أعداد الملحدين في العالم العربي.. تهويلٌ وتهوين!

كان التقرير بمثابة تنبيه للقائمين على أمر إحصاء أعداد الملحدين في العالم العربي والذين تحكمهم توجهات وحسابات دينية وسياسية واجتماعية مختلفة تجعلهم يقدِّمون نتائج تخالف الواقع بمستجداته…

نهال محمود مهدي*

إحصائيات

توجهات ومصالح مختلفة تحرك الإحصائيات الهادفة لمعرفة حقيقة أعداد الملحدين في العالم العربي تجعل من وضوع الصورة أمرا صعبا.

عندما حاولت البحث والتقصي عن أعداد الملحدين في العالم العربي وجدت أنه من الصعب تحديد أعدادهم على وجه الدقة، فما بين إحصائيات تضخم من الأعداد وتصل في بعض الأحيان لأرقام تخالف المنطق.. إلى إحصائيات معاكسة تخرج علينا بأعداد إجمالية لا تمثل نسبة تذكر في أقل صفحة إلحادية تعرض أفكارها ورؤاها على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية.

ولا شك أن خلف التوجهين في مضاعفة أعداد الملحدين في العالم العربي أو التقليل منها يقف فريقان مستفيدان من كلا الأمرين.. يحاول كل فريق منهما وضع المواطن العربي في موقف يتبنى وجهة نظره هو.. بغض النظر عن الحقيقة والمصداقية فيما يقدم.

أعداد الملحدين في العالم العربي.. أرقامٌ بلا ضابط

وعند بحثي وتجولي على شبكة الإنترنت وجدت أن عامي 2014 و 2015 كانا الأكثر نشاطا من حيث معدل الإحصائيات التي عرضت وتعلقت بنسب الملحدين في العالم العربي.. حتى أن النسب لا يزال الاعتماد عليها قائما حتى الآن في المناقشات والمقالات واللقاءات التلفزيونية.. العجيب لم يكن إطلاقا في كم تلك الإحصائيات.. لكن في تناقضها الشديد والذي سأحاول عرضه بشيء من الإيجاز في التقرير التالي.. مع تعليقي على كل إحصائية على حدة:

  • في عام 2014 نشر موقع فرانس 24 الدراسة –الأزمة- التي أعدها معهد غالوب الدولي الذي يتخذ من زيوريخ مقرا له.. أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9 بالمئة من مجموع عدد سكان المملكة.. مشيرا إلى أن هذه النسبة هي الأكثر ارتفاعا مقارنة مع دول عربية أخرى تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان حيث أن هذه الدراسة بينت أن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5 بالمئة من مجموع السكان.

بالنسبة لي تبدو هذه الأرقام بها قدر كبير من المبالغة.. أو لأكون أكثر مصداقية هذا ما أتمناه.. لكن الواقع قد يكون صادما.. ففي مجتمع تسيطر فيه مدرسة مُحافظة تصير محاولات التفلت من قبضة تلك المدرسة أقوى وأشد مما يعتقد البعض.. لكن السؤال الأهم: على أي مصدر اعتمد ذلك المعهد ليقدم تلك الإحصائية الصادمة، خاصة وأن مجتمع المملكة العربية السعودية لا يتمتع –حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي- بالأريحية التامة ليجهر الملحدون بمعتقداتهم كبلدان عربية أخرى؟!.

  • في العام نفسه نشر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرا أوضح أرقاما من مؤشر الإلحاد فى كل دول العالم  أعده مركز (ريد سي) التابع لمعهد (جلوبال) حيث صنف مصر، الأولى عربيا في نسبة الالحاد بمجموع 866 ملحدا، تليها المغرب  بـ325 ملحدا و تونس بــ320 ملحدا .

       وسجلت باقي الدولي العربية أرقام متباينة لكنها ليست بالكبيرة اذ يتواجد بالعراق 242 ملحدا  و 178 في السعودية و170          في الأردن، بالمقابل ينخفض العدد في ليبيا التي يوجد بها 34 ملحدا و 70 في السودان و 56 في سوريا و32 في اليمن…            بحسب جريدة اليوم السابع المصرية.

أعتقد أن تلك الأرقام من غير المقبول أن يطلق عليها مصطلح “إحصاء” فبنظرة سريعة عليها يجد الباحث أنها تثير السخرية أكثر من كونها تثير التفكير والتأمل!

فكما ذكرت سابقا.. لو كان المركز المذكور حاول بذل جهد في النظر إلى صفحات الملحدين على مواقع التواصل الاجتماعي فقط لأدرك بسهولة أن نتائجه الإحصائية قد أصابها عوار شديد.

والأسوأ أن مؤسسة بحجم دار الإفتاء المصرية لا تمنح نفسها فرصة كافية للتيقن من تلك الأرقام، وتسارع بطرحها عبر مرصدها لتتلقفها الأبواق الإعلامية المختلفة معلنة أن الإلحاد في العالم العربي وهمٌ وخرافة كما تبين النسب المتدنية.

كنت أتمنى لو أن المؤسسة العريقة قدمت لنا طرحا منطقيا، لكن الواقع يؤكد أن بعض مؤسساتنا البارزة ما زالت تحاول الهروب من ظاهرة تنامي الفكر الإلحادي بين أوساط الشباب، وبدلا من السعي الحثيث لمعرفة حجم الخطر لمواجهته بشكل سليم.. تسعد وتروج وتخدِّر العوام بأرقام تخلو من المنطق والنزاهة.

  • أيضا في عام 2014م -الذي شهد على ما يبدو زخما في الإحصائيات- تداول عدد من الإعلاميين والمواقع ذات التوجهات المختلفة إحصائية  مجهولة المصدر منسوبة إلى أحد أساتذة الأزهر الشريف وسفير السلام لدى الأمم المتحدة هو د/ مصطفى راشد  تشير إلى أن عدد الملحدين في العالم العربي وصل ل 75 مليون ملحد!

من أكثر ما ساءني أثناء البحث كانت تلك النتيجة.. التي لم أجد لها سوى مصدر واحد هو الدكتور/ مصطفى راشد.. الذي لم يبين هو شخصيا المصدر الذي اعتمد عليه في إذاعة تلك النسبة وترويجها عبر أكثر من منبر إعلامي.

ولا أخفي توجسي من دوافع الدكتور المذكور وراء حديثه في هذا الشأن وتصريحه بنسبة لم يذكر لها مصدرا.. خاصة وأن له سوابق متعددة في إطلاق الآراء الشاذة والتصريحات المخالفة لصحيح الدين.

الغريب لم يكن ما تضمنه حديث د/ راشد بقدر نقل شخصيات إعلامية شهيرة تتمتع بجمهور عريض بحجم فيصل القاسم لذلك الحديث مما زاد من ترويجه وإضفاء طابع الجدية عليه.. حتى أن مؤسس حملة (اجهر بإلحادك) استشهد بتلك الإحصائية -في حوار خاص أجرته معه إحدى الصحف العربية- بناء على ذكر فيصل القاسم لها عبر صفحته الخاصة على الفيس بوك!.

  • وفي العام ذاته نشر أحد المواقع الإليكترونية دراسة أجراها “منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة” Pew Forum، وهو مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، في أكثر من 230 دولة طوال عام 2010 وصدرت نتائجها عام 2012 أن “الإلحاد” أصبح “الديانة” الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والاسلام. وكشفت الخارطة أن أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط حيث لا يزيدون على 2% (مليونان ومئة ألف) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم، لاسيمّا أن أكبر عدد مؤمنين ما زال في الشرق الأوسط.

بالرغم من النسب المنطقية في هذه الدراسة إلا أن أكثر ما استوقفني كان اعتبار (الإلحاد) ديانة! وهو في أساسه تبرؤ من كل الديانات.. وهو خطأ لا يمكن أن تقع فيه مؤسسة كبرى بدون وعي!

  • في عام 2015 تناول موقع BBC العربي موضوعا يتعلق بدراسة ظاهرة الإلحاد في العالم العربي وقارن بين بعض النسب الرسمية المعلنة لأعداد الملحدين، وما أحصاه التقرير من نسب مخالفة تماما على صفحات التواصل الاجتماعي فقط.. فهناك صفحة “الملحدين التونسيين”، التي تضم أكثر من 10 آلاف متابع، و”الملحدين السودانيين” التي تضم أكثر من 3000 متابع، وأيضا “شبكة الملحدين السوريين” التي تضم أكثر من 4000 متابع.

وعلى تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف، فمثلا يتجاوز عدد متابعي            حساب “أراب أثيست” الثمانية آلاف متابع.

كان التقرير بمثابة تنبيه للقائمين على أمر إحصاء أعداد الملحدين في العالم العربي، والذين تحكمهم توجهات وحسابات دينية وسياسية واجتماعية مختلفة تجعلهم يقدِّمون نتائج تخالف الواقع بمستجداته، وواجههم بنماذج بسيطة من أعداد تنتمي لصفحات لا تخفي تبنيها للفكر الإلحادي.. أرقام لا أبالغ إن قلت أنها تتجاوز مئات المرات ما ذهبت إليه بعض مؤسساتنا الرسمية.

لا شك أن علاج  أي داء يتطلب سلامة تشخيصه ومعرفة حجم انتشاره في الجسد المصاب.. وأن التهاون في هاتين المرحلتين لا يؤدي إلا لعواقب وخيمة يتكبدها المريض والطبيب معا.. فلمصلحة الجميع علينا أن نعترف بحجم خطر المد الإلحادي ونبذل الجهد في تشخيص أسبابه لنتمكن من علاج مصابيه.

____________________________________________

  • محررة الموقع

مواضيع ذات صلة