قليل من الموت.. قد يجعلك تنتبه لحياتك!

لعلك أحياناً تتمنى الموت.. و تجد لنفسك تخريجات فقهية لتحليل هذه الأمنية (خشية الفتنة مثلاً) ولعلك تعلم أن هذا التمني؛ التفكير بالموت هو انتحار بطريقة ما، لكنك لم تطلق الزناد، ربما لقوة الرادع الديني، أو لعدم توافر الشجاعة لذلك…

د. أحمد خيري العمري

قليل من الموت .. قد يجعلك تنتبه لحياتك!

لعلك أحياناً تشعر بأنك محاصر أكثر مما تحتمل..

لعلك أحياناً تشعر بالقليل من الموت..

لعلك أحياناً تشعر بأنك محاصر أكثر مما تحتمل..

ولعلك في كثير من الأحيان تحس أن هذا القليل من الموت، والكثير من الحصار، هو حياتك كلها، ومستقبلك كله على الأغلب.

لعل الواقع يرهبك، يرعبك، يجثم على صدرك، ويكتم على أنفاسك، بينما تلهث خلف لقم أطفالك وكسائهم دوائهم.

ولعلك تخاف أكثر من أن لهائك يوماً ما لن يكفي اللقمة والكساء والدواء.

لعل الإحصاءات تخيفك أكثر وأكثر: ترى نفسك فيها رقماً تافهاً يزداد انكماشاً أكثر فأكثر، فتزيدك رعباً تلك التوقعات خلال الـ 25 عاماً المقبلة بأن 20% من السكان العاملين سيجدون عملاً، ويعيش الباقون على التبرعات من الجمعيات الخيرية (أي الصدقات)!

ولعل في نفسك بقية عزة وكبرياء وترفض أن تكون جزءاً من المتلقين للتبرعات، دونما أمل في تحسين أوضاعهم..

ولعل اليأس صار ألصق أصدقائك؟ أم تراه صار جزءاً منك؟ لعل صفحة نفسك صارت سوداء حالكة مثل صفحة السماء في ليلة مظلمة غادرها القمر وهجرتها النجوم، ولم تبق فيها سوى أضواء (أقمارهم) الصناعية تراقبك، تحاصرك، تحصى عليك أنفاسك، فتزيد الظلام ظلاماً بأضوائها الشريرة العدوانية.

تمني الموت الشرعي!

ولعلك أحياناً تتمنى الموت.. و تجد لنفسك تخريجات فقهية لتحليل هذه الأمنية (خشية الفتنة مثلاً) ولعلك تعلم أن هذا التمني؛ التفكير بالموت هو انتحار بطريقة ما، لكنك لم تطلق الزناد، ربما لقوة الرادع الديني، أو لعدم توافر الشجاعة لذلك.

ولعلك أحياناً تقولها لنفسك بصراحة: لقد تمكنوا منك، منا جميعاً… ولن تقوم لنا قائمة بعد اليوم على الأقل لفترة طويلة.

لعلك عندما تموت بعد عمر طويل تكون قد مت قبلها بفترة طويلة.

ولعلك لم تعش أبداً.

ولعل كل ما ينقصك أن يهيلوا التراب عليك إذا وجدوا قبراً يؤويك.

وقبل أن نسترسل في ذلك علينا أن نتذكر، “إن الشعوب التي تموت، وهي تدافع عن وجودها، قد تقوم لها قائمة، أما الشعوب التي تستسلم فلن تقوم لها قائمة أبداً”.

ولعله من المفيد لك أن تعلم قبل أن يعلن موتك رسمياً ويهال التراب عليك، أنك لست وحدك، وأن بيدك، بوصفك فرداً هو جزء من أمة، أشياء كثيرة، وفي إمكانك احتمالات عديدة لكن أحداً لم يخبرك بها.

قبل أن تنتحر، تذكر: هناك كتاب، ربما على الرف يعلوه الغبار، ربما في السيارة، أو غرفة الضيوف للبركة، وربما على الصدر أو الجدار للزينة.

ربما تقرؤه يومياً وتسمعه؛ إذ أن ذلك جزء من عاداتك في استحصال الثواب…

لكنك لم تفهمه أبداً كما يجب، ولذلك وصلت إلى هذا الدرك.

تذكر هذا كتاب الله تعالى، يمكنك أن تتفاعل معه فتتغير حياتك وحياتنا فتتغير الإحصاءات والخرائط.

_____________________________

المصدر: بتصرف يسير عن كتاب البوصلة القرآنية، د. أحمد خيري العمري، دار الفكر، دمشق، ط3، 2010

مواضيع ذات صلة