في صدر الإسلام.. المرأة العربية بطلةٌ في المعارك!

بينما كانت تعامل المرأة في أوروبا في ذلك الوقت على أنها أقل درجة من الرجل، كانت المرأة العربية تتوسط الرجال وتتصدى برفقتهم للعدو وتشاركهم حماية الدولة، وتقوم بمهام التطبيب والجراحة رغم صعوبتها…

د. محمود مهدي بدوي(خاص لموقع الباحث عن الحقيقة)

المرأة في أوروبا

كان مصير كل ثرثارة في بريطانيا قديما إلباسها هذا القناع وتركيب قطعة حديد في فمها حتى لا تتكلم وبعض الأقنعه تحتوي على جرس، ثم يتم سحب المرأه في الشوارع والأسواق كـنوع من التعذيب والعقاب لها

حتى قرون قليلة مضت كانت المرأة في أوروبا تعامل على أنها مخلوق من الدرجة الثانية أو الثالثة، بل وأنزلت منزلة أقل من منزلة الرقيق، فكانت في نظر القساوسة ورجال الدين شراً لا بد منه، وإغواء طبيعيًّا، وكارثة مرغوبًا فيها، وفتنة مهلكة، وشرًا عليه طلاء، وكانت – من وجهة نظرهم- صورة حواء التي خسر بسببها الجنس البشري جنات عدن، وآداة الشيطان المحببة التي يقود بها الرجال إلى الجحيم.

وجعلوا المرأة خاضعة للرجل؛ لضعف طبيعتها الجسمية والعقلية معًا،  وجعلوا الرجل مبدأ المرأة ومنتهاها، وفُرض الخضوع على المرأة عملا بقانون الطبيعة، وعلموا أبنائهم أن محبة الآباء أكثر وجوبا من محبة الأمهات، ورأوا أن الله قد خلق الرجل لا المرأة في صورته هو، وعليه فالزوجة يجب أن تكون خاضعة لزوجها، بل يجب أن تكون له أقرب ما تكون إلى الخادمة.

 وحين وُضعت القوانين المدنية جاءت أشد عداءً للمرأة من القانون الكنسي. فقد كان كلا القانونين يجيز ضرب الزوجة، كما ينص على ألا تُسمع للنساء كلمة في المحكمة “لضعفهن”، ويعاقب على الإساءة للمرأة بغرامة تعادل نصف ما يُفرض نظير الإساءة نفسها للرجل، وقد حرم القانون النساء حتى أرْقَاهُنَّ مولدًا من أن يُمثِّلن ضياعهن في برلمان إنجلترا أو في الجمعية العامة للطبقات بفرنسا. وكان الزواج يعطى الزوج الحق الكامل في الانتفاع بكل ما لزوجته من متاع وقت الزواج والتصرف في ريعه،  ولم يكن يرخص للمرأة أن تكون طبيبة، واعتبروها رجسًا كبيرًا،  وفرضوا عليها –في بعض الأوقات- ألا تأكل اللحم، بل وفرض عليها الامتناع عن الضحك والكلام في ظروف معينة؛ فقبل قرون وفي بريطانيا تحديدا كان مصير المرأة كثيرة الكلام إلباسها قناعا حديديا مع وضع قطعة من الحديد في فمها حتى لا تتكلم وبعض الأقنعه  كانتتحتوي على جرس، ثم يتم سحب المرأه في الشوارع والأسواق كـ نوع من التعذيب والعقاب لها!!

المرأة العربية في عصور أوروبا المظلمة

هذه صورة موجزة لما كانت عليه المرأة في أوروبا، فما وضع المرأة المسلمة في الفترة ذاتها؟، هل حقَّر الإسلام شأنها؟ هل نال من كرامتها وأنزلها منزلة وضيعة؟ هل حرم عليها أن تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها الرجال؟ أسئلة كثيرة تُطرح، والإجابة عليها لا يتسع المجال لسردها، ولكن يمكن القول بأن المرأة المسلمة حفظ لها الإسلام مكانتها، ورفع قدرها، وأعلى شأنها، ومنحها كافة الحقوق التي يتمتع بها الرجل، فلها حق التعبير عن رأيها، ولها ذمتها المالية المستقلة، ولها حق التعلم والتعليم، ولها حق العمل، وغير ذلك من الحقوق التي حرمت منها المرأة في عصور الظلام الأوروبية.

 وسأكتفي هنا بضرب بعض الأمثلة، وتقديم عدد من النماذج الرائعة التي تدلل على موقع المرأة في المجتمع الإسلامي من خلال مساهمتها في الحياة العملية والعلمية، في صدر الإسلام وفي عصر النهضة الإسلامية:

أولا: من دور المرأة العلمي في صدر الإسلام

معركة

تطور دور المرأة المسلمة في صدر الإسلام وارتقى إلى مستوى الأحداث، فشاركت في الغزوات طبيبة تداوي المرضي وتعالج الجرحى وتعد الدواء

بعدما هاجر النبي عليه السلام إلى المدينة، ومع بداية مرحلة جديدة من مراحل الدعوة كتب على المسلمين فيها المواجهة المسلحة مع أعداء دينهم تطور دور المرأة المسلمة وارتقى إلى مستوى الأحداث، فشاركت في الغزوات طبيبة تداوي المرضي وتعالج الجرحى وتعد الدواء، وفي هذه الغزوات أدرك المسلمون حاجتهم للمستشفى الميداني الحربي، فضُربت خيام تستقبل الجرحى والمصابين، وأصبحت المرأة عنصرًا أساسًا في خدمات التمريض والإسعاف وتضميد الجراح، وجبر العظام، ووقف النزيف، والإشراف على المرضي، وأطلق العرب اسم الآسيات على من يقمن بهذه الخدمات الطبية، وكانت مهمتهن جد خطيرة وعظيمة؛ فهن يقتحمن ساحة القتال لإخلاء المصابين.

 وكانت رُفَيْدَة الأسلمية الأنصارية رئيسة ذلك المستشفى النبوي الحربي، وبذلك أصبحت أوّل ممرضة عسكرية في الإسلام، ولقبت بالفدائية لجرأتها في اقتحام ميدان المعركة، وعدم رهبتها من أسنة الرماح، ومما يؤكد براعتها وحنكتها ودرايتها.. حسن تصرفها مع إصابة سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحين رأت انغراس السهم في صدره تصرفت بحكمة ووعي وأسرعت بإيقاف النزيف، ولكنها أبقت السهم في صدره؛ لأنها كانت تعلم أنها إذا سحبته أو أخرجته سيُحدث نزيفًا لا يتوقف من مكان الإصابة، ويروى عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الانصار يسقين الماء ويداوين الجرحى. ومن هؤلاء الآسيات: لَيْلَى الغفارية التي اشتهرت بإجراء العمليات الجراحية البسيطة، وكعيبة بنت سعد بن عتبة، وكريمة بنت كلثوم الحميرية، وحمنة بنت جحش بن رياب تكنى أم حبيبة، أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم عطية الأنصارية، وأم سنان السلمية .

إن وجود المرأة المسلمة في هذا الميدان، وبهذه الصفة لَيُثبت ويؤكد عظمة الإسلام في تقديره للمرأة، ومنحها حقا من حقوقها في مشاركة الرجل في الدفاع عن الدين، وقيامها بعمل من أرفع الأعمال وأجلها وهو معالجة المرضى والمصابين، كما أن قيامها بهذا الدور الخطير ليؤكد جدارتها به، ونجاحها فيه، وليس أدل على ذلك من رضا رسول الله عن فعلهن وثنائه عليهن. وتقديراً من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الجهد، كان يُعطي رفيدة حصة مقاتل، كما كان يكرم المجدات منهن بمنحهن قلائد، ويَقْسِمُ لهن من الفيء،  فقد منح النبي أميمة بنت قيس الغِفَارية قلادة تقدير علقها بيده الشريفة في عنقها،  فكانت لا تفارقها أبدًا. وظلت في عُنُقها حتى ماتت، وأوصت أن تدفنَ معها رضي الله عنها.

ومن القوابل –طبية نساء وولادة- اللاتي اشتهرن في زمن النبوة سَودة بنت مِسْرح، وهي التي كانت تقبل فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

ثانيا: من دور المرأة العلمي في عصر النهضة:

كتب

تذخر كتب التاريخ وكتب التراجم بأسماء الكثير من النساء ربات الرأي والعقل والحكمة والفصاحة والبلاغة والبيان، وآثار لكثير من الشاعرات والناثرات والفقيهات والمحدثات والراويات

تذخر كتب التاريخ وكتب التراجم بأسماء الكثير من النساء ربات الرأي والعقل والحكمة والفصاحة والبلاغة والبيان، وآثار لكثير من الشاعرات والناثرات والفقيهات والمحدثات والراويات، فمع بداية العصر العباسي كان التأليف والتدوين قد بلغ مرحلة متقدمة وفتحت المدارس وأنشئت المكتبات وانفتح المسلمون على الحضارات التي سبقتهم يستلهمون منها أسباب رقيها، وبدأت العلوم العقلية ترسخ قواعدها، وغشى ميدانها الكثير من الرجال، وانصرف الكثير من النساء إلى العلوم النقلية والشرعية، لصعوبة اقتحام المجال العلمي – الطب والصيدلة والفلك والكيمياء والميكانيكا … الخ –  الذي يحتاج لجهود مضاعفة طلبا وترحالا وتجربة،  ومع ذلك فقد ظلت الحاجة ماسة إلى العنصر النسائي في بعض التخصصات كطب النساء.

 فكان للمرأة المسلمة دور عظيم في هذا المجال، حيث كانت معينة للطبيب وآداته التي يمارس بها جراحات النساء، وعينه التي يرى بها ليحسن التشخيص، وليس أدل على ذلك مما جاء في كتاب المختار لابن هبل البغدادي الطبيب وهو يتحدث عن الكثير من أمراض النساء وجراحتها، فأثناء حديثه عن أمراض الرحم وإخراج الجنين الميت في رحم أمه نراه يعتمد اعتمادا كليا على القابلة حيث يقول في مشكلة انغلاق الرحم عند المرأة : ليس له دواءٌ إلا الشقّ بالحديدِ، بأن تجلس المرأةُ على كرسيٍّ وتَتَّكِأَ إلى الخلفِ، مقابلةً للضوءِ، ثم تُشَدّ على هذه الهيئةِ، ولا بأسَ بجلوسِ القابلةِ([1]) لِتُرِيَ المعالجَ الأجسامَ المجاورةَ للغشاءِ أو اللحمِ، خاصة مما كان باطنًا، ثم يمد الجسمَ الذي يشق بالمراود والصِّنَّاراتِ([2]) مدًّا رفيقًا بحيث لا يزعج الأعضاءَ حولَه، والقابلةُ تعينه وتصرفُه بِمَدِّه، ثم تجلبهُ ليعرفَ هيئة ما يكونَ عليه إذا قطع.

ويصف استخراج الجنين الميت من بطن أمه معتمدًا على الحل الدوائي الموضعي أولا، فإن لم يفد فلا مناص من التدخل الجراحي اعتمادا على القابلة فيقول: فإن أنجبت الأدويةُ في إخراجِ الجنينِ، وإلا فليس إلا  أخذه بالحِيلَةِ[3].

إن المرأة العربية المسلمة لم تقف أمام هذا العلم موقف العازف منه، بل غشيته ومارسته، وتفيدنا كتب التراجم بأن أم الحسن بنت أبي جعفر الطنجالي تعلمت الطب، وأن أم الحسين بنت أحمد بن عبد الله الهاشمي كانت طبيبة أديبة، وأن أخت الحفيد بن أبي بكر بن زُهر كانت عالمة بصناعة الطب والمداواة، ولها خبرة جيدة بما يتعلق بمداواة النساء، وكانت تدخل على نساء المنصور، وأن زينب بنت محمد بن الحسن، وزينب بنت محمد الحسينية الشهارية تعلمتا السيمياء (الكيمياء )، وأن سارة الحلبية كانت طبيبة ماهرة، وتكتب خطًّا جيدًا، وتحل الذهب بمعرفة وخبرة، وأن مريم بنت كوشيار الجيلي كانت من أهم علماء الفلك في القرن العاشر وساهمت في تطوير صناعة آلة مقياس النجوم ( الأسطرلاب ) .

وهكذا نرى كيف كرم الإسلام المرأة ورفع من قدرها حتى وقف غير المسلمين أمام عظمته مشدوهين لا يملكون إلا الإقرار برفعته وتقديره للمرأة ومنحها حقوقا حرمت منها مثيلتها في بلدانهن، فقد جاء في جريدة المونيتور الفرنسية وهي تتحدث عن المرأة في الإسلام وتصور احترامه لها: لقد أحدث الإسلام ونَبِيه تغييرا شاملا في احترام المرأة العربية في المجتمع الإسلامي، فمنحها حقوقا واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية.

  • الهامش:

[1]– القابلة : قديما معالجة أمراض النساء، وكانت تساعد الطبيب بوصف داء المرأة، وتنفذ تعليماته في العلاج .

[2]– الصنارات: جمع صنارة، وهي حديدة دقيقة معقفة كالتي في رأس المغزل، تشبه صنارة صيد السمك . لسان العرب: صنر.

[3] –  كانت الحيلة الطبية المعتمدة آنذاك –بحسب الطبيب- : هو أن يُنْظَر في حالِ المرأة، فإن كانت قوتها قويةً، ويرجَى لها السلامة، وتحتمل هذا العلاج فتُعَالَج، وهو أن تؤخذ المرأة، وتُلْقَى على ظهرها على سريرٍ، ويكون رأسُها مائلا إلى أسفل، ورِجْلَاها إلى فوق، فإن حضرتها نساءٌ أمْسَكْنَهَا، وألا رُبِطَتْ إلى السرير ربطًا يأمن منه الانجذاب عند المعالجة، ثم تعمد القابلةُ وتغمس يدَها في دهن، وتصب منه على الرحم، وتجمع أصابعَ يدِها اليسرى وتدخلُها في فم الرحم، وتُكْثِر من صبِّ الدُّهْن، فتوسِّع بيدِها، ثم تنظر وتجس المواضعَ التي ينبغي أن تغرزَ فيها الصنانير، فإن كان الجنينُ ممن ينزل على رأسه، فالعينانُ والفمُ والحنكُ والقفا وتحت اللِّحَى والتَّرْقُوَة وتحت الإبِطِ وتحت الشَّرَاسِيْف، وإن كان الجنينُ ممن ينزل على الرِّجْل فعظامُ العانة ووسطُ  الأضلاع والتَّرْقُوة، وتمسك الآلةَ التي تجذب بها الجنين باليدِ اليمنى، وتدخل اليدَ اليسرى، وتضع الصنارةَ بين أصابعها حتى تلقى بها الموضع، وتغرزها وتمكنُها من مواضعها، وتضع كل صنارةٍ بإزاء الأخرى ليستوي الجذبُ فإن تمكنت يدها وإلا فالآلة المسماة مِفْتَاحَ الرحم، وتوسّع به بقدر احتمال المكان، وحينئذ يحصل لها التمكين، ثم لا تزال تصب الدهنَ، وجذبت الجنين بحيث لا يكون المد مستويًا، بل تُقَلْقِلُه إلى الجوانب وتجذب، وكلما انجذب منه جزء نقلت الصنانير إلى ما هو أرفع حتى يخرج الجنين كله، فإن خرجتْ يد ولم يمكن ردها جذبتها إلى الكتف وقطعتها، وكذلك الرجل والرأس….

______________________________

عضو لجنة تحقيق التراث العلمي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وخبير تحقيق النصوص الصيدلانية.

مواضيع ذات صلة