كل الاعتداد، وهي دعوة عالمية تخاطب البشر جميعاً فلا تفرق بين حبشي وعربي ولا بين فارسي وتركي، “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا…” (الأعراف:158). ودعوة ٌ هذا شأنها لا تسلّم بتمييز عنصرين ولا تبالي بتفرقة في اللون أو الجنس، ويرى الإسلام أن بني البشر سواء، يرجعون إلى أصل واحد وطبيعة مشتركة، كلهم لآدم وآدم من تراب..

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء:1).

3-في العدل بين الناس

في الإسلام نجد “قيمة” العدل عالية متألقة تتصدر كل “القيم” الثوابت التي يدعوا إليها الدين، فهو المقصد الأول للشريعة، وكل السبل التي تكفل تحقيقه هي سبل إسلامية شرعية، حتى لو لم ينص عليها الوحي أو ترد في المأثورات. بل إننا واجدون “العدل” اسماً من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته سبحانه وتعالى، وكفى بذلك دليلا على المكان الأرفع للعدل في فكر الإسلام، والعدل في العرف الإسلامي ضد “الجور والظلم” وهو يعني جماع مزاج الإسلام وخاصية حضارية أي الوسطية والتوازن المدرك بالبصيرة والذي يحقق إنصاف بإعطاء كل إنسان ما له وأخذ ما عليه منه، ومن هنا كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عرف به الوسطية بالعدل، والعدل بالوسطية عندما قال: “الوسطية: العدل، “جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا” (البقرة:143).

وإذا كان “العدل” هو “الحق” فإن مجاورة “الحق” هي الظلم والجور. وإذا وقع هذا الظلم في علاقة الإنسان بعقيدة الألوهية كان كفراً أو شركاً أو نفاقاً “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان:13). وإذا وقع هذا التجاوز في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان سمي ظلماً “إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ” (الشورى:42). وكذلك تكون تسميته عندما يكون التجاوز للحق واقعاً من الإنسان في حق نفسه وذاته “فمنهم ظالم لنفسه”. وإذا كان “الظلم” مفسداً لشؤون الدين والدنيا فإنه “ظلمات يوم القيامة” كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقد سوى النبي بين المسلمين في حديثه ومجلسه وعدل بينهم في الغرم والغنم، وأنصفهم من كل شيء حتى من نفسه، ولم يستجب لمحاباة أو محسوبية، ضرب مرة أحد الصحابة بقضيب في بطنه تسوية للصف في الجهاد، فشكا إليه ولم يتردد في أن يكشف عن بطنه وقال له “استقد يا سواد”، وأسر عمه العباس وابن عمه عقيل بن أبي طالب في غزوة بدر، فألزمهما بما التزم به الأسرى الآخرون من الفداء.

هناك العديد من الحقوق التي بنى عليها الإسلام نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، وكلها حقوق من واقع الشريعة الإسلامية التي جاءت بالدين القيم، ومن واقع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن واقع أفعال الخلفاء الراشدين والخلفاء والعلماء خلال تعايشهم وتعاملهم في الحياة الاجتماعية بصفة عامة منذ إرساء قواعد الدولة الإسلامية في المدينة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالحقوق الإسلامية لكل البشر مثل كل القيم النبيلة لابد ان تتأصل في النفوس، وهي قد يسميها البعض مبادئ أو قواعد أو أسس، فالمبادئ السياسية في الإسلام هي تلك القواعد والقيم التي بنيت عليها دولة الإسلام ويستلهم منها النهج السياسي للحكم.

4- الحق في محاكمة عادلة

تعتبر العدالة في الإسلام من أهم مبادئه الأساسية وعلى دعائمها تقوم العلاقات بين الدولة والأفراد، كما تقوم عليها جميع الروابط فيما بين هؤلاء، لان الناس في نظر الإسلام متساوون وهم كأسنان المشط، على حد ما وصفهم به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولأن الظلم الذي يكرهه الله سبحانه وتعالى واجب الرفع من بينهم ولو كان صادرا عمن يلي أمرهم، ومن المقرر في فقه الشريعة أن الولاة يقتص منهم مثل بقية الافراد، كما تقام عليهم الحدود، إن فعلوا ما يوجب ذلك ومن مقتضى العدالة التي يوجبها الإسلام الحكم بين الناس بالحق، وقد أمر الله سبحانه وتعالى به بقوله: “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ” (ص:26). كما وجه الخطاب إلى المؤمنين قائلا: “وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء:58) محذرا إياهم من أي انحراف عن العدل بقوله: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى… ” (المائدة:8).

وإذا كان حق كل إنسان في مراجعة المحاكم قد أصبح في العصر الحديث مكفولاً بنصوص وردت في أغلب دساتير العالم وفي شرعة حقوق الإنسان، فليس بدعاً من القول التأكيد على أن حق طلب النصفة في النظام الإسلامي، لم يكون مكفولاً بنصوص القرآن الكريم مدعوماً بالسنة النبوية فحسب، بل إن في سيرة الخلفاء الراشدين ومن والاهم من الوقائع ما يثبت أن الحق المذكور كان محميا بالسلوك الشخصي للخلفاء أنفسهم وجهدهم في تمكين الناس من ممارسته وعزمهم على عمالهم في تسهيله للمظلومين، فالخليفة الأول أبو بكر استهل ولايته بقوله: الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، وعمر بن الخطاب يخطب الناس فيقول لهم: ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به سوى ذلك فليرفعه إليّ فو الذي نفسي بيده لأقصنه منه.

5- حقوق وواجبات أثناء الحرب

إن مبادئ الإسلام واضحة أشد الوضوح فيما يتعلق بالحرب، فقد أنشا لها الإسلام من الآداب والتقاليد ما لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله قبل الإسلام ولا تقيدت بنظائره أمة في جميع العصور والأزمان، فقد أوجب الإسلام على القادة والجنود المتحاربين الالتزام بما يتفق مع الشهامة والنبل والامتناع عن كل ما يشين كرامة الإسلام.

لقد أوجب الإسلام على المتحاربين عموماً أن لا يبدؤوا حرباً بالغدر وأن يجتنبوا الفتك بالأعداء غيلة، وأن لا يقتلوا امرأة ولا صبياً ولا شيخاً عاجزاً ولا مُقعداً ولا رجلاً منقطعاً للعبادة.

وحتى أن الإسلام حفظ للمدنيين أثناء الحرب حرمتهم “فإذا دارت الحرب فيراعى حرمة المدنيين والأطفال والشيوخ، لهذا فالإسلام أعطى حقوقاً كثيرةً لحماية المدنيين أثناء الحرب إذا وقعت، سواء أكانوا مدنيين من المسلمين أو من الأعداء، فلم يُجز الإسلام إلا احترامهم ومعاملتهم معاملةً حسنةً وطيبةً وحمايتهم من أهوال الحرب، وذلك ضمن آداب الحرب في الإسلام التي هذّبها الإسلام، والتي تُظهره أنه دين الرحمة والتسامح والإحسان، لأنه دين سماوي الهدف إنساني الغاية، وتتجلى في هذا الدين الدوافع الإنسانية الرحيمة التي تحكم المسلم في قتاله إذا استنفر له، واضطر إليه. ذلك أن الإسلام قصر القتال على الجيش المحارب دون النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، فقد ورد ذلك في أحاديث نبوية شريفة كثيرة منها ما رُوي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلا ولا صغيراً ولا امرأةً، ولا تغُلّوا وضُمّوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين).

خلاصة البحث:

أرى أن الإسلام هو المحضن الأول لرعاية حقوق الإنسان منذ خلق الله الخلق وجعلهم خلفاء له في الأرض، لذا فالخالق خلق خليفته وأنزل معهم الكتاب ليقوموا بالقسط، فرعاهم ووضع قانوناً ودستوراً يحكم بينهم ويبين حدود معاملتهم مع أنفسهم ومع غيرهم ذكوراً كانوا أم إناثاً، صغاراً أم كباراً.

وما هذه الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان إلا نتاجاً للانتهاكات المستمرة للإنسان والاعتداء على حقوقه، حيث أن الغربيين كانوا يهينون الإنسان وتتحكم فيه طبقة ارستقراطية برجوازية في روما وكانوا يستعبدونه هناك في الهند واعتبر الألمان في فترةٍ من الفترات أن البيض هم الجنس الذي يجب أن يسود، كما استُعبد الأفارقة السود في القارة السوداء من قبل الأوروبيين، ولكن الإيجابية الناصعة هي اتجاه بعض الأوروبيين الى المناداة بحقوق الإنسان وفقاً لفطرتهم السليمة –غير المشوشة- التي فطرهم الله عليها وفطر جميع البشرية عليها.

وإلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نرى ونسمع بأم أعيننا حقوق الإنسان تنتهك وسننادي وسنظل ننادي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي فيها الخلاص، ولكن كيف سيكون وجه المستقبل؟ المستقبل لهذا الدين ولتعاليمه.


المصدر: مقتطفات من أحد البحوث على شبكة الألوكة الشرعية

مواضيع ذات صلة