من شبهات اللادينية.. هل غاب العدل الإلهي عن مسلمي بورما ؟

مسلم بورما مبتلى بالضراء، ومسلم غيرها مبتلى بالرخاء، كلاهما في اختبار، والعدل الرباني لا يُنظر إليه من جهة كفة الدنيا فحسب بل ميزانه الدنيا والآخرة…

مقتطف من المقال

إعداد/ فريق التحرير

بورما

أصحاب الأخدود كانوا مؤمنين وألقوا في النار جميعا والله يشاهدهم.

يصنف البعض الكثير من الشبهات والاستفسارات الدينية واضعا إياها تحت مظلة الإلحاد.. غافلا عن كون الإلحاد كمفهوم عام ينقسم ويتفرع لعدة أقسام.. من بينها مفهوم اللادينية أو الربوبية.. والتي تُعتبر اتجاها فكريا يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان ويؤمن بحق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بنفسه دون وصاية دين أو التزام بشريعة دينية، وترى أن النص الديني هو مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة.

فهم فرقة يؤمنون بوجود خالق ولا يؤمنون بأي ديانة.. و يعتقدون أن الله خلق الكون وجعل له نظاما لكنه لا يتدخل به، وسبب هذا الاعتقاد كما يدعون أنهم لا يرون تدخل الخالق في الكوارث الطبيعية وأنه لا يوجد دليل على تدخله.

لا يسألون الله في شدة ولا في رخاء لأنه لا دليل بزعمهم على أن الله يستجيب الدعاء، ويعتقدون بأن الله خلقهم وخلق لهم نظامهم وهي الطبيعة وتركهم لكي يتمتعون بحياتهم.

وعليه فإن كل ملحد هو لاديني.. ولكن ليس كل لاديني ملحد تماما خالصا في إلحاده.

ولمن يعتنقون الفكر اللاديني مجموعة شبهات خاصة سنحاول جمعها وترتيبها ونشر الأجوبة المتعلقة بها في سلسلة مقالات خاصة…

من الأفكار اللادينية.. أين العدل الإلهي فيما يحدث للمسلمين في بورما وغيرها من الدول التي يستضعف فيها المسلمون ويُنكل بهم؟

الجواب:[1] لأن الدنيا ليست دار جزاء، ولو كانت الدنيا دار جزاء نهائي لما كانت دار ابتلاء واختبار.

ولو كان كل ظالم تأخذه صيحة تهلكه لما كان ليوم الحساب معنى، ولما كان للصبر موضعا، ولا كانت التوبة فضيلة يُجزى صاحبها الجنة.

مسلم بورما مبتلى بالضراء، ومسلم غيرها مبتلى بالرخاء، كلاهما في اختبار، والعدل الرباني لا يُنظر إليه من جهة كفة الدنيا فحسب بل ميزانه الدنيا والآخرة، فإذا أتيت على ربك يوم القيامة فلم تجده أعطى المحسن أجر إحسانه وزيادة، وعاقب الظالم المسيء بإساءته عذابًا مهينًا جزاءً وفاقًا.. ساعتها اسأل عن العدل الإلهي أين هو؟.

أصحاب الأخدود كانوا مؤمنين وألقوا في النار جميعا والله يشاهدهم، إن الله إذا ترك المصيبة تقع بالعبد فهو يبتليه؛ فإن صبر كانت بابا لجنته وإن لم يصبر دل ذلك على عدم أهليته لما أعده الله للمؤمنين الصابرين، ولو كانت الدنيا دار نعيم لا بلاء فيها لكانت جنة، ولما كانت هي دار الامتحان الذي يميز بين الناس ودرجاتهم وما يستحقون.

وقد أخبرنا الله في قرآنه عن ملك طاغية، وهو يحفر الأخدود ليلقي فيه المؤمنين، ولم يتصارخ خيرة المؤمنين هؤلاء يتسخطون أقدار ربهم أن قد آمنا فكيف يتسلط علينا من يعذبنا فيحرقنا؟!

ما يحدث ليس جديدًا، والله لم يخدع الناس شيئًا، بل هو من حكى لنا أخبار البلاءات العظيمة التي وقعت بأوليائه، ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” (العنكبوت:2).

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ  فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ” (طه:71).

هذا وعيد فرعون لسحرة موسى، هل ترى ما فيه من شدة العذاب الواقع، هؤلاء الذين لو لم يؤمنوا لظلوا معززين مكرمين وجهاء عند فرعون وقومه؟!.. هل ترى السحرة قالوا ما هذا الظلم الذي وقع علينا؟.. أهكذا يكافؤنا الله على أننا آمنا؟.. كيف يسلط الله فرعون علينا بعد أن أسلمنا له؟

لا يا أخي، لم يقل السحرة المؤمنون من هذا شيئًا…

انظر ماذا قالوا:

قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ. إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ. وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ” (طه: 75 – 72)

لقد عرفوا ميزان عدل الله وأنه لا ينظر فيه إلى الدنيا وحدها، فالدار الآخرة هي الحيوان وهي تمام الميزان؛ لأجل ذلك قالها السحرة بينة لا ريب فيها: “قَالُوا لَا ضَيْرَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ” (الشعراء:50).

كل ما في الدنيا من بلاء بلغ ما بلغ، غمسة في الجنة تنسي العبد إياه، فقط كل ما يُطلب منك هو أن تعيش في هذه الدنيا عيش من يطلب الآخرة ويرجو رحمة ربه، شاكرًا صابرًا.

السحرة مع فرعون من أظهر نصوص الوحي في فهم طبيعة الابتلاء وميزان الخير والشر، فهذه الدنيا وما يكون فيها ليست معيارًا للخير والشر وليست ميدانًا لتحقيق العدل الإلهي أصلا.

لا شك أن ابتلاء المسلمين في بورما هو ابتلاء لرفع درجات الصابرين، وزيادة في عذاب الظالمين، وتمحيص لصف المؤمنين، ولتقام بهم الحجة على عذاب المجرم يوم القيامة فلا يشفق عليه أحد، ولا يعتذر عنه أحد، وليمتحن الله بهم أمثالنا من المؤمنين أيثبتون أم يستزلهم الشيطان فيكفروا؟!.

أما المبتلون فغمسةٌ في الجنة تُنسي كل شقاء كأن لم يكن.

لمزيد من القراءات عن قضية الابتلاء يمكن للقارئ الكريم زيارة الروابط التالية:

الابتلاءات.. عقوبة للبشر أم اصطفاء لهم؟!

اللادينية.. لماذا لا يتدخل الإله لرفع الظلم عن البشر؟

______________________________________

[1] – بتصرف كبيرعن صفحة قطوف من ال ASK – من إجابات الشيخ/أحمد سالم.

https://www.facebook.com/Qutooff/?fref=ts

 

مواضيع ذات صلة