هل ستنتهي طاعة الله بانتهاء الحج ؟!

يأتي تقسيم آخر للناس بعد آيات الحج يُقسم الناس إلى صنفين الأول صنف يتناقض ظاهره مع باطنه، يدّعي الإصلاح للأرض وهو يُفسدها ومع ذلك يحلف ويُشهد الله على ما في قلبه..

(مقتطف من المقال)

أمير بن محمد المدري

هل ستنتهي طاعة الله بانتهاء الحج ؟!

عندما اكتحلت عيناي برؤية البيت الحرام.. لا أدري أظهر مني الفرح أو البكاء؟

عاد الحجاج بعد المناسك المباركة.. عاد ضيوف الرحمن بعد أن طافوا بالبيت العتيق ووقفوا بعرفات، ورموا الجمرات وأتموا مناسكهم ولسان حال كل حاج منهم:

عندما اكتحلت عيناي برؤية البيت الحرام.. لا أدري أظهر مني الفرح أو البكاء؟

خلف المقام صليت، وفي الحِجر سجدت، وفي أرضه مرّغت أنفي..

بيدي لمست حجرا من أحجار الجنة، بعيني رأيت ياقوتة من ياقوت الجنة…

من أطيب ماء في الدنيا شربت حتى ارتويت، وعلى جبل الصفا وقفت..

من أسعد مني في الدنيا؟

إنها مشاهد لا أنساها ما بقيت على قيد الحياة..

لكن…

ماذا بعد الحج.. هل ستنتهي طاعة الله بانتهاء الحج ؟

هل سينتهي ذكر الله بانتهاء مناسك الحج ؟

لا والله بل الحج مدرسة لغرس حب الله في القلوب.

مطلوب من كل حاج أن يعود الى بلده وقد امتلأ قلبه حبا لله ولدين الله ليحيا طيباً ويعيش طيبا ويعمل طيبا.. إن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبا.

قال تعالى “يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (البقرة:168).

وقال جل شأنه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” (البقرة:172).

إن الهدف من العبادات ليس العبادة فقط ولكن ما بعدها

فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.

والصيام ما شرع إلا لحكمة وهي غرس تقوى الله في القلوب.

قال جل وشأنه:”يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة:183).

والزكاة والصدقة تُطهر المؤمن من البخل والشح وتُطفيء غضب الله جل وعلا

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (التوبة:103).

والحج كذلك.. فعلامة قبول العبادة ما بعدها، وعلامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، اللهم تقبل منا ولا تردنا خائبين برحمتك يارب العالمين.

بعد انتهاء المناسك ما المطلوب منا.. هل سينتهي ذكر الله بهذه المناسك؟

اسمعوا ماذا يقول الله تعالى “فإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (البقرة:201-202).

وانقسم الناس بعد ذلك إلى قسمين قسم همه الدنيا يعيش لها، حريص عليها، مشغول بها، حتى دعاءه للدنيا.. هؤلاء يعطيهم الله نصيبهم في الدنيا إذا قُدر لهم ولا نصيب لهم في الآخرة .

وفريق آخر أفسح أفقاً وأكبر نفساً لأنه موصول بالله يريد الحسنة في الدنيا ولا ينسى نصيبه في الآخرة.

مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ” (الشورى:20).

ويأتي تقسيم آخر للناس بعد آيات الحج يُقسم الناس إلى صنفين الأول صنف يتناقض ظاهره مع باطنه، يدّعي الإصلاح للأرض وهو يُفسدها ومع ذلك يحلف ويُشهد الله على ما في قلبه.

قبل أن يتولى.. يقول: سأفعل سأبني، سأصلح الأرض ولكن ما أن يتولى حتى يكثر في الأرض الفساد والدمار، وإن قيل له اتق الله تكبر وأخذته العزة بالإثم ومصيره في الآخرة جهنم وبئس القرار .

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد. وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ” (البقرة:204-206).

والصنف الثاني صنف باع نفسه ابتغاء مرضات الله وسلّمها كلها لله لا يبغي من ذلك شيء.. مؤمن خالص لا مداهنة ولا رياء.

قال تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ” (البقرة:207).

إن من حكم الحج العظيمة غرس عظمة الله في القلوب والاطمئنان بذكره في كل حين.

فذكر الله بعد الحج “فإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً“.

ذكر الله ليس تحريك الشفتان بالتسبيح والتحميد والتهليل فقط.. لا، بل مطلوبا تذكر الله يا عبد الله في كل حين.. تذكر الله حال النعمة أي نعمة فتشكره عليها..

تذكر الله في كل ساعة وفي كل حين ليثبتك عند الموت بلا إله الا الله.. “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ” (إبراهيم:27).

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يارب العالمين. اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


المصدر: بتصرف عن موقع صيد الفوائد

مواضيع ذات صلة