حسن الظن بالله تعالى.. ما الذي يحملنا عليه؟

حسن الظن بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر هو الرجاء المحمود. وأما حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات فهو الرجاء المذموم، وهو الأمن من مكر الله…

(مقتطف من المقال)

د. مهران ماهر عثمان

حسن الظن بالله

(ما أحبُّ أن حسابي جُعل إلى والديّ؛ فربي خيرٌ لي من والديّ): سفيان الثوري.

قال تعالى في كتابه الكريم “وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا” (الأحزاب:43).. فيحملنا على حسن الظن رحمةُ الله التي وسعت كلَّ شيء..

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه -فهو عنده فوق العرش-: إن رحمتي غلبت غضبي) رواه البخاري.

السَبيَّة التي أضاعت صبيَّها، ماذا كان حالها بعدما وجدته؟ أخذته –أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه- وأغرقته بعطفها وحنانها، وملأت جسده بقبلاتها، واحتوته بصدرها، وبللت وجهه بدمعها، ورفرفت من الفرح أجنحةُ قلبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار)؟ فقالوا: لا والله، وهي تقدِر على أن لا تطرحَه!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أرحمُ بعباده من هذه بولدها) متفق عليه.

يخبرُ صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل النار خروجاً منها ومحاورتِه لربه: (ربِّ اصرف وجهي عن النار؛ فإنه قد قَشَبَنِي[1] ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيتَ إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألُك غيره. ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قدِّمني إلى باب الجنة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا، وعزتك. فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام على باب الجنة انْفَهَقَت[2] له الجنة، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! فيقول: أي رب لا أكونُ أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه، فإذا ضحك الله منه قال: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنى. فيسأل ربه ويتمنى، حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى: ذلك لك، ومثله معه) متفق عليه.

فما أعظمَ رحمةَ الله! وما أوسع فضله!!

يقول سفيان الثوري رحمه الله: (ما أحبُّ أن حسابي جُعل إلى والدي؛ فربي خيرٌ لي من والدي) رواه البيهقي في شعب الإيمان.

أفلا يحمل هذا كلُّه المؤمن على أن يكون حسن الظن بربه؟؟

الفرق بين حسن الظن بالله والغرور

حسن الظن الذي يثيب الله عليه هو الذي يحمل على أمرين: فعل الصالحات، وترك المنكرات.

وأما أن يدعي أحد أنه يحسن الظن بربه وهو سادر في غيِّه، منهمك في المعصية، تارك للفضائل والخيرات، فهذا عبد تسلَّط الشيطان عليه.

قال ابن القيم رحمه الله: (وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأنَّ حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً ورجاؤه بطالةً وتفريطاً فهو المغرور).

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: (وإحسان الظن بالله لابد معه من تجنُّب المعاصي، وإلا كان أمنًا من مكر الله، فحسن الظن بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر هو الرجاء المحمود. وأما حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات فهو الرجاء المذموم، وهو الأمن من مكر الله).

فالمؤمن يجمع بين حسن الظن وحسن العمل والخوف من الله تعالى، ولا تعارض بين هذا كلِّه.

ثبت في سنن الترمذي، عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: “وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ” (المؤمنون:60). فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال لها نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يا بنت الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يُقبل منهم).

يقول أنس بن مالك  رضي الله عنه: (إني لأعرف اليوم ذنوبا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر) رواه أحمد.

ويقول عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه : (المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا) رواه البخاري.

ويقول الحسن البصري رحمه الله: (إن المؤمن أحسنَ الظن بربه فأحسن العملَ، وإن الفاجر أساءَ الظن بربه فأساءَ العمل) رواه أحمد في الزهد.

فاللهم املأ قلوبنا حسنَ ظن بك.

الهوامش:

[1] – أي آذاني

[2] – أي انفتحت


المصدر: مقتطف من مقال طويل من موقع صيد الفوائد

https://saaid.net/Doat/mehran/89.htm

مواضيع ذات صلة