هل تأثرت العقيدة الإسلامية بعقائد البلاد المفتوحة؟

يدعي بعض الحاقدين أن العقيدة الإسلامية تأثرت بثقافات وديانات البلاد التي فتحها المسلمون، وأنها لم تقوى على مقاومة هذه الموروثات التي كانت سائدة في ربوع تلك الأقطار؛ مما أنتج عقيدة مشوهة مرقعة بالبدع والخرافات والأساطير…

وجها إبطال الشبهة:

العقيدة

عقيدة الإسلام تنفرد عن غيرها من العقائد بخصائص ومزايا عديدة لا تتوافر لغيرها.

ادعاء تأثر عقيدة المسلمين بعقائد البلاد المفتوحة

1- العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة، وهي عقيدة الفطرة، وهي عقيدة وسطية ثابتة بالدليل والبرهان.

2- لم تتأثر عقيدة المسلمين بموروثات وأساطير الأقطار التي فتحوها؛ لأنهم فتحوا هذه البلاد ليحرروا أهلها من الأساطير والأوهام والضلال.

التفصيل:

أولًا: العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة فطرية وثابتة بالدليل والبرهان

إن من يدعي أن العقيدة الإسلامية ليست بالقوة الكافية لصد تأثير الأساطير والموروثات الدينية التي كانت سائدة في البلاد والأقطار التي فتحوها، فإنه يجهل طبيعة وخصائص تلك العقيدة الغراء، وما حمله على هذا الادعاء إلا جهله المركب بعقيدة التوحيد التي تناهض وتناقض كل عقائد الشرك في جميع صوره، فكيف هي تناقض الشرك والإلحاد ثم تتأثر بهما؟ ثم كيف تستمر صافية كما هي طوال هذه القرون المديدة عبر التاريخ ثم يقال: إنها عقيدة ضعيفة تتأثر بالموروثات الدينية من حولها؟ أليست هذه العقيدة التي بين أيدينا وأيدي البشر هي عقيدة التوحيد التي أنزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يتغير منها شيء؟ فكيف يُدّعى أنها يمكن أن تتأثر بغيرها من العقائد المحرفة الفاسدة؟ وكيف تنتشر هذا الانتشار السريع قديمًا وحديثًا وتسيطر على قلوب العباد ونفوسهم، ثم يأتي مدع ويقول: إنها عقيدة ضعيفة يمكن أن تتأثر بغيرها من الموروثات الدينية للبلاد التي فتحها المسلمون؟

ولو افترضنا -جدلًا- أن عقيدة التوحيد يمكن أن تتأثر بغيرها، فما هو الجديد الذي جد عليها وتأثرت به ولم يكن موجودا فيها، ولم ينبه عليه العلماء الذين جعلهم الله حراس العقيدة وحماتها فينفون عنها كل زيغ وضلال وينقونها من كل بدعة وفساد؟

من أجل هذا بقيت عقيدة التوحيد نقية صافية خالصة حتى يومنا هذا، وذلك يعود لسببين:

أولهما: أن الله تعالى قيض لهذه العقيدة من العلماء من يصححها وفق منهج الكتاب والسنة كلما عظم الخطب أو اشتدت المحنة كما حدث في محنة خلق القرآن وغيرها.

ثانيهما: عقيدة الإسلام تنفرد عن غيرها من العقائد بخصائص ومزايا عديدة لا تتوافر لغيرها من العقائد.

ثانيًا. كيف تتأثر عقيدة المسلمين بموروثات وأساطير البلاد التي فتحوها، وهم ما فتحوا هذه البلاد إلا ليحرروا أهلها من هذه الأساطير والأوهام؟

وإذا كان المسلمون الأوائل أمام تحد وهم يجوبون العالم شرقه وغربه فاتحين، فهو تحدي تخليص العالم من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ورد كرامة الإنسان إليه. والذي يوضح هذا ويبينه أوضح بيان قول ربعي بن عامر – رضي الله عنه – في رده على ملك الفرس قائلا: إنما ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

والقرآن الكريم نزل على فترة من الرسل، اختلط فيها الباطل بالحق بين معتنقي اليهودية والنصرانية، فلم يكن بد من تصحيح المسار الإنساني الديني بالقرآن الكريم الدائم والناسخ لبعض ما سبقه من الشرائع المخالفة له، فلقد جمع القرآن بين صفحاته كل العقائد السابقة مبينًا الحق منها والباطل، فصحح العقيدة، وكان ذلك من أجل خير الإنسانية عامة وبلاد العرب خاصة حيث تكثر فيها الملل والديانات المتناحرة، وفي سبيل ذلك أخذ القرآن الكريم ينوع أسلوبه من الأسلوب الذي يناسب العامي، أي الأسلوب المحسوس البحت المجسم، ثم إلى الأسلوب الذي يجمع بين المحسوس والمعقول الذي يخاطب أواسط الناس في الطبيعة العقلية، والذين لهم ملكات تؤهلهم لفهم المعقول ولكن بالتعانق مع المحسوس، ثم إلى الفئة الثالثة وهم أولو الألباب، وما يتناسب معهم من أدلة عقلية خالية من الحس، وهذه الفئة أعلى من سابقتيها في الملكات العقلية.

فلم يكن ظهور الإسلام في الجزيرة العربية أثرا مفاجئا، بل كانت هناك مقدمات ممهدة له، هيأت النفوس لاستقباله؛ فقد انتهت العرب إلى حال شديدة من الفساد والضلال، الأمر الذي دفع بفريق منهم ومن أهل الكتاب إلى البحث عن دين أو معتقد بجوار المعتقدات السائدة التي أهمها عبادة الأوثان، ولقد عالج القرآن الكريم كل هذا من خلال:

إثبات وجود الخالق -عز وجل- على وجه مستمد من دليل الحس، لا يبعد عما يشاهدونه من كائنات الطبيعة الحية كالأنعام التي يزعمونها، والصامتة كالجبال التي من حولهم؛ فينبه بذلك حواسهم وأذهانهم جميعًا في غير تعقيد ولا جدال، على نحو ما نجده في قوله عز وجل: “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ” (الغاشية:17-18)

والقرآن الكريم يخلص فكرة الألوهية من الشرك والضلال، فبعد أن أثبت القرآن الكريم أن هناك خالقا هو إله هذا الكون، بدأ في تنقية فكرة الألوهية، وفي سبيل ذلك تحدث عن معبودات لا تتصف بصفة الحياة، كالشمس في قصة سبأ، وقد حكى الله -عز وجل- عن الهدهد قوله: “إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ. أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (النمل:23-26).

وبهذا البيان اتضح أن عقيدة المسلمين لم تتأثر بموروثات وعقائد وأساطير البلاد التي فتحوها، بل إن هذا الفتح كان لتحرير أهل هذه البلاد من تلك الأساطير والأوهام، وكتب التاريخ الصحيحة تحتوي على ما يعضد هذه الحقيقة ويثبتها.

الخلاصة:

* للعقيدة الإسلامية مزايا عديدة لا تتوافر لغيرها من العقائد، فهي عقيدة واضحة بسيطة لا تعقيد فيها ولا غموض، كذلك هي عقيدة الفطرة، ليست غريبة عنها ولا مناقضة لها، كما أنها عقيدة ثابتة محدودة لا تقبل الزيادة ولا النقصان، ولا التحريف ولا التبديل، فليس لأحد -مهما كان- أن يضيف إليها أو يُحور؟؟ فيها، وهي عقيدة مبرهنة لا تكتفي في تقرير قضاياها بالإلزام المجرد والتكليف الصارم، وإنما تأتي بالبرهان على ذلك، وهي أيضا عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط.

* لذلك لم تتأثر العقيدة الإسلامية بموروثات وعقائد وأساطير البلاد التي فتحوها، ولكنهم فتحوا البلاد ليحرروا أهلها من هذه الأساطير، ولقد أكرم الله من دخل في الإسلام بالتخلص من تلك الأساطير والأوهام بمجرد دخولهم في الإسلام.

_________________________________

المصدر: بتصرف عن موقع بيان الإسلام.

مواضيع ذات صلة