هل العقل وحده كافٍ للإيمان ولا حاجة للوحي؟

العقل البشري ليس بنية مكتملة متميزة منحازة معزولة عن السياقات المعرفية، بل يمكن خداعه بسهولة وقولبته وتدجينه والتأثير فيه سلبا أو إيجابا…

د. هيثم طلعت

العقل

يمكن خداع العقل بسهولة وقولبته وتدجينه والتأثير فيه سلبا أو إيجابا…

عندما تُرك الناس للعقل آمنوا بالله، وآمنو بالأصنام والأوثان، وعبدوا الملوك، وألحدوا، وصاروا لا أدريين في آن واحد، فمعطيات العقل متفاوتة للغاية وتخريجاته مزعجة ومربكة لأقصى مما نتصور.

فأصل النور هبة إلهية تقترن بالإيمان، ولن تستطيع كل عقول العالم وكل فلسفات العالم أن تؤسس لومض من نور، فكوجيتو ديكارت “أنا أفكر…” انهار على يد ديفيد هيوم، والحداثة التي أسس لها كانط ذابت على أعتاب ما بحد الحداثة، ولم يعد ثمة إمكان معرفي لتأسيس الوعي والقيمة والمعنى للوجود خارج الدين، فالعقل منفتح على ممكنات لا حصر لها، فهو يبني ويهدم، ويرفع ويخفض، يؤله ويُوثن.

والعقل البشري ليس بنية مكتملة متميزة منحازة معزولة عن السياقات المعرفية، بل يمكن خداعه بسهولة وقولبته وتدجينه والتأثير فيه سلبا أو إيجابا، والعقل ليس سياقا مستقلا نفزع إليه متى أحببنا أن نحتمي بالموضوعية، بل هو نمط قائم بالذات الإنسانية تعتوره قيود العاطفة والقصور المعرفي، وأكبر طبقة عمالية في العالم توجد في أمريكا، وهي أكبر دليل على فلسفة القطيع العقلي، وهي أكبر دليل على سقوط التقييم العقلي المجرد.

تقييم العقل ليس مجردا

في المناظرة التاريخية على الرئاسة بين ريتشارد نيكسون وجون كينيدي، وكانت أول مناظرة متلفزة، وكان نيكسون خارجا لتوه من المستشفى لعلاج آلام الركبة، ولم يضح مكياجا؛ في مقابل الشاب الأصغر ذو الملامح النضرة جون كينيدي، ولدى الاقتراع بعد المناظرة ربح نيكسون بأغلبية ساحقة من جمهور الراديو الذي استمع له فقط، لكن في اقتراع الجمهور الذي شاهد التلفاز ربح كينيدي بأغلبية ساحقة.

فالتقييم العقلي ليس تقييما مجردا، بل هو خاضع لقيود النفس الإنسانية، ثم إن العقل البشري لا يملك أي عتاد حقيقي يمنعه من التورط في صناعة الخرافة وقبولها، أيضا العقل البشري من منظور آخر هو نفعي مادي بحت، وهو في هذين الإطارين عاجز أشد العجز عن التقييم السليم والفحص الرزين.

وبدون العودة بالعقل إلى وظيفته الأصلية ضمن أطرٍ ومسلمات يؤمنها الوحي ويحدد أبعادها الكتاب –بدون هذه العودة- فإننا نظلم العقل وندخله ميادين ليست ميادينه وحروبا ليست حروبه، ثم بعد ذلك نلومه ونغضب عليه إذا عاد خائبا منكسرا حزينا.

لقد أقسم الله عز وجل على أن الإنسان مخلوق في أحسن تقويم لك ابتعاده عن الوحي يجعله في أسفل سافلين “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ . لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ . فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ . أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” (التين:1-8) .

_______________________________________

المصدر: موسوعة الرد على الملحدين العرب، د. هيثم طلعت، مركز براهين لدراسة الإلحاد، ط1،2014، ص:274

مواضيع ذات صلة