رحلة الإسراء والمعراج.. معجزة إلهية أم فكرة فلسفية؟!

يشكك البعض في ثبوت معجزة الإسراء والمعراج والجزم بوقوعها بالكيفية التي يعتقدها المسلمون، ويرون أنها لا تخرج في مجملها -لما فيها من مجاوزة للعقل والواقع المألوف- عن أحد هذين الاحتمالين: إما أنها رؤيا منامية مستدلين على ذلك بقوله عزوجل: “… وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ…” (الإسراء:60).

وإما أنها ضرب من الأفكار الفلسفية، مثل وحدة الوجود، وكشف الحجب، واتحاد الزمان والمكان. وهم في هذا وذاك يرمون صراحة إلى نفي معجزة الإسراء والمعراج، ضمن منظومة نفي معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ بغية تجريده من تأييد الله له بها، والخروج به عن مقتضى كونه نبيا.

وجوه إبطال الشبهة:

الإسراء والمعراج

قال صلى الله عليه وسلم: (لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه).

1- إن معجزة الإسراء والمعراج معجزة عجيبة مدهشة بالفعل، وليس كل عجيب منكرا، وليس كل مدهش خياليا غير واقعي!

2-إن في الحوار الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقومه، ودقة وصفه للمسجد الأقصى؛ ما ينفي انتحاله هذه المعجزة من جهة، ويثبت وقوعها بالبدن والروح حال اليقظة من جهة أخرى.

3- إن وحدة الوجود، وكشف الحجب، واتحاد الزمان والمكان جميعها محل نظر، ولا ينبغي تشبيه معجزة الإسراء والمعراج بمثل تلك الأفكار الفلسفية؛ للبون الشاسع بينهما.

التفصيل في رد شبهة نفي المعجزة عن رحلة الإسراء والمعراج

أولا. إن معجزة الإسراء والمعراج معجزة عجيبة مدهشة، لكن ليس كل عجيب منكرا، وليس كل مدهش غير واقع:

ليس من الصواب في شيء أن يعد أحد المشككين كل ما هو خارج عن علمه في دائرة العدم، فنراه يتحدث بما لا يعرف قائلا: إن الإسراء والمعراج حدوثهما غير ممكن؛ لأن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم الصعود إلى السماوات العلا، ثم الرجوع من حيث أتى في جزء من الليل أمر مستحيل؟ ذلك لأن الطبقة الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية محدودة بثلاثمائة كيلو مترا تقريبا، فمن جاوزها صار عرضة للموت المحقق لعدم وجود الهواء الذي لا بد منه للحياة.

ومثل هذا الكلام لا ينهض على قدمين -ولو للحظة واحدة- أمام البحث العلمي الصحيح، فالإسراء والمعراج أمران ممكنان عقلا أخبر بهما – عز وجل – في القرآن الكريم المتواتر، كما أخبر بهما الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث الصحيحة المشهورة، فوجب التصديق بوقوعهما، ومن ادعى استحالتهما فعليه البيان وهيهات ذلك، وكونهما مستبعدين عادة لا ينهض دليلا ولا شبه دليل على الاستحالة، وهل المعجزات إلا أمور خارقة للعادة كما قال العلماء؟ ولو أن كل أمر لا يجري على سنن العادة كان مظنة للإنكار لما ثبتت معجزة نبي من الأنبياء.

ثم ما قول المنكرين لمثل هاتين المعجزتين فيما صنعه البشر من طائرات نفاثة، وصواريخ جبارة تقطع آلاف الأميال في زمن قليل؟ فإذا كانت قدرة البشر استطاعت ذلك، أفيستبعدون على مبدع البشر وخالق القوى والقدر أن يسخر لنبيه “بُراقا” يقطع هذه المسافة في زمن أقل من القليل؟! لسنا نقصد بهذا أن الإسراء والمعراج من جنس ما يقدر عليه الناس – فحاشا لله – وإنما أردنا تقريبهما لعقول من ينكرونهما بما هو مشاهد ملموس، فمهما تقدمت العلوم ومهما تقدم غزو الفضاء فلا يزال الإسراء والمعراج آيتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم.

*وأما شبهة أن المعراج لم يذكر في القرآن كما ذكر الإسراء، فيدفعها – أن المعراج وإن لم يذكر في القرآن صراحة فقد أشير إليه فيه، ولو سلمنا بعدم ثبوته بالقرآن فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للإنكار، فما الأحاديث النبوية إلا مبينة للقرآن، وشارحة له، ومتممة له، وهي الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، وإثبات الآيات والمعجزات، ولو أننا قصرنا الدين ومسائله على القرآن الكريم فحسب؛ لفرطنا في كثير من الأحكام والآداب، والآيات، والمعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

*وأما القول بأن المعراج يترتب عليه الخرق والالتئام وهو مستحيل ـ فمزعم قديم أكل الدهر عليه وشرب، وأبطلته النظريات العلمية الحديثة، فقد انتهى بحث العلماء إلى أن الكون في أصله كان قطعة واحدة، ثم تناثرت أجزاؤه، وانفصل بعضها عن بعض حتى غدا من ذلك العالم كله: علويه وسفليه.

إن العلماء الكونيين قد خطوا خطوات واسعة في غزو الفضاء، والتنقل بين الأجواء، والدوران حول الأرض والقمر، ومعرفة كم هائل من المعلومات عن المجموعة الشمسية، مما قد يعد من ضرب المعجزات والخيال في القرون الماضية، وما زال التقدم العلمي في هذا المجال يزداد يوما بعد آخر، مما يدحض زعم هؤلاء أن الإسراء والمعراج غير ممكن عقلا.

*وأما قولهم بأن الهواء ينعدم على بعد خاص فهو لا يسوغ الإنكار، فنحن نجد الغواصين يمكثون الساعات الطوال تحت الماء مكتفين بما معهم من هواء، وأيضا نجد رواد الفضاء قد تغلبوا على هذه المشكلة – إن صح أن تسمي هذه مشكلة – بل وعلى ما هو أشكل منها، ويختزنون معهم من الهواء ما يحفظ عليهم حياتهم أياما لا ساعات.

فإذا ثبت هذا في حق المخلوق وكان في مقدرته ذاك – وقليلة ما هي مقارنة بمقدرة الله – أفيبعد على الخالق ما أدركه المخلوق إن أراد حدوثه لأحد من الأنبياء على طريق الإعجاز، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون؟! إنه الله – سبحانه وتعالى – خلق السماوات، والأرضين معلقات في الفضاء بلا عمد، وأمسكهما أن تزولا وتسقطا على عظم أجرامهما، ودقة مساراتهما، وأبدعهما أيما إبداع، وربط الأسباب بالمسببات، وأوجد للكائنات نواميس خاصة بها، وعلم ما يحتاج إليه كل كائن حي من إنسان، أو حيوان، أو نبات، وقدر لكل ما يحفظ له حياته – وهو قادر على أن يسري بنبيه – صلى الله عليه وسلم – من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج به إلى سدرة المنتهى في جزء من الليل، وأن يحفظ عليه حياته في عروجه من الأرض إلى السماوات السبع وما فوقهن.

ويحسن بنا في هذا الصدد أن نذكر أنه في بعض المجامع في بلدة بالهند قال أحد المنصرين مشوشا على بعض المسلمين: كيف تعتقدون في الإسراء والمعراج، وهو أمر مستبعد؟ فأجابه مجوسي من مجوس الهند قائلا: إن الإسراء والمعراج ليسا بأشد استبعادا من كون العذراء تحمل من غير زوج، فبهت المنصر!

 والأمر كذلك ليس مستحيلا عقلا إذ إن خالق العالم قادر على أن يسري بمحمد – صلى الله عليه وسلم – بهذه السرعة، وغاية ما في الأمر أن المعجزة تمت خلاف العادة، والمعجزات كلها تكون كذلك.

ولم يكن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بدعا من أمره، بل شأنه في تأييد الله له بالمعجزات شأن سائر الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.

ثانيا. إن في الحوار الذي دار بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وقومه، ودقة وصفه المسجد الأقصى، ما ينفي انتحالها من جهة، ويثبت أنها وقعت بالبدن والروح حال اليقظة من جهة أخرى:

*إن معجزة الإسراء والمعراج ثابتة بالكتاب والسنة، والأدلة العقلية التي تلتقي مع نصوص القرآن الكريم، والسنة المطهرة، تقوم على تأكيد حدوث هذه المعجزة يقظة، ومن أظهر هذه الأدلة:

*أن هذه الرحلة لو كانت مناما لما كان فيها آية ولا معجزة، ولما استبعدها الكفار ولا كذبوه فيها، ولما ارتد بها ضعفاء الإيمان ممن أسلموا وافتتنوا بها؛ إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، بل لم يكن ذلك منهم إلا بعد علمهم أن خبره إنما كان عن جسمه لا روحه، وحال يقظته لا حال منامه.

فقد يقول قائل: إني رأيت أني ذهبت إلى أمريكا، ثم الهند، والصين، ثم عدت، وهو نائم على فراشه، وقد يرى أنه مات وانتقل إلى الدار الآخرة، ودخل الجنة أو النار بعد العرض على الملك الجبار، ولا يستطيع أحد أن يكذبه، فلو كان الإسراء والمعراج كذلك بالروح فقط لما كذبه المشركون؟

وما أدري كيف يقبل الذوق السليم أن يكون الإسراء بالروح، بعد قول الله سبحانه وتعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء:1).

فها أنت ذا ترى الآية الكريمة قد افتتحت “بسبحان” وهو استفتاح مشعر باستعظام ما كان من الأمر، والتعجب منه لجلاله، وذلك اللفظ لا يصح موقعه، ولا يتناسب وبلاغة القرآن الحكيم، إلا إذا كان الأمر غير معهود، ولا مقدور لأحد من البشر.

*ولو كان الإسراء بالروح فقط لم يكن ثمة ما يقتضي هذا الاستعظام، وذلك التعجب؛ إذ لا خطورة في إراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – آيات ربه في نومه، فإن هذا أمر يقع لكل أحد، وإنما يظهر وجه الاستعظام والتعجب إذا قلنا: إن ذلك الإسراء كان بالجسد والروح، كما هو ظاهر لكل ذي فطرة طاهرة وعقل سليم.

ثم تراه يقول: (أسرى) وهو لا يقال في النوم، كما قال القاضي عياض؛ لأن ما يقع في النوم إنما هو تخييل وضرب مثل لا غير، ولا يحسن أن يعبر عن ذلك بأنه أسرى به، وإنما ذلك إذا أسرى به ليلا إسراء حسيا على ما هو معهود ومعروف.

ولك أن تنظر معنا إلى قوله: “أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ” (النجم:12) ثم قل بعد ذلك ماذا ترى. أفيسهل عليك أن تسلم أن المراء والجدال كانا في رؤيا منامية؟ وهل يكون في رؤيا الروح وحدها في النوم جحود ومجادلة؟ وهل لذلك وقع عند القائل والسامع، حتى تذكر فيه تلك الآيات، وتحصل به تلك المجادلات، وينوه بشأنه في القرآن هذا التنويه العظيم؟ وهل عهدوا مثل ذلك في الرؤى المنامية؟ وهل ينكرون على أنفسهم ذلك، حتى ينكروه عليه صلى الله عليه وسلم؟

لا شك أن مناكرتهم ومجادلتهم، ما كانت إلا لعلمهم أنه يقول إن ذلك كان يقظة لا نوما، فهذا محل الاستبعاد والاستنكار؛ لأنه غير معهود لديهم، ولا في متناول قدرتهم.

وأبعد من القول بأن الإسراء والمعراج كانا بروحه، قول من ذهب إلى أنهما كانا في المنام، مستدلين لذلك بقوله سبحانه وتعالى: “وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا” (الإسراء:60) وقالوا: إن الآية تشير إلى الإسراء والمعراج، والرؤيا إنما تطلق على المنامية لا البصرية.

وليس أدل على رد استدلالهم بهذه الآية من قول ابن عباس في تفسيرها: هي رؤيا عين أريها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة أسري به، والشجرة المعلونة: شجرة الزقوم. ومراد ابن عباس – برؤيا العين – جميع ما عاينه – صلى الله عليه وسلم – ليلة أسري به من العجائب السماوية والأرضية.

وابن عباس هو حبر الأمة، وترجمان القرآن، ومن أعلم الناس بالعربية، وكان إذا سئل عن لفظ من القرآن ذكر له شاهدا من كلام العرب، فكلامه حجة في هذا، والرؤيا كما تطلق على المنامية تطلق على البصرية أيضا.

على أنه جاء في القصة ما هو قاطع في الموضوع، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أخبرهم بذلك هاج هائجهم، وقامت قيامتهم، فمنهم الواضع يده على رأسه تعجبا، ومنهم المصفق، ومنهم القائل له: لقد كان أمرك أمما قبل هذا. حتى ورد أنه ارتد بعض من كان قد دخل في الإسلام. فهل ترى أن ذلك كله كان من أجل رؤيا منامية؟

*وفي كون الإسراء والمعراج بالروح والجسد يقول الإمام النووي: والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده – صلى الله عليه وسلم – والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها، ولا يعدل عن ظاهرها، إلا بدليل، ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل”، ويقول ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسده وروحه، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل.

*وليس في الأمر غرابة، لا من حيث قطع المسافة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ولا من حيث صعود النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء، فأما من حيث قطع المسافة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في تلك المدة الوجيزة فقد يتوفر للجن، وهو الذي حدث مع سليمان – عليه السلام – وحكاه القرآن في قوله عز وجل: “قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ” (النمل:40) وحمل العرش من القصر إلى الشام أبلغ من إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أبلغ من قطع المسافة بين المسجدين في جزء من ليلة.

ومما سبق نخلص إلى أن معجزة الإسراء والمعراج ثابتة بالكتاب والسنة، وكان أهل مكة جميعا شهودا على هذه المعجزة، فعندما حدثهم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن هذه المعجزة، شككوا فيها واستنكروها وكذبوه، ولكنه – صلى الله عليه وسلم – استطاع أن يثبت لهم صحة ما أخبرهم به بأدلة واضحة لا يرقى إليها الشك؛ من ذلك:

  • إخباره – صلى الله عليه وسلم – عن القافلة التي يتقدمها جمل أورق:

فحدثهم عن أشياء حدثت في الطريق، وتبينوا بعد ذلك صدق ما قاله؛ فقد سألوه عن قافلة لهم قادمة من الشام، سألوه عن مكانها، ومتى تقدم عليهم، فأخبرهم عنها وعن وقت وصولها، وقدم لهم دليلا، حيث أخبرهم أن هذه القافلة يتقدمها جمل أورق، وبعد أن تحقق أمام أعينهم كل ما أخبرهم به خرست ألسنتهم وثبتت شهادتهم على هذا الحدث العظيم الذي كان اختبارا ليقين المسلمين وتمحيصا لإيمانهم.

  • وصفه – صلى الله عليه وسلم – الدقيق للمسجد الأقصى:

وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد صلى بالأنبياء في بيت المقدس كما ثبت في الروايات الصحيحة، وعندما عاد من رحلته طلب منه أهل مكة أن يصف لهم المسجد الأقصى ليتأكدوا من صدقه، فوصفه لهم بتفاصيله كاملة، ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد رآه قبل ذلك، ولكن أهل مكة كانوا قد رأوه مرات عديدة أثناء رحلاتهم إلى بلاد الشام، فكان وصفه الدقيق للمسجد الأقصى دليلا آخر على صدقه صلى الله عليه وسلم، لم يعترض أحد من أهل مكة على ما قدمه لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من وصف دقيق ومفصل لهذا المكان المقدس، قال صلى الله عليه وسلم: (لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه).

ثالثا. إن وحدة الوجود، وكشف الحجب، واتحاد الزمان والمكان جميعها محل نظر، ولا يصح تشبيه معجزة الإسراء والمعراج بمثل تلك الأفكار الفلسفية:

إن النصوص الصريحة القائمة على إثبات معجزة الإسراء والمعراج تجعل من نافلة القول أن نثبت بطلان تلك الأفكار الفلسفية، أما وقد شبهت هذه المعجزة النبوية بتلك الأفكار الفلسفية؛ فقد لزم الأمر أن نقر أن الإسراء والمعراج ليستا فكرة مثلا كوحدة الوجود من الصحة في شيء، كي نبني عليها معتقداتنا الدينية ونثبت على أساسها وننفي، ولو كان الأمر كذلك لكان عبدة الأصنام على حق، وعبدة البقر على حق، ومن عبد أي معبود بمقتضى تلك الفكرة على حق.

الخلاصة:

  • إن الإسراء والمعراج من الأمور العجيبة والمدهشة حقا، ولكن العجب والدهشة شيء وإنكارها شيء آخر، وقد تكون محيرة للعقل ولكنها ليست مستحيلة في منطق الوحي، وإلا فكيف نفسر عقلا إحياء عيسى للموتى، وانبجاس الحجر ماء لموسى، وكيف تفسر عقلا ما فعلته عصا موسى مع فرعون، ومعلوم أن الرسول جاء بما يحير العقول وليس بما تتخيله العقول، فالإسراء والمعراج من الأمور التي لا يرفضهما العقل والبحث العلمي، فقد استطاع الإنسان في العصر الحديث أن يغزو الفضاء بعلمه وقدرته المحدودتين، فكيف يستبعد عن الخالق أن يسري بنبيه – صلى الله عليه وسلم – وأن يعرج به إلى السماء وهو القادر على كل شيء وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
  • ليست معجزة الإسراء والمعراج رؤيا منامية كما يدعي المشككون؛ لأن رؤيا المنام من الأمور المعتادة التي لا تستنكر، ولو كانت كذلك لما وجد كل هذا الاعتراض من كفار قريش على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولما ارتد بعض من دخل في الإسلام، ترى هل كل هذا يحدث بسبب رؤيا منامية؟!
  • إن القول بأن معجزة الإسراء والمعراج ضرب من الأفكار الفلسفية مثل وحدة الوجود، قول باطل وتزييف للحق؛ لأن هذه الأفكار الفلسفية لا أصل لها في الإسلام، ولا دليل عليها من عقل أو نقل، وأكثر من يقول بهذه الأفكار هم الملحدون الذين ينكرون الألوهية، فلا يمكن تشبيه معجزة من أعظم المعجزات التي حدثت للنبي – صلى الله عليه وسلم – بمثل هذه الأفكار.
  • إن معجزة الإسراء والمعراج حقيقة ثابتة بالكتاب والسنة، وقد أثبت النبي – صلى الله عليه وسلم – صدق حديثه عن هذه المعجزة بأدلة واضحة أخرست ألسنة أهل مكة، وأفحمتهم، ومن ذلك: وصفه – صلى الله عليه وسلم – المسجد الأقصى وصفا دقيقا، فكان هذا الوصف دليلا آخر على صدقه، يجزم بكونها حال اليقظة لا المنام، وبالبدن والروح لا بالروح فحسب.

________________________________________

المصدر: بتصرف عن موسوعة بيان الإسلام

http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=02-03-0025

مواضيع ذات صلة