الإيمان بالله.. أن تتمسك باليقين فلا تزعزعك الشكوك

إني أبشرك ثقة بوعد الله لنا بأنك بخير ما دمت بهذا الحرص الواضح على تتبع أي مصدر يروي عطشك الإيمان بالله داخلك…

محسن عبد الله العواجي

الإيمان

إنه الإيمان الذي يدفعك بهذه القوة نحو البحث بجدية وشغف عن شيء ثمين.. إنه لا شيء سوى حقيقة وجود ذلك الإيمان الضروري فطريا.

ما أجمل هذا الوجود وأسعده بمعية الله تعالى واليقين برحمته، وما أقبحه وأوحشه في غياب الإيمان بالله مع سوء الظن!

لا يخلو هذا الوجود من مفرحات ومبشرات، ومن أجملها استشعار رحمة الله الواسعة التي لا تضيق عن شيء على الإطلاق، كلنا نستشعر هذه الرحمة ونحن نغوص معك فرحين في أعماق طمأنة الرب عز وجل لعباده، بعد أن هداهم للإيمان؛ فالرحمة من أعظم صفات الخالق الرحمن الرحيم، ومن رحمته أن جعل هذا الإيمان موجودا لديك بحمده ومنته، والدليل على ذلك قلقك عليه ومواصلتك القراءة في هذا المجال لحفظه.

أنت الآن تقرأ المقال مشدودا إلى نهايته مشتاقا للمزيد منه ومن غيره؛ لكي تجد شيئا يملأ فجوة فراغاتك الاستفهامية الطبيعية، تريد ردمها بفكر سليم صحيح، وبإجابات مقنعة مطمئنة، وهذا هو الحرص على بقاء الإيمان الذي لا تضره الوسوسة ولا تزحزحه الشكوك.

إنه الإيمان الضروري فطريا…

إنه الإيمان الذي يدفعك بهذه القوة نحو البحث بجدية وشغف عن شيء ثمين.. إنه لا شيء سوى حقيقة وجود ذلك الإيمان الضروري فطريا، والمتعمق في عقلك الباطن ليوازن وجودك المادي والمعنوي حتى في هذه الحياة الدنيا وقبل الآخرة.

إني أبشرك ثقة بوعد الله لنا بأنك بخير ما دمت بهذا الحرص الواضح على تتبع أي مصدر يروي عطشك الإيماني.. فكن شجاعا أمام تساؤلاتك الحائرة وواثقا من نفسك، وانتفض فورا لنسف الأوهام والوساوس الطارئة على تفكيرك، وامسح تلك الصورة السوداوية المترددة في مخيلتك عن نفسك، فلا تظلمها هذا الظلم الجائر، فتعذبها بالوساوس والقلق، بينما هي والحمد لله مؤمنة زكية حقا تقف شامخة بإيمانها الراسخ خلف جدار وهمي من التساؤلات الفطرية الطبيعية العابرة، تذكَّر أنها نفس مؤمنة يرجى لها كل الخير على الرغم من التقصير.

يجب أن يكون هذا موقفك تجاه تحديات الوجود، لا لشيء إلا لأنك الإنسان الذي يعقل، ويفكر، ويتدبر، ويطيع ربه خالقه وموجده الذي أمره بذلك.

وتعالى ربنا الرحمن الرحيم: “الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ” (الانفطار:7) أن يكون قاسيا على خلقه الضعفاء، وهو أعلم بحالهم، حاشاه سبحانه أن يبقيك تفني عمرك وحيدا طريدا في تيه القلق الدائم والأفكار السوداوية المظلمة التي لا تعرف مبتداها ولا منتها، وهو يعلم صدق حرصك على إيمان راسخ ويقين دائم، أليس هو القائل سبحانه: “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا” (الأحزاب:43).

من الخطأ أن يقلق المرء من حساسية التعامل مع الغيبيات التي يكفي الإيمان بها على الصورة التي جاء بها خبر الوحي، علما أن هذا النوع من الإيمان له مقام عظيم وجزاء كبير عند الله تعالى؛ لأنه تكليف خاص يترتب عليه جزاء خاص أيضا، ولا يرقى إليه بالتكليف سوى هذا الإنسان الذي فضله الله على بقية المخلوقات بالعقل.

وأن الجنة هي أعظم جزاء لأعظم امتحان بالإيمان بالغيب، ولولا هذه الأفضلية لما خاطبنا القرآن بالثناء المميز، عندما وعدنا بالأجر الكبير لمجرد أننا آمنا بالغيب الذي لا سبيل إلى إدراكه بحواسنا لولا أن بلغنا خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصدقناه دون أن نراه أو نسمعه أو نلمسه حسيا، فكان الوعد بالجزاء الكبير من الخالق عز وجل “إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ” (الملك:12).

وكان دخول الجنة بسلام هو جزاء أولئك الذين يخشونه بالغيب أيضا: “مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ. ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ” (ق:33،34) ولهم البشرى في الدنيا وفي الآخرة: “لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (يونس:64) وكان هذا الإيمان بالغيب مع الخوف المحمود من أسباب ثناء الله على المؤمنين: “الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ” (الأنبياء:49).

________________________________

المصدر:  إنك على الحق المبين، محسن حسين عبد الله العواجي، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 2016 (بتصرف يسير في المتن وتغيير في العنوان)

مواضيع ذات صلة