قصة المجادلة.. عندما يخالفُ الوحي أعراف العرب!

(لَقَدْ جَاءَتِ المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول)…

(مقتطف من المقال)

إعداد/ فريق التحرير

المجادلة

قالت خولة رضي الله عنها كما جاء في رواية ابن حبان: اللَّهُمَّ إِنِّي أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتَّى نزل جبْرَائيل بآيات الظهار.

من بين الشبهات التي يثيرها المتشككون قسم كبير يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم.. زيجاته.. معجزاته.. بعض آرائه الحياتية في عدد من المسائل التي عُرضت عليه.. وغير ذلك.. لذا كان من الضروري أن نفرد لتلك النوعية من الشبهات مساحة خاصة لتفنيدها والرد عليها…

لعل من أشهر الشبهات التي تثار حول نبي الله أن القرآن ليس وحيا إلهيا ولكنه حديث بشري خالص أدلى به النبي في لحظات خاصة.. وللإجابة على تلك الشبهة نعرض مثلا عرضته وقدمته الدكتورة سامية بنت ياسين البدري في كتابها الصادر عن مركز دلائل/ أفي النبوءة شك؟!

تأخر الوحي في قصة المجادلة

جاءت المجادِلة[1] إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، طالت صُحبتي مع زوجي، ونفضت له بطني، وظاهرَ مني؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرُمتِ عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي، ثم قالت: يا رسول الله، طالت صُحبتي مع زوجي، ونفضت له بطني، وظاهرَ مني؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرُمتِ عليه، فجعل إذا قال لها: حُرمتِ عليه، هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي، قال: فنزل الوحي،… قال: ادعي زوجك، فتلاها عليه رسول صلى الله عليه وسلم: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” (المجادلة:1).

فمحمد صلى الله عليه وسلم يقول للمرأة التي ظاهرها زوجها بأنها حرُمت عليه، فتُحاوره مرة بعد أخرى، وفي كل مرة يقول: (حرُمتِ عليه)، ثم ينزل الوحي بآيات يتبين فيها حُكم الظهار، فلو كان القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لبين حُكم الظهار من أول مرة، ولو كان من عنده لأخفى هذا الحكم كي تتفق إجابته، لكنها الدلالة على أن محمدا صلى الله عليه وسلم مُبلغ عن ربه، وينقل وحي الله تعالى له، وقد حُكم الظهار[2] معروفا معلوما عند العرب، لذا أجاب النبي المرأة بأنها حَرُمت عليه، وبعد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم تأتي كفارة الظهار، ليُعلم أن القرآن من عند الله تعالى، وأحكام وإحكام هذا الدين هو من لدن الله تعالى وحده.

وفي هذه الحادثة دلالة على أن القرآن وحي من عند الله تعالى.

وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها فوائد كثيرة، منها:

ـ تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ورِفقه بأصحابه، وحرصه عليهم، واهتمامه بهم. فعلى الرغم من كثرة مسئولياته ومشاغله، كان عنده الوقت ليفصل في الأمور الحياتية العادية بين أصحابه، دون قيود أو حواجز تحول بينه وبين كل فرد من أمته ليدخل عليه، ولم يدّع العلم بكل شيء، بل قال رأيه، وسمح لخولة رضي الله عنها أن تحاوره، حتى نزل القرآن الكريم بالحل، وقد قال لخولة رضي الله عنها موصياً لها بزوجها: (يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه … فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا).

ـ هذا الموقف كان سبباً لنزول مطلع سورة المجادلة، ومن ثم فمواقف وأحداث السيرة النبوية أرضاً خصبة لمفسري القرآن الكريم، بما توفره من معرفة أسباب نزول الآيات والمواقف التي نزلت فيها، فالكثير من الآيات القرآنية نزلت إثر حوادث طرأت، أو مشاكل وقعت في المجتمع الإسلامي حينئذ، أو أسئلة وُجِّهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه الآيات القرآنية تحمل الإجابة، أو تبين الحكم والغاية والهدف، ولا ريب أن معرفة أسباب النزول ضروري لمن يتصدى لتفسير كلام القرآن الكريم، قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسَبَب يورث العلم بالمُسَّبِّب.

ـ نزول تشريع وحكم يُعمل به إلى يوم القيامة، وهذا التشريع هو: حل مشكلة الظهار، وهو قول الرجل لزوجته: “أنت عليَّ حرام كحرمة أمي عليَّ”، أو “أنت علي كظهر أختي”، فتحرم الزوجة على زوجها، ولا يجوز لهما أن يتعاشرا معاشرة الأزواج، إلا بعد أن يكفِّر الزوج عن يمينه، بحسب ما جاء في مجريات هذا الموقف.

ـ التذكير بعلم الله سبحانه المحيط بكل نجوى، واستجابته لدعاء الشاكي الصادق إذا أخلص الدعاء، فقد قالت خولة رضي الله عنها كما جاء في رواية ابن حبان: (اللَّهُمَّ إِنِّي أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتَّى نزل جبْرَائيل بهؤلاء الْآيات).

ـ حُسْن عشرة خولة رضي الله عنها لزوجها، وحرصها على مستقبل وتماسك أسرتها ـ رغم أن زوجها قد كبرت سِنّه وأساء إليها ـ، يظهر ذلك في قولها: (إن أوْساً ظَاهَرَ مني، وإنا إنِ افترقنا هلكنا). ومن حسن عشرتها لزوجها كذلك: احترام خصوصية زوجها وبيتها، ويظهر ذلك في وصف عائشة رضي الله عنها لخولة حينما جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قولها: (لَقَدْ جَاءَتِ المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول)، ومع حسن عشرتها لزوجها وحرصها عليه فقد فقهت أن طاعة الزوج لها حدود، وهي طاعة في غير معصية لله عز وجل.

ـ للمرأة مكانتها في الإسلام، وأن لها من الحقوق، وعليها من الواجبات، كالتي للرجل، إلا ما فضَّل الله به بعضهم على بعض، قال الله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة:228)، فقد توجهت رضي الله عنها بشكواها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضية أسرية، وسمع الله شكواها من فوق سبع سموات، وأنزل آيات قرآنية في أمرها، مبينًا المخرج من أزمتها.

الهوامش

[1] – المجادلة هي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة وزوجها أوس بن الصامت (أخو عبادة بن الصامت) رضي الله عنهما، وفيه راجعت خولة رضي الله عنها زوجها في شيء أثار غضبه، فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، أي محرمة عليّ، ثم بعد ذلك أراد أن يباشرها فأبت وامتنعت عنه، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه، فنزل القرآن الكريم بآيات الظهار في مطلع سورة المجادلة، لتقدم الحل والحكم لهذه القضية: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ” (المجادلة: 2-1)، قال السعدي: المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: “أنت علي َّكظهر أمي” أو غيرها من محارمه، أو “أنت عليَّ حرام”

[2] – الكفارة في الظهار هي: عتق رقبة، فإن لم يجدها فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً، لقوله سبحانه وتعالى: “وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً” (المجادلة:3،4).


المصادر:

مركز الفتوى بشبكة إسلام ويب

http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=12075

http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=206404

مواضيع ذات صلة