عندما أنقذ المسلمون علم الطب من الضياع!

ثبت لدَى كثير من المنصِفين – من مستشرقين وعلماء – أن للمسلمين فضلًا كبيرًا في إنقاذ الطب من الضياع، وثبت لديهم أن أوروبا إنما تقدَّمت بالإضافات الكبيرة التي أضافها المسلمون للطب، والتي نُقلت إلى أوروبا، وكان لها دورها في تقدم المدنية الأوروبية…

(مقتطف من المقال)

د. عبد الحليم عويس

الطب

تضم صفحات الحروب الصليبية قصصًا طبية تدل على أن الصليبين لم يكن لدى أطبائهم إلا ضرب المريض أو قطع عضوه المُصاب!

لكي ندرك الأثر الحضاري على أوروبا في الطب الإسلامي نورد هنا قصة طبيب (ريتشارد) قلب الأسد، الذي كان يُعالَج بالوسائل البدائية لتخرج منه الجن، وكاد يموت لولا أن أرسَل إليه عدوُّه صلاح الدين الأيوبي – بدافع من دينه وإنسانيته وفروسيته – طبيبَه الخاص ليعالجه بالعقاقير، ويصل به إلى درجة الشفاء.

كما أن صفحات الحروب الصليبية تضمُّ قصصًا طبية تدل على أن الصليبين لم يكن لدى أطبائهم إلا ضرب المريض أو قطع عضوه المُصاب، وغالبًا ما يموت المريض أثناء العلاج نظرًا لعدم استعمالهم التخدير.

أهم معابر الطب إلى أوروربا

ونظن أنَّ الحروب الصليبية في فتراتها – سلمِها وحربها – الطويلة، بالإضافة إلى الأندلس والترجمة، كانت أهم معابر الطب العربي الإسلامي إلى أوروبا وغيرها.

لقد تُرجمت الآثار الطبية للزهراوي -خلف بن عباس (ت 1107هـ) الأندلسي- الذي عاش في عصر الخليفة عبد الرحمن الثالث، وابنه الحكم الثاني (300 – 366هـ)، إلى اللغات الأوروبية، ودرست في معاهد الطب، كما تأثر به الجراحون واقتبسوا عنه، معترفين له باختراعاته لآلات جراحية عديدة.

قال ابن أبي أُصيبعة عن الزهراوي في طبقات الأطباء: “كان طبيبًا فاضلًا، خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج، ومع أنه اشتَهَر خصوصًا بالجراحة؛ فإننا نراه قد جمع بين فروع الطب والصناعة، وكان فيها جميعًا ماهرًا؛ فصحَّ فيه القول: هو أشهر أطباء العرب الثلاثة: الرازي وابن سينا.

وإلى جانب هذا التأثير في الطب ثَم تأثير آخر؛ فقد تُرجم الكثير من الكتب الطبية، فترجم بارافاكي “Bravaci” كتاب التيسير للزهراوي سنة 1381م، وطُبع طبعات عدة، وفي الوقت الذي كان العرب فيه يمارسون الجراحة للماء الأزرق في العين، كانت مقررات الجراحة ممنوعة في الغرب حتى عام 1163م، وقد دخلت المناهج بعد أن توافرت لديهم تراجم الكتب الطبية العربية، وبعد خبرة عملية في الطب الإسلامي إلى جانب التدريب العملي في المستشفيات، وكانت المدارس العربية في مراكز يقصدها طلبة العلم من كل أنحاء العالم؛ فأوروبا – بطبيعة الأمور – مدينة للعرب في الحقل العلمي.

الطب

يقول الدكتور غوستاف لوبون “Gustav Lebon”: (إن أهم تقدم للعرب في عالم الطب هو ما كان في الجراحة وعلم الأمراض وأنواع الأدوية والصيدلة، والطب مَدِين للعرب بعقاقير كثيرة…).

وقد تخصَّص عدد من المترجمين في ترجمة الكتب الطبية؛ مثل: قسطنطين الإغريقي، وجيرارد الكرموني، وأسطفان البيزاني الأنطاكي الذي ترجم خلاصة كتاب علي عباس، وظهرت أعداد مِن المدارس الطبية؛ مثل مدرسة (مونبلييه) “Montpelier” عام 1137م، وكان فيها عدد من المعلِّمين العرب حتى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، وارتبطَتْ أسماؤهم بالطب العربي وتدريسه في جنوب إسبانيا؛ حيث انتقل عن طريق هذه الدراسة الكثيرُ من الطب العربي إلى أوروبا.

وقد ثبت لدَى كثير من المنصِفين – من مستشرقين وعلماء – أن للمسلمين فضلًا كبيرًا في إنقاذ الطب من الضياع، وثبت لديهم أن أوروبا إنما تقدَّمت بالإضافات الكبيرة التي أضافها المسلمون للطب، والتي نُقلت إلى أوروبا، وكان لها دورها في تقدم المدنية الأوروبية، ويؤيِّد هذا (كمستون) “Camesten”  في قوله: إنه لو لم يكن للمسلمين غير هذا الفضل في الإنقاذ لكفاهم خدمة وفخرًا؛ أي في الإنقاذ من الضياع، لقد رفع المسلمون شأن الطب، ولهم الفضل في جعل الجراحة قسمًا منفصلًا عنه، وفي إنشاء المستشفيات والتنقُّل فيها، وفي التصريح الشرعي لممارسة الطب والصيدلة.

وكذلك في الصيدلة طوَّروها وخدموا أسسها، وهم أول مَن أنشأ مدارسها، واستنبطوا أنواعًا من العقاقير، وامتازوا في معرفة خصائصها وكيفية استخدامها لمداواة المرضى، كما أعطوا من النبات موادَّ كثيرةً للطب والصيدلة.

يقول الدكتور غوستاف لوبون “Gustav Lebon”: (إن أهم تقدم للعرب في عالم الطب هو ما كان في الجراحة وعلم الأمراض وأنواع الأدوية والصيدلة، والطب مَدِين للعرب بعقاقير كثيرة، والطب مَدِين – كذلك – بطرق طريفة في المداواة، عاد إليها على أنها اكتشافات حديثة، بعد أن نسيت زمنًا طويلًا؛ وعلم الجراحة مَدين للعرب أيضًا بكثير من مبتكراته الأساسية، وظلَّت كتبهم فيه مرجعًا للدراسة في كليات الطب إلى وقت قريب جدًّا).


المصدر: بتصرف يسير عن مجلة المجتمع

مواضيع ذات صلة