خلق الكون.. أدلة العقل والمنطق

الكون

قضية الخلق محسومة لله، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أخبرنا بأنه هو الذي خلق، ولكن القضية لا تقف عند الكون وحده، بل تمتد إلى كل ما في الدنيا

الشيخ محمد متولي الشعراوي

قضية الخلق محسومة لله تعالى لا يقبل فيها جدل عقلي، فإذا جاء بعض الناس وقالوا: إن هذا الكون خلق بالمصادفة، نقول: إن المصادفة لا تنشئ نظامًا دقيقا كنظام الكون، لا يختل رغم مرور ملايين السنين.

وإذا جاء بعض العلماء يدعون أنه كانت هناك ذرات ساكنة ثم تحركت وتكثفت واتحدت!!. نقول: من الذي أوجد هذه الذرات، ومن الذي حرّكها من السكون؟

واذا قيل إن الحياة بدأت بخلية واحدة من الماء نتيجة تفاعلات كيميائية، نقول: من الذي أوجد هذه التفاعلات لتصنع هذه الخلية؟

ونحن لن ندخل مع هؤلاء في جدل عقيم، وإنما نقول لهم: إن من إعجاز الخالق، أنه أنبأنا بمجيئهم قبل أن يأتوا، وأنبأنا أكثر من ذلك أن هؤلاء يُضلون، أي ليسوا على حق، ولكنهم على ضلال، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:”مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا” (الكهف:51).

نظريات كاذبة

وهكذا نرى من يأتي ليضل الناس بنظريات كاذبة عن أصل خلق السموات والأرض، وأصل خلق الإنسان، ونرى من يدعي أن أصل الإنسان قرد، وهي نظرية يملؤها الغباء، فنحن لم نشهد قردًا يتحول إنسانا، وإذا كان أصل الانسان قردا، فلماذا بقيت القرود على حالها حتى الآن ولم تتحول إلى بشر؟! ومن الذي يمنعها أن يحدث لها هذا التحول ما دام قد حدث في الماضي؟!

وبدون الدخول في جدل لا يفيد، نقول لهؤلاء جميعا: لقد جئتم مثبتين لكلام الله، فلو أنه لم يأت من يضل بنظريات كاذبة في خلق السموات والأرض وفي خلق الإنسان، لقلنا: أن الله تعالى قد أخبرنا في القرآن الكريم، أنه سيأتي من يضل في خلق السموات والأرض وفي خلق الإنسان، و لم يأت أحد ليفعل ذلك، ولكن كونهم جاءوا وكونهم أضلوا يجعلنا نقول: سبحانك ربنا:، لقد أخبرتنا عن المضلين وجاءوا فعلا بعد قرون كثيرة من نزول القرآن، فكأن هؤلاء الذين جاءوا ليحاربوا قضية الايمان، قد أثبتوها وأقاموا الدليل عليها.

على أننا نقول لكل من جاء يتحدث عن خلق السموات والأرض وخلق الإنسان مدعيا أن الله ليس هو الخالق، نقول له: أشهدت الخلق؟ فإذا قال لا، نسأله فيم تجادل.

على أن قضية الخلق محسومة لله سبحانه وتعالى لأنه وحده سبحانه الذي قال أنه خالق كل شيء، ولم يأت أحد ولن يجروء أحد على أن يدّعي أنه الخالق.

وإذا كان من يفعل شيئا يحرص على الإعلان عما فعل، فلا يوجد شيء صغير اخترعه البشر في الدنيا، إلا وحرص صاحبه على الإعلان عن نفسه.

فإذا كان الذي اخترع المصباح قد حرص على أن يعرف العالم كله اسمه وتاريخه وقصة اختراعه، أفيكون الذي أوجد الشمس غافلًا عن أن يخبرنا أنه هو الذي خلقها، واذا كانت هناك قوة أخرى قد أوجدت أفلا تعلن عن نفسها؟

إذن فقضية الخلق محسومة لله سبحانه وتعالى، لأنه سبحانه وحده الذي قال أنه خلق، حتى يأتي من يدّعي الخلق، ولن يأتي، فإن الله سبحانه وتعالى هو وحده الخالق بلا جدال، وحتى الكفار لم يستطيعوا أن يجادلوا في هذه القضية، ولذلك يأتي القرآن في سورة العنكبوت فيقول: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ” (العنكبوت:)

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى:”وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” (العنكبوت:)

وهذه الآيات قد نزلت في الكافرين والمشركين، وهم رغم كفرهم واشراكهم لم يستطيعوا أن يجادلوا في خلق الكون والانسان.

إذن فقضية الخلق محسومة لله، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أخبرنا بأنه هو الذي خلق، ولكن القضية لا تقف عند الكون وحده، بل تمتد إلى كل ما في الدنيا حتى تلك الأشياء التي يقدر عليها الانسان، فأصل الوجود بكل ما فيه من خلق الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول: “ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (الأنعام)

وما دام الحق سبحانه وتعالى قد قال أنه “خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ” فما من شيء في هذا الوجود إلا هو خالقه.

ولنأخذ هذه القضية في كل ما حولنا، في كل هذا الكون، لنأخذ مثلا الخشب، شجرة الخشب التي تعطينا كل الأخشاب التي نستعملها في بيوتنا وأثاثنا إلى غير ذلك، هذه الشجرة من أين جاءت؟ تسأل تاجر الخشب من أين جاءت؟ يقول من السويد، وتسأل أهل السويد يقولون من الغابات، وتذهب إلى الغابة فيقولون لك من شتلات نعدها، وتسأل من أين جاءت هذه الشتلات؟ من جيل سابق من الأشجار، والجيل السابق من جيل سبقه، وتظل تمضي حتى تصل الى الشجرة الأولى التي أخذ منها كل هذا، من الذي أوجد الشجرة الأولى؟ إنه الله، فلا أحد يستطيع أن يدعي أنه خالق الشجرة الأولى أو أوجدها من العدم.

فإذا انتقلنا إلى باقي أنواع الزرع لنبحث عن التفاحة الأولى والبرتقالة الأولى، والتمرة الأولى، وحبة القمح الأولى، وشجرة القطن الأولى، نجد أنها وغيرها من كل ما تنتجه الأرض، كلها من خلق الله خلقا مباشرًا، ثم بعد ذلك استمر وجودها بالأسباب التي خلقها الله في الكون.

قد يقال: إن هناك تهجينا وتحسينا وخلطا بين الأنواع لتنتج نوعا أكثر جودة، نقول: إن هذا كله لا ينفي أن الثمرة الأولى مخلوقًا مباشرا لله، وقد يدعي بعض العلماء أنهم حسنوا أو استنبطوا نوعًا جديدا، نقول لهم: كل هذا لا ينفي أن الوجود الأول من الله، وأنهم استخدموا ما خلق الله بالعلم المتاح من الله في كل ما فعلوه، ولكن أحدا لا يستطيع أن يدّعي أنه أوجد أي شيء في الأرض من العدم، فكل هذه الاكتشافات العلمية من موجودات الله، ولا يوجد اكتشاف علمي واحد من العدم.

واذا انتقلنا من النبات إلى الحيوان، نجد أن كل الحيوانات والطيور والحشرات بدأت بخلق من الله سبحانه وتعالى، وبخلق من ذكر وأنثى، وهذه هي بداية الخلق جميعًا، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنه خلق من عدم أو من ذكر دون أنثى، وهذه هي بداية الخلق جميعا، والله سبحانه وتعالى يلفتنا في القرآن فيقول: “وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الذاريات).

___________________________________

المصدر: كتاب “الآيات الكونية ودلالتها على وجود الله تعالى”

مواضيع ذات صلة