هل من متعرض لنفائس الليالي العشر ؟!

هذا طوق النجاة فتمسك به، وهذا قارب الأمان فاركب معنا.. تقرب إلى الله في تلك الليالي العشر واسعد فإنه سيقبلك..

د. أحمد سيد الأزهري*

الليالي العشر

في الأيام و الليالي العشر احرص على أن لا تفوتك الصلوات في المساجد وفي الجماعات فهي الملجأ إذا ادلهمت الخطوب.

من عظيم كرم الله سبحانه وجليل فضله وسابغ نعمته أن جعل في أيامنا نفحات يكرم بها عباده المتعرضين لها والمتشوقين لنيلها فيرفع درجاتهم ويصلح شأنهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة.. ومن هذه النفحات وتلكم الرحمات أيام العشر المباركات من ذي الحجة.

فيا أيها المسرف على نفسه المفرط في يومه وأمسه.. ياأيها الغارق في بحر الشهوات والخطيئات.. هذا طوق النجاة فتمسك به، وهذا قارب الأمان فاركب معنا.. تقرب إلى الله في تلك الليالي العشر واسعد فإنه سيقبلك.

أنواع العمل الصالح في الأيام و الليالي العشر

هو سبحانه يحب العمل الصالح في هذه العشر فتقرب إليه به، وتودد إليه بفعله (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ). صحيح سنن الترمذي

وأعظم العمل الصالح في هذه الأيام والليالي العشر..

الذِّكر..

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ…” (البقرة:203) ولذلك فمن كثرت عليه الشرائع وأراد منها الفاضل والجامع فعليه بالذكر، ففي سنن الترمذي أن رجلا قال: يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بأمر أتشبَّثُ (أتمسك) به، قال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله).

فبالذكر يتقدم المتأخر ويسبق الضعيف فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.

وبه تتنزل السكينة وتحوطك الملائكة وتُذكر في الملأ الأعلى وبه تكسب صحبة الصالحين وإن لم تكن منهم فيغفر لك كما غفر لهم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني، قالوا يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي، قالوا: لا يا رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي، قالوا: ويستجيرونك، قال: وممّ يستجيرونني، قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري، قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري، قالوا: ويستغفرونك، فيقول جل وعلا: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

صلاة الجماعة..

وفي هذه العشر احرص على أن لا تفوتك الصلوات في المساجد وفي الجماعات فهي الملجأ إذا ادلهمت الخطوب، وهي الهدى إذا عمت الضلالة وهي ما تلقى الله به مسلما يوم القيامة فقد روى مسلم عنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ : (مَنْ سَرَّهُ، أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا، إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ، يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ).

الصيام..

واحرص على الصيام في هذه الأيام فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)؛ متفق عليه.

وإن لم تستطع أن تصوم التسع فلا يفوتك صيام يوم عرفة فهو الماحي للسيئات المكفر للأوزار والخطيئات.. يوم واحد يكفر عنك سنة ماضية وأخرى آتية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم وفي رواية له: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).

واعلم أن يوم عرفة أفضل الأيام عند الله فلا تمر عليك منه ساعة إلا وأنت في صلاة أو ذكر أو دعاء.

فيا أصحاب الحاجات ويا من تأخرت عن اجابتها لكم الدعوات.. هذا والله وقتها فرتبوا حاجاتكم واسألوا الله كل خير فهو سبحانه جواد كريم يستحيي من عبده إذا سأله أن يرد يديه صفرا.

روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

اللهم اجعلنا ممن اختصصتهم بالمغفرة في هذه الأيام وأجبت سؤالهم وحققت آمالهم يا جواد يا كريم.

___________________________________

*عضو هيئة تدريس بقسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف

مواضيع ذات صلة