الحمَّى.. والتشكيك في النصيحة النبوية لمواجهتها

يزعم المغالطون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمَّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) يتنافى مع المعارف الطبية التي استطاعت التوصل إلى أسباب الحمَّى، كما أن وصف علاج الحمَّى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يتناسب مع سمات التفكير البدائي، ولا يتناسب مع تفكير إنسان يعيش في عصر العلم والتقدم.

 وجه إبطال الشبهة:

الحمَّى

تحدث الحمَّى في حالة حدوث عدوان على جسم الإنسان، سواء عن طريق خلايا بكتيرية أو سرطانية أو فيروسات أو فطريات أو أي جروح أو أمراض داخلية.

أثبت الطب الحديث أن الحمَّى هي ارتفاع درجة حرارة الجسم، ورغم أن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعة للحرارة تؤثر على منطقة المهاد، وأن العلاج يكون بخفض درجة الحرارة، وذلك عن طريق مخفِّضات الحرارة، كالماء و الإسبرين والكينين؛ لذا كان استعمال الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى، التي يحث الأطباء على اللجوء إليها سريعًا عند الإصابة بالحمى، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام.

التفصيل:

  • الحقائق العلمية:

أثبت العلم الحديث أن تشخيص الحمَّى يكون بارتفاع في درجة حرارة الجسم بالقياس الفمو (C 37)، مع اعتبار الفروق الطبيعية لكثير منا، وتتراوح في 95% منهم.

بين 36.3: 37.1 في الفترة الصباحية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة بالمخ، وثبات درجة الحرارة في معدلاتها الطبيعية محكوم بمركز ما تحت المهاد  (Hypothalamus)، الذي يحتوي على مراكز التحكم الحراري (Thermoregulatory control Center a thermostate).

وتحتوي هذه المنطقة من المخ على خلايا عصبية تستشعر درجة حرارة الدم؛ ففي حالة انخفاض درجة حرارة الدم ترسل إشارات إلى العضلات تسبب توترًا عصبيًّا وارتفاعًا في درجة الحرارة، وإشارات إلى الأوعية الدموية بالجلد فتسبب انقباضها وانتصاب الشعر والقشعريرة، ويحول ذلك دون فقدان الحرارة من الجسم إلىأقصى درجة، ويحدث العكس عند ارتفاع درجة الحرارة، فترتخي العضلات وجدران الأوعية السطحية، مما يترتب عليه فقدان الحرارة من الجسم؛ أي إن الترموستات الحراري مضبوط ضبطًا ربانيًّا على نظم درجة الحرارة عند (37 cه).

وتحدث الحمَّى في حالة حدوث عدوان على جسم الإنسان، سواء عن طريق خلايا بكتيرية أو سرطانية أو فيروسات أو فطريات أو أي جروح أو أمراض داخلية؛ حيث تلتف البلاعم والخلايا المناعية حول المكان المصاب أو العضو المريض، وتتفاعل مع تلك الأجسام الغريبة، وتتولد عن هذه المعارك الشرسة مواد تُسمى”بيروجينات” (Pyrogens).

والجدير بالذكر أن المكان المصاب عند حدوث العدوان تنبعث منه إشارات ونبضات عصبية إلى سائر مراكز الجسم وأعضائه المختلفة، وذلك على مستوى المراكز الرئيسة في الجسم، وهو الاستنفار العام الذي يُسمى بـ “الاستجابة العصبية الغددية الصموية” (Neuro Endocimal Respones)، وأول هذه المراكز هو المخ (الرئيس).

وتتابع تفاعلات الأيض الاستقلابي في الجسم كله (Metabolic changes)، وتتداخل وتتوافق وتتكامل الوظائف الكلوية والكبدية والرئتين والجهاز الدوري والجهاز المناعي الذي يعنينا في هذا البحث بصفة خاصة، والذي ثبت في السنوات الأخيرة المعدودة مشاركاته اللامحدودة على المستوى العضوي والمستوى الخلوي للجسد كله، ما من شأنه شحن كل مقدرات الجسد وطاقاته من شتى الاتجاهات لإسعاف الجزءالمصاب، وعلى قدر حاجته تمامًا؛ أي إن التداعي الجسدي بالاستنفار المناعي والعضوي وحدوث الحمَّى يكون بمعايير منضبطة وغاية في الدقة.

وعندما تصل البيروجينات عن طريق الدم إلى المخ- حيث ترموستات الحرارة تحت المهاد- يتأثر بها المركز، وتتغير درجة ضبط الحرارة إلى درجة أعلى من ذلك وفقًا لدرجة التفاعلات الأيضية الخلوية وتركيز البيروجينات كنتيجة للمعارك الدائرة بين الجهاز المناعي، مع اختلاف قدرات هذا الجهاز من شخص لآخر وقوة الأجسام المعادية، وترتفع درجة حرارة الاستقلاب الأيضي في الخلايا، وترتفع نسبة الأدرينالين في الأنسجة، خاصة السطحية، وكذلك الجهاز الدوري بتأثير زيادة إفراز الثيروكسين والثريونين من الغدة الدرقية؛ استجابة لزيادة إفراز منشط الغدة الدرقية.

وبارتفاع درجة حرارة الجسم يستمر استنفار كافة الأجهزة والأعضاء بصورة متتابعة، وذلك في خدمة العضو الذي تم الاعتداء عليه والموضع الذيت نبعث منه إشارات الاستغاثة.

ويعرف الألماني (بلز) الحمَّى فيقول: هي عبارة عن انفعال عام يطرأ على الوظائف الحيوية، يضاف إليه سرعة غير طبيعية لبعض أعمال الجسد، وسرعة غيرعادية للنبض، وزيادة للحرارة الغريزية، واضطراب للمجموع العصبي والهضمي.

والحمَّى في حقيقتها ليست مرضًا قائمًا بنفسه، بل هي نتيجة مجهود عظيم يبذله الجسم ليتخلص بسببه من مرض، ويرجع التوازن الجسدي لحالته الأولى،ومن أعراضها: ارتفاع درجة الحرارة، فقد تبلغ 42 درجة بدلاً من 37، ويزداد النبض من60 أو 70 إلى 120 وقد يزيد عن ذلك, ويشعر المصاب بحرارة وقشعريرة متعاقبتين، ويضاف إلى هذا العطش, وفقد الشهية, وجفاف الجلد, وقلة عرقه, وألم في الرأس، وتعكر في البول, وشعور بالضجر, فيشعر المريض بأنه تعب متكسر الأعضاء كئيب, وقد يعتريه هذيان أحيانًا.

ورغم أن للحمى أسبابًا كثيرة، إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعة للحرارة تؤثر على منطقة تحت المهاد، وتحدث الرعشة وتقلص العضلات، فتزيد من ارتفاع الحرارة، ومن أشهر أسبابها: ضربة الشمس والملاريا والأنفلونزا ونوبات البرد والحمىالتيفية والمالطية وغيرها، والمعالجة بالكمادات الباردة والماء المثلج نوع مهم من العلاج للأعراض ذاتها، وإذا كانت الأدوية النوعية المضادة للحميات الإنتانية لم تُكتشف إلا في القرن التاسع عشر، وكذلك مخفضات الحرارة، كالأسبرين والكينين، فقد كان استعمال الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى.

وقد تؤدي الإصابة بالحمى إلى هياج شديد، ثم هبوط عام وغيبوبة تكون سببًا في الوفاة؛ ولذا كان لزامًا تخفيض هذه الحرارة المشتعلة بالجسم فورًا حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماء أو عمل كمادات من الماء البارد والثلج؛ حيث إنه إذا انخفضت شدة هذه الحرارة عاد الجسم كحالته الطبيعية بعد أن ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخ.

ومسألة التبريد أدركها الطب الحديث، وعرف أن علاج مريض الحمَّى يكون بتخفيض حرارته، فعمل الطب الحديث على تصنيع الأسبرين والكينين وغيرهامن الأدوية الحديثة؛ إذ توجد ثلاث مجموعات من الأدوية التي يمكن أن تسهم في خفض درجة الحرارة، وهي:

  1. الكورتيزونات.
  2. المسكنات (NSAIDS).
  3. Acetaminophen) Paracetamol).

ومن هذا يتبين أن العلم الحديث قد كشف أن التبريد بالماء يفيد في معالجة كل الحميات الإنتانية، وأول ما ينصح به الطبيب اليوم هو عملا لكمادات بالماء البارد على رأس المحموم.

هذا وإن لتبريد الحمَّى بالماء طرقًا عديدة، نذكر منها:

  1. اللف بالكمادات الباردة: كالمناشف وقطع القماش المبللة بالماء البارد؛ حيث تُلف أجزاء من البدن، كالجبهة والرأس والأطراف، أو يُلف البدنكله، وتُستعمل هذه الطريقة لخفض حرارة المحمومين المصابين بحمى ضربة الشمس أو الحمَّى التيفودية وغيرها, وخاصة عند ارتفاع درجة الحرارة الشديدة أو المترافقة ىبهذيانات، ويُكرر اللف مرة كل 3: 4 ساعات، ولا يجوز تطبيق اللف الكامل عندالمصابين بآفة قلبية أو رئوية، بل يُكتفى بالكمادات الموضعية الباردة للتخفيف منشدة الحرارة.
  2. الحمام البارد: اقترح براند حمامًا بدرجة 15: 20 للمصابين بالحمى التيفودية؛ فهو يخفض الحرارة، ويدر البول، وينشط الجسم، أما الحمامات الباردة بدرجة 20: 25  فتفيد العصبيين وبعض المحمومين، وغيره ما كانت درجة حرارته من 25: 32.
  3. مغطس الماء البارد: وقد اقترحه (Savil) لتخفيض حرارةالمحموم بوضعه في مغطس ثلثه ماء بدرجته 32: 35 ، ثم يُزاد ماء بارد كل 5 دقائق حتىتصل درجة الماء إلى 15,5, ولا يُستعمل المغطس والحمام الباردان للمصابين بالبرد أو النزلة الوافدة، ولا المصابين بآفة قلبية أو رئوية.

          2)  التطابق بين الحقائق العلمية والحديث النبوي الشريف:

لقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي بالماء لمن أصابته الحمَّى، فقال: (الحمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء)؛ أي إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الماء علاج لمن أصيب بالحمى، ثم خرج علينا أناس يزعمون أن هذا العلاج خاطئ، بل يدل على سمات التفكير البدائي، وبعيد كل البعد عن كلام الأنبياء المتعلق بالوحي الإلهي.

ولكن بالنظر إلى الاكتشافات الطبية الحديثة والدراسات الدائمة على معالجة الحمَّى يتبين أن الطب قد قرر أن استخدام الماء البارد غسلاً وعلى شكل كمادات يفيد في خفض درجة الحرارة للمصابين بالحمى، وعندما يُصاب الطفل باختلاج بسبب ارتفاع درجة حرارته نقوم فورًا بوضعه في مغطس بارد لإنزال حرارته، ولا يجوز خفضها كثيرًا بالمغاطس، بل نتابع بالكمادات الباردة بعد المغاطس، وفي حال ضربة الشمس التي هي أكثر الحوادثمشاهدة في الحج يتم اتباع الأسلوب السابق نفسه، كما يمكن وضع قطع من الثلج على جسمالمريض في البداية، ويجري تمسيد الأطراف والجذع لتحسين الدوران الدموي في الجسم،كما يوصي الأطباءُ المرضى بعدم تناول الأسبرين بشكل عشوائي عند ارتفاع درجةحرارتهم، والاكتفاء بالكمادات الباردة في حال الارتفاع القليل للحرارة.

وقد اعتنى العلماء بهذا الموضوع قديمًا وحديثًا، فمنهم من أفرده بكتاب،كالإمام ابن القيم، والحافظ المستغفري، ومنهم من ذكره في كتب الحديث الجامعة،كالإمامين البخاري والترمذي في جامعيهما، والإمام الحاكم في مستدركه، والإمامين أبيداود والنسائي في سننيهما، وغيرهم.

والحمَّى التي تصيب الإنسان بالحرارة في جسمه من فيح جهنم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أما كيف وصل فيح جهنم إلى بدن الإنسان فإن المعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرُب منها من حرها كما قيل بذلك.

          3) وجه الإعجاز:

إن تبريد الجسم بالماء يفيد في معالجة كل الحميات الإنتانية، وليس ذلك محصورًا في معالجة ضربة الشمس، وقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم باستعمال الماء البارد للحمى؛ لينقص من حرارتها، ويقلل من تأثيرها، وليس هنا كمخصص لنوع منها، وهذه النصيحة لا شك أنها من إعجازات النبوة، فنحن اليوم في القرن العشرين، أليس أول ما ينصح به الطبيب اليوم عمل كمادات بالماء البارد على رأس المحموم؟! وهو ما سبق به النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 عام في إعجاز نبوي فريد، فسبحان من أرسله وعلَّمه صلى الله عليه وسلم.


المصدر: بتصرف عن موسوعة بيان الإسلام للرد على الشبهات

مواضيع ذات صلة