الإسلام.. حرر الإنسان وجفف منابع العبودية

إعداد/ نهال محمود مهدي

أسير

هل أقر الإسلام العبودية وحافظ عليها، وأسدل حولها غطاء يستر عوراتها ويلبسها ثوب الحق؟، هل عمل الإسلام على حماية نظام الرق مخالفا نظرة الديانات القديمة الرافضة له؟

هل أقر الإسلام العبودية وحافظ عليها، وأسدل حولها غطاء يستر عوراتها ويلبسها ثوب الحق؟، هل عمل الإسلام على حماية نظام الرق مخالفا نظرة الديانات القديمة الرافضة له؟

أسئلة يثيرها متشككون باحثون عن إجابات حقيقية لها.. ويطرحها آخرون يسعون بقوة لتشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف، ولتصيد شبهات وهمية تثير البلبلة والحيرة بين أتباعه.. يستخدمون من خلالها وسائلهم.. من إخفاء الحقائق، وتزوير التاريخ، والعبث بالنصوص، لتظهر الحقيقة مغلوطة تقطر سما يتجرعه بعض المتلقون بلا وعي..

بين يدي الآن كتابات لاثنين من علماء المسلمين تناول كل منهما الأمر من زاوية.. سنعرضها ليتضح الأمر وتعم الفائدة وتنكشف الحقيقة الغائبة..

العبودية قبل الإسلام

 يعرض موقع “الإسلام سؤال وجواب” لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ردا تفصيليا على متسائل عن تلك القضية، وسنقتبس -بتصرف- من مجمل حديثه جزءا تاريخيا خاصا بواقع العبودية قبل الإسلام وتحديدا بين أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية.

أولا: موقف اليهود من الرقيق

نجمة داوود

اعتبر اليهود أن من عداهم من أجناس أخرى أقل منزلة ويجوز استعبادهم

” ينقسم البشر عند اليهود إلى قسمين: بنو إسرائيل قسم، وسائر البشر قسم آخر.. فأما بنو إسرائيل فيجوز استرقاق بعضهم حسب تعاليم معينة نص عليها العهد القديم، وأما غيرهم، فهم أجناس منحطة عند اليهود، يمكن استعبادها عن طريق التسلط والقهر، لأنهم سلالات كتبت عليها الذلة باسم السماء من قديم، جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج (2- 12) ما نصه: (إذا اشتريت عبداً عبرانياً فست سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً، إن دخل وحده  فوحده يخرج، إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه, إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين وبنات فالمرأة وأولادها يكونون للسيد، وهو يخرج وحده، ولكن إذا قال العبد: أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حراً، يقدمه سيده إلى الله ، ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة، ويثقب سيده أذنه بالمثقب يخدمه إلى الأبد) .

أما استرقاق غير العبراني فهو بطريق الأسر والتسلط لأنهم يعتقدون أن جنسهم أعلى من جنس غيرهم، ويلتمسون لهذا الاسترقاق سنداً من توراتهم المحرفة، فيقولون: إن حام بن نوح – وهو أبو كنعان- كان قد أغضب أباه، لأن نوحاً سكر يوماً ثم تعرى وهو نائم في خبائه، فأبصره حام كذلك، فلما علم نوح بهذا بعد استيقاظه غضب، ولعن نسله الذين هم كنعان ، وقال – كما في التوراة في “سفر التكوين” إصحاح (9/25-26): (ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك الرب إله سام ، وليكن كنعان عبداً لهم) . وفي الإصحاح نفسه (27): (ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام ، وليكن كنعان عبداً لهم).

ثانيا: موقف المسيحية من الرقيق:

جاءت النصرانية فأقرت الرق الذي أقره اليهود من قبل، فليس في الإنجيل نص يحرمه أو يستنكره، والغريب أن المؤرخ (وليم موير) يعيب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبطل الرق حالاً، مع تغاضيه عن موقف الإنجيل من الرق، حيث لم ينقل عن المسيح –عليه السلام- ولا عن الحواريين ولا عن الكنائس شيئاً في هذه الناحية.

العبيد في المسيحية

لم يعارض أبدا رجال الكنيسة أمر الرق بل أيدوه ولم يمانعوا فيه

بل كان بولس يوصي في رسائله بإخلاص العبيد في خدمة سادتهم ، كما قال في رسالته إلى أهل إفسس الإصحاح السادس (5-9): (أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا) .

وأقر القديسون أن الطبيعة جعلت بعض الناس أرقاء؛ فرجال الكنيسة لم يمنعوا الرق ولا عارضوه بل كانوا مؤيدين له، حتى جاء القديس الفيلسوف توماس الأكويني فضم رأي الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين، فلم يعترض على الرق بل زكاه لأنه -على رأي أستاذه أرسطو- حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية ، وليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب.

والخلاصة: “أن الدين المسيحي ارتضى الاسترقاق تماماً، ويتعذر على الإنسان أن يثبت أنه سعى في إبطاله”.

التاريخ الأسود للعبودية في أوروبا القديمة

ولعل من حق القارئ أن يسأل وهو في عصور النهضة والتقدم عن رائدة التقدم في تلك العصور، وعدد من كانوا يموتون بسبب طرق الاصطياد, وفي الطريق إلى الشواطئ التي ترسو عليها مراكب الشركة الإنجليزية وغيرها, ثم إن الباقين يموتون بسبب تغير الطقس, ويموت نحو 4% أثناء الشحن, و12 % أثناء الرحلة, فضلاً عمن يموتون في المستعمرات!!!

فقد مكثت تجارة الرقيق في أيدي شركات إنجليزية حصلت على حق احتكار ذلك بترخيص من الحكومة البريطانية, ثم أطلقت أيدي جميع الرعايا البريطانيين في الاسترقاق, ويقدر بعض الخبراء مجموع ما استولى عليه البريطانيون من الرقيق واستعبدوه في المستعمرات من عام 1680 / 1786م حوالي 2130000 شخص.

فعندما اتصلت أوربا بإفريقيا السوداء كان هذا الاتصال مأساة إنسانية, تعرض فيها زنوج هذه القارة لبلاء عظيم طوال خمسة قرون، لقد نظمت دول أوربا وتفتقت عقليتها عن طرق خبيثة في اختطاف هؤلاء واستجلابهم إلى بلادهم ليكونوا وقود نهضتها, وليكلفوهم من الأعمال مالا يطيقون, وحينما اكتُشِفَتْ أمريكا زاد البلاء, وصاروا يخدمون في قارتين بدلاً من قارة واحدة !!

تقول دائرة المعارف البريطانية (2/779) مادة Slavery: “إن اصطياد الرقيق من قراهم المحاطة بالأدغال كان يتم بإيقاد النار في الهشيم الذي صنعت منه الحظائر المحيطة بالقرية حتى إذا نفر أهل القرية إلى الخلاء تصيدهم الإنجليز بما أعدوا لهم من وسائل” .

عبيد

مكثت تجارة الرقيق في أيدي شركات إنجليزية حصلت على حق احتكار ذلك بترخيص من الحكومة البريطانية.. كانت تقوم باصطياد الرقيق، وشحنهم على بواخر، ونقلهم لأوروبا

وتم نقل مليون زنجي أفريقي إلى أمريكا مقابل موت تسعة ملايين أثناء عملية الاصطياد والشحن والنقل، وذلك في الفترة ما بين عام 1661م إلى عام 1774م، أي أن عشر الذين كانوا يصطادونهم فقط هم الذين يبقون أحياء، ويتم نقلهم إلى أمريكا، لا ليجدوا الراحة واللذة، بل ليجدوا السخرة والتعذيب!!

وكان لهم في ذلك قوانين يخجل منها العقلاء!

فكان من قوانينهم السوداء في ذلك:

  • من اعتدى على سيده قُتل، ومن هرب قطعت يداه ورجلاه وكوي بالحديد المحمى، وإذا هرب للمرة الثانية قُتل!.. وكيف سيهرب وقد قطعت يداه ورجلاه!!
  • يحرم التعليم على الرجل الأسود ويحرم على الملونين وظائف البيض.

وفي قوانين أمريكا:

  • إذا تجمع سبعة من العبيد عُدَّ ذلك جريمة، ويجوز للأبيض إذا مر بهم أن يبصق عليهم، ويجلدهم عشرين جلدة.
  • العبيد لا نفس لهم ولا روح، وليست لهم فطانة ولا ذكاء ولا إرادة، وأن الحياة لا توجد إلا في أذرعهم فقط.

والخلاصة في ذلك: أن الرقيق من جهة الواجبات والخدمة والاستخدام عاقل مسئول يعاقب عند التقصير، ومن جهة الحقوق شيء لا روح له ولا كيان بل أذرع فقط!!

ثم أخيرا وبعد قرون طويلة من الاستعباد والظلم تم تحرير البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه، والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953 م .

وهكذا لم تستفق ضمائرهم إلا في هذا القرن الأخير بعد ما بنوا حضارتهم على رفات الأحرار الذين استعبدوهم ظلماً وقهراً، وأي منصف يقارن بين هذا وبين تعاليم الإسلام -الذي مضى له أكثر من 14 قرناً- يرى أن إقحام الإسلام في هذا الموضوع أحق بالمثل السائر: “رمتني بدائها وانسلت!”

انتهت إلى هنا اللمحة التاريخية التي عرضها موقع “الإسلام سؤال وجواب” ونقلناها عنه بشيء من التصرف، انتهت بعد أن نجحت في أن تثير في ذهن كل قارئ لها حالة من الغضب والاستهجان والرفض، وأن تحرك في القلوب مشاعر الألم والوجع لأناس لم يتمتعوا بأقل قدر من الآدمية والإنسانية بل كانت للحيوانات منزلة أعلى منهم.

لكن السؤال لا يزال يُلح في عقول البعض.. بعيدا عن إقرار الديانات الأخرى للعبودية، وبغض النظر عن تاريخ أوروبا الأسود في استعبادها للبشر.. كيف كان موقف الإسلام من العبودية بشكل عام؟، وهل حافظ على إنسانية العبيد وآدميتهم أم انخرط أتباعه -مستفيدين من تعاليم دينهم- في سلسلة أخرى من الإهانة والإذلال لأولئك الصنف.. ولم لا وقد كان المجتمع الجاهلي يعج بالفوضى؟؟؟

 وللإجابة على تلك الأسئلة عدنا لبحث للأستاذ الدكتور/ أحمد شوقي إبراهيم ونقلنا –بتصرف- ما أوضحه في هذا الشأن من خلال موسوعة “الرد على الشبهات والافتراءات الموجهة ضد الإسلام”[1]

الإسلام وتحرير الإنسان

الغزوات الإسلامية

وسيلة الرق في الإسلام وحيدة هي أسرى الحروب.. رغم أن وسائل الرق قبل الإسلام –في الجاهلية- كانت كثيرة؛ فالرجل كان يبيع نفسه ويبيع أولاده، ويقترض بضمان نفسه أو أولاده

كفل الإسلام الحرية الشخصية كحق من الحقوق الأساسية للإنسان، ومن أبرز الحقوق المتعلقة بالحرية الشخصية الحق الذي حرصت عليه الشريعة الإسلامية الغراء في تحرير الإنسان من قبضة غيره، أو ما يعرف بتحرير الرق.

المشاهد – في حقيقة الأمر– أنه مع أن الرق كنظام اجتماعي واقتصادي قد عرفته ودافعت عنه نظم قانونية عديدة قبل ظهور الإسلام، بل ظل في بعضها كما في أوروبا حتى نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن الشريعة الإسلامية على الرغم من ذلك جاءت لتغلق منافذ هذا النظام، ولتفتح أبواب العتق أمام جميع الأشخاص الذين ساقهم سوء حظهم للوقوع في قبضة غيرهم من الأشخاص بأي صورة من الصور، فالثابت أن القرآن الكريم جاءت آياته خالية من أي إشارة تبيح الرق، بل على العكس تضمنت هذه الآيات الكريمة العديد من الأحكام التي تدعو إلى عتق الأرقاء وتحريرهم، والشيء ذاته نجده كذلك بالنسبة إلى السنة النبوية الشريفة، حيث ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أعتق كل من كان عنده من رقيق الجاهلية، وأنه قد أعتق كذلك من أهدي إليه منهم.

والواقع أنه إذا كان قد ثبت عن الخلفاء الراشدين أنهم وضعوا أيديهم على بعض الأسرى، إلا أن ذلك جاء إعمالاً لمبدأ المعاملة بالمثل ليس إلاَّ، فالصحيح كما يستنتج بعض الباحثين، أن الخلفاء الراشدين لم يبيحوا الرق بجميع أشكاله على نحو ما جرى عليه العمل في الشرائع السابقة على الإسلام، وإنما حصروه فقط في حالة الحرب المشروعة المعلنة من المسلمين ضد عدوهم الكافر، أما ماعدا ذلك من صور الرق فقد اعتبر عندهم محرماً شرعاً.

قال تعالى: “فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً” (محمد :4)

فالقرآن بذلك يحدد مصير من شُد وثاقهم وهم أسرى الحرب، ويكون المصير بإطلاقهم مناً عليهم، أي بدون فداء أو بإطلاقهم نظير فداء، وقد يكون الفداء بتبادل الأسرى أو يكون نظير مال، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم بعض المسلمين القراءة والكتابة فداء لإطلاق من يجيدون ذلك من أسرى غزوة بدر.

وعلى هذا لا يبقى أسرى في يد المسلمين، وبالتالي لا يكون هناك رق لأن وسيلة الرق في الإسلام وحيدة هي أسرى الحروب.. وكانت وسائل الرق قبل الإسلام –في الجاهلية- كثيرة؛ فالرجل كان يبيع نفسه ويبيع أولاده، ويقترض بضمان نفسه أو أولاده، فإذا لم يوف القرض فُرض الرق عليه وعلى أولاده، ولكن الإسلام حصر الرق في أسرى الحروب بشرط أن يكون المسلمين مُعتدى عليهم، وألا يكون الأسير مسلماً. وبهذا ضيق الإسلام مداخل الرق.

وتنفيذاً لاتجاه الإسلام للقضاء على الرق، كان الرسول يبذل أقصى الجهد لإطلاق الأسرى كما حدث في غزوة بني المصطلق إذ تزوج الرسول ابنة حاكم بني المصطلق[2]، فقال المسلمون: كيف نسترق أصهار رسول الله وأطلقوا الأسرى، وكذلك أطلق الرسول الأسرى في غزوتي حنين والطائف.

وكما ضيق الإسلام مدخل الرق، وسع المخرج منه بأن فتح أبواباً كثيرة للعبيد ليتحرروا، ومن هذه الأبواب الكفارة والمكاتبة والتدبير..

أساليب علاج الشريعة للقضية

لقد عالجت الشريعة النظام المذكور –أي نظام الرق– بأساليب شتى منها على سبيل المثال:

  • التوكيد بداية على مبدأ المساواة بين بني البشر، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء:1).
  • التوكيد على مبدأ الأخوة الإنسانية، والآية السابقة فإنها أيضاً تدلل على ذلك بوضوح.
  • فتح أبواب الحرية أو العتق أمام الأرقاء، ومنها الكفارات، والتي نذكر منها كفارة القتل الخطأ، قال تعالى: “وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ ” (النساء: 92)، ومنها أيضاً كفارة الظِّهار قال تعالى: ” وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ” (المجادلة: 3)، وهناك أيضاً كفارة حنث اليمين مصداقاً لقوله تعالى : “لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ” (المائدة:39).
  • ومن الأساليب أيضاً سهم الزكاة مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” (التوبة:60).
  • كما أن هناك سبيلاً آخر تمثل في فتح الباب أمام إمكانية أن يفتدى العبد أو المسترقُّ نفسه مقابل مال يدفعه إلى من يملكه وهو ما يعرف بالمكاتبة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: “‏وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا‏.‏‏.‏‏.‏‏” (النور: 33).

إنسانية الإسلام في معاملة الأسرى

رعاية الخدموفيما يلي لمحات من إنسانية الإسلام في التعامل مع الأسرى والعبيد:

* لا يجوز الاسترقاق إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب، أما غير المحاربين فلا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من أنواع الاعتداء.

* المرأة التي تُسبى لا تكون مشاعاً، بل هي مملوكة لسيد واحد فقط، ولا يجوز أن يجبرها على معاشرة غيره من المسلمين.

* القرآن يأمر المسلمين إذا انتصروا على أعدائهم أن يكفوا عن القتل، ويكتفوا بالأسر.

* وقد شرع لهم أن يعتقوا أسراهم فضلاً وإحساناً منهم، أو يفدوهم بالمال وغيره إن احتاجوا إلى ذلك، كما قال تعالى: “حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا” (محمد:4).

* مهد الإسلام السبيل إلى تحرير العبيد، حيث لم “يوجب” الاسترقاق كما كان في بعض الملل، ولكنه “أباحه” فقط في حالة أسرى الحرب.

* كما نهى الإسلام عن إهانتهم، وأمر بالترفق حتى في ندائهم، فلا يقال: “عبدي” و” أمتي”، بل يقال: ” فتاي” و “فتاتي “. قال صلى الله عليه وسلم: ” ولا يقل أحدكم : عبدي، أمتي، وليقل : فتاي، فتاتي، غلامي” رواه مسلم. وهذا هو الاسم الذي استخدمه القرآن في قوله تعالى: ” وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ” (النساء: 25) وقال سبحانه :  ” وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا”         (الكهف:60).

* أمر القرآن بالإحسان إليهم، قال تعالى: ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” (النساء: 36). كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم  قوله للمسلمين: ” اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم “(البيهقي وابن حيان).

* إذا أنجبت الأمة من سيدها، فأولادها أحرار وينسبون لأبيهم ويرثونه، وفي هذه الحالة لا يجوز له بيعها، حتى لا يفرق بينها وبين أولادها.

* الأمر بأن يأكل الأرقاء مما يأكل سادتهم، وأن يلبسوا مما يلبسون، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في التوكيد على هذا المعنى: ” إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ” (البخاري).

انتهى إلى هنا حديث الدكتور شوقي إبراهيم عن وضعية العبيد والمسترقين في الإسلام، وربما لا يحتاج الأمر لمزيد من الإيضاح والتحليل… فالصورة مضيئة بما يكفي، وشتان الفارق ما بين وضعية العبيد قبل الإسلام وحالتهم في ظله.. حيث الحرص على تأصيل مبادئ الرحمة والرأفة واللين في معاملتهم من سادتهم، والسعي الحثيث لتجفيف منابع الرق والقضاء عليها بشكل انسيابي لطيف لا يُفرض فجأة وبدون مقدمات على مجتمع تغلغل فيه نظام الرق واختلط بمكوناته وصار جزءا لا يتجزأ من كيانه.

ولعل الأهم من كل ما سبق هو عدم تفريق شريعة الله بين العبيد والأحرار فإن أكرم البشر عند الله أتقاهم، ولا فرق لحر على عبد ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح

________________________________

الهامش:

[1] – موسوعة الرد على الشبهات والافتراءات الموجهة ضد الإسلام، أ.د/ أحمد شوقي إبراهيم، نهضة مصر، القاهرة،2012، ج1، ط2، ص 128-131.

[2] – أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.

مواضيع ذات صلة