بعد المزيد من البحث.. العلم يعثر على الإله (مترجم)

الفضاء

لقد كان علمي من قادني لهذه النتيجة وهي أن العالم أعقد بكثير مما يمكن شرحه بالعلم ولا سبيل لفهمي للوجود إلا بالإيمان بوجود قوة خارقة: آلان ساندج

“يطمئن معظم العبّاد للشعور بوجود حضور إلهي محتجبٍ عن العالم المنظور لكنهم يتوقون إلى إله يتصرف في العالم. بعض العلماء يرى فسحة لوجود هذا الإله على مستوى الكم أو أحداث ما تحت الذرة”.

ترجمة/ أ. خالد الشايع

يبدو أن منجزات العلم الحديث تتعارض مع الدين وتقلل من شأنه. ولكن لعدد متزايد من العلماء فإن ذات الاكتشافات تدعم الروحانيات وتشير إلى طبيعة الإله.

يبدو الأمر وكأنه كلما تعمق العلماء في أسرار الكون ازداد بعد الإله عن قلوبهم وعقولهم، لكن هذا مالم يجرِ ل “آلان ساندج“.. في الثانية والسبعين محدودب الظهر قليلاً وقد خط الشيب رأسه.. قضى ساندج حياته المهنية يستدعي أسرار النجوم محدقاً فيها من خلال المناظير من تشيلي إلى كاليفورنيا على أمل العثور على مصادر الكون ونهايته. وكما فعل فلكيو القرن العشرين، توصل ساندج لنتيجة: أظهر رصده للنجوم البعيدة سرعة تمدد الكون وعمره (١٥ بليون سنة أو قريباً من ذلك).

ولكن خلال ذلك الرصد فإن ساندج الذي “كان في صباه قاب قوسين من الإلحاد” متضايقاً من الألغاز التي لم تكن إجابتها في لمعان نجوم السوبر نوفا الجميلة.. بدأ اليأس يدب في نفسه من الإجابة على تلك الأسئلة من خلال المنطق وحده، ولذلك في الخمسين من عمره رضي لنفسه قبول وجود رب. “لقد كان علمي من قادني لهذه النتيجة وهي أن العالم أعقد بكثير مما يمكن شرحه بالعلم ولا سبيل لفهمي للوجود إلا بالإيمان بوجود قوة خارقة”.

العلم أم الإله من يسود؟

شطرنج

تأرجحت العلاقة بين العلم والدين من الدعم المتبادل إلى العداء المر

تأرجحت العلاقة بين العلم والدين من الدعم المتبادل إلى العداء المر. وبالرغم من أن العقيدة الدينية كانت القابلة لولادة الطريقة التجريبية قبل سنوات -كما سيأتي- إلا أنه سرعان ما افترق الدين والمنطق.

نُعت دارون وجاليليو وآخرون بالهرطقة عندما تحدوا عقيدة الكنيسة، وكطريقة مهذبة للتوفيق بين العلم والدين اتُفق على ألا يتجاوز كلاً منهما حدوده. العلم يسأل ويجيب على الأسئلة التجريبية “ماذا” و “كيف” ؛والدين يتولى الروحانيات ويتولى “لماذا”.

ولكن مع ازدياد سطوة العلم وقوته في حقبة التنوير، انهدمت الفرجة بينهما. واستبعدت بعض أعظم عقول تلك الحقبة الرب وعدّوه فرضية غير ملزمة لتفسير سبب سطوع المجرات أو كيف تعقدت الحياة.

بما أن ولادة الكون يمكن شرحها بقوانين الفيزياء وحدها فإن الملحد الفلكي “كارل ساجان” المتوفى  توصل إلى أنه “لم يكن هناك شيء ليفعله الخالق” وعلى هذا فقد وجب على كل شخص الاعتراف ” بغياب الإله “. المجتمع العلمي اليوم يزدري الإيمان كما قال ساندج إلى درجة أنه هناك تردد في أن يعلن المرء نفسه مؤمناً، والعار أصبح شديداً لدرجة أن بعض رجال الدين ضاقوا ذرعاً بالعلماء.

أخبر قسٌ صديقاً لساندج” مالم تؤمن وتقبل أن عمر الكون والأرض ٦٠٠٠ سنة [كما تشير القراءة الحرفية للكتاب المقدس] فلن تكون مسيحياً”. لا عجب أن يمتعض المؤمنون من العلم: فطالما اختزل العلم معجزة الحياة إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية الحيوية، وإرجاع الخلق إلى حلقة في الزمن/الفضاء…يظهر العلم محتقراً للإيمان، ويذهب بمعنى الوجود ويستلب الروحانية..

ولكن الآن “العلم والدين يدخلان في علاقة جديدة” كما يشير الفيزيائي الذي تخصص في الأديان “روبرت جون راسل” والذي أنشأ في عام١٩٨١ مركز (الدين والعلوم الطبيعية) في اتحاد الخريجين المتخصصين في الدين في (بيركلي).. يشير روبرت إلى أنه بدلا من بخس الإيمان حقه وفقد الروحانية، فإن الاكتشافات العلمية تقدم دليلاً عليها على الأقل في أذهان المؤمنين. الكون الناتج عن الانفجار العظيم كمثال كان ينظر إليه على أنه لم يترك مجالاً لوجود خالق، والآن ينظر بعض العلماء على أنه يوجد تصميم وهدف من وجود الكون. التطور كما يقول بعض العلماء الطبيعيين المتدينين يعضد الأدلة على طبيعة الإله. نظرية الفوضى التي تشرح العمليات الرتيبة كتقلبات الطقس أو تقطر الصنبور ينظر لها كمدخل للإله يتصرف به في العالم.

من جورج تاون إلى بيركلي.. المتدينون المعتنقون للعلم والعلماء الذين لا يستطيعون فكاكاً من التجريبية يقومون بإنشاء معاهد تضم الاثنين معاً. أدى ظهور كتب مثل “العلم والدين: التوافق الجديد” و “الإيمان بالإله في عصر العلم” إلى تخفيف الاحتقان. عقدت ندوة بعنوان “العلم والبحث عن الروحانية” والتي نظمها معهد (راسل) جذبت إليها أكثر من ٣٢٠ شخصاً و٣٣ متحدثاً وفيلماً وثائقياً عن العلم والإيمان .

صيحة قنوط

الذرة

واجه الفيزيائيون دلائل على أن الكون مهيأ للحياة والإدراك. ظهر أن الثوابت في الطبيعة مثل قوة الجاذبية وشحنة الإلكترون وكتلة البروتون- لو أنها اختلفت قيد أنملة فلم تكن الذرات لتتماسك ولما ظهرت الحياة

في خريف عام ١٩٧٧ أطلق “ستيفن ونبيرج” صيحة قنوط وهو الفيزيائي من جامعة تكساس الحاصل على جائزة نوبل: كتب أنه كلما ازداد فهمنا للكون من خلال علم الكونيات بدا وكأنه بلا هدف. لكن في الوقت الحاضر العلم الذي “قتل” الإله هو ذاته من يعيد الإيمان كما يرى المؤمنون.

واجه الفيزيائيون دلائل على أن الكون مهيأ للحياة والإدراك. ظهر أن الثوابت في الطبيعة مثل قوة الجاذبية وشحنة الإلكترون وكتلة البروتون- لو أنها اختلفت قيد أنملة فلم تكن الذرات لتتماسك ولما اشتعلت النجوم ولما ظهرت الحياة.

يقول “جون بولكنهورن” صاحب الجهود المميزة في مجال الفيزياء في جامعة (كيمبردج) قبل أن يصبح قساً إنجليكيا في ١٩٨٢عندما نعلم أن قوانين الطبيعة لابد وأن تكون معايرة بدقة شديدة لتنتج الكون الذي نراه فإن هذا يدعم زرع فكرة أن الكون لم يحدث هكذا، بل لابد أن من وراءه هدفاً.

ويمضي “تشارلز تاونز” أبعد من ذلك وهو الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء بالمشاركة لاكتشافه قوانين الليزر: لدى الأكثرية شعور بأن الذكاء متداخل بشكل أو بآخر في قوانين الكون.

وبالرغم من أن منطق العلم يساوره شعور بالعداء للروحانيات فإن قراءة جديدة قد تدعم بدل أن تطرد الإيمان حتى في هذا المجال. منذ إسحاق نيوتن دوّى صوت العلم برسالة واضحة: العالم يتبع قوانيناً، وهذه القوانين في أساسها رياضية، قوانين يستطيع البشر فهمها. ابتكر البشر الرياضيات المجردة، وهي في أساسها من مخيلاتهم لكن الرياضيات تتحول بشكل سحري إلى واصفة للعالم. كمثال على ذلك قسم رياضيو الإغريق محيط الدائرة على قطرها وحصلوا على الرقم باي ٣.١٤١٥٩… الرقم باي يظهر في المعادلات التي تصف جزيئات ما دون الذرة والضوء وكميات أخرى لا يظهر ترابط بينها وبين الدوائر.

يقول “بولكنهورن” أن هذا يشير إلى” حقيقة عميقة عن طبيعة الكون” وهي أن عقولنا التي اخترعت الرياضيات تتوائم مع حقيقة الكون. نحن متناغمون مع حقائقه بطريقة ما.

بما أن الفكر المجرد يخترق ألغاز الكون “هذا يبدو وكأنه يخبرنا شيئاً عن تناغم وعي البشر مع حكمة الإله” كما يقول “كارل فيت” متخصص في بيولوجيا السرطان في جامعة يشيفا في نيويورك ومعلم للتلمود.

يطمئن معظم العبّاد للشعور بوجود حضور إلهي محتجبٍ عن العالم المنظور لكنهم يتوقون إلى إله يتصرف في العالم. بعض العلماء يرى فسحة لوجود هذا الإله على مستوى الكم أو أحداث ما تحت الذرة.

في ذلك العالم الموحش لا يمكن التنبؤ بتصرف الجزيئات.. اكتشف الفيزيائيون أنه لا يمكن الجزم بما ستفعله الذرة ولا حتى نظرياً. بعض العلماء المتدينين يرون أن نقطة اتخاذ القرار: هل ستزول الذرة أم لا؟.. يقول رَاسِل: ميكانيكا الكم تتيح لنا تصور وجود قوة إلهية خاصة . وما يزيد الأمر حسناً أن قلة من العلماء مقتنعة بالمعجزات فإن الإله يمكنه أن يتصرف بلا تعدٍ على قوانين الفيزياء.

نظرية الفوضى

العلم

كما أن الإيمان يجد إلهاماً في العلم فكذلك العلماء قد يجدون إلهاماً في الإيمان.

تصف النظرية العلمية الأحدث “نظرية الفوضى” ظواهر مثل الطقس وبعض التفاعلات الكيميائية التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها الدقيقة. يقول “بولكينهورن”: لربما كان الإله يختار أي الاحتمالات ليتحقق. هذا الفعل الإلهي لن يكسر قوانين الفيزياء أيضاً.

معظم العلماء ما زالوا يوقفون إيمانهم على أبواب معاملهم إن كان عندهم إيمان. ولكن كما أن الإيمان يجد إلهاماً في العلم فكذلك العلماء قد يجدون إلهاماً في الإيمان. يستنبط من القرآن الفيزيائي “مهدي قولشاني” من جامعة (شريف للتكنولوجيا) في طهران أن الظواهر الطبيعية هي “آيات الإله في الكون” وأن دراستها تكاد تكون واجباً دينياً. القرآن يطلب من البشر أن “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” يقول الباحث قولشاني “إنها عبادة تجلّي الكثير من عجائب خلق الإله”

والأمر ذاته ينسحب على اليهودية . ينقل كارل فيت عن موسى بن ميمون ” الطريق الوحيد لحب الإله هي فهم ما عملته يداه ، وهو العالم المادي. معرفة عمل الكون هام للعابد لأن هذا هو العالم الذي خلقه” وفيت ليس وحيداً في هذا الرأي. طبقاً لدراسة نشرت العام الماضي فإن ٤٠٪ من العلماء الأمريكيين يؤمنون بوجود رب – ليس قوة لا توصف حاضرة في العالم ولكن رب يتوجهون إليه في صلاتهم”.

“الولوج في العلم له هدف روحي أيضاً وهو الإلهام” كما يقول “جويل بريماك” الفيزيائي الفلكي في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز. يشرح بريماك بقوله أن أكبر حجم متخيل وهو الكون يبلغ ١٠ أمامها ٢٩ صفراً(بالسنتيمتر). وأصغر حجم موصوف هو العالم ما تحت الذري وهو ١٠ أمامها ٢٤ صفراً (وكسر) . والبشر في المنتصف بين ذلك. هل هذا يجعلنا في مكانٍ مميز؟..  بريماك لا يعلم ولكنه يصف ذلك ب”كون تطمئن إليه النفس”.

وعلى الرغم من تذمر العلماء المشككين من عدم حاجة العلم للدين، فإن علماء الدين ذوي النظرة البعيدة يعتقدون أن الدين بحاجة للعلم.

لعل العلم والدين لن يتفقا تماماً أبداً.. العلم قائم على الشك الدائم، ولب الدين التصديق. ومع ذلك فإن المؤمنين إيماناً عميقاً والعلماء العظماء مدفوعون لفهم العالم. ذات مرة كان العلم والدين طريقين مختلفين في جوهرهما بل عدوين لبعضهما في البحث عن فهم للعالم واتُهم العلم بخنق الدين وقتل الإله، أما الآن فلعله يقوّي الإيمان.

________________________________

المصدر: (بتصرف) من مقال مترجم عبر صفحة http://bit.ly/1BlfIKW 

رابط المقال الأصلي في موقع نيوزويك

http://www.washingtonpost.com/wp-srv/newsweek/science_of_god/scienceofgod.htm

مواضيع ذات صلة