الابتلاءات.. عقوبة للبشر أم اصطفاء لهم؟!

إعداد/ نهال محمود مهدي

شمعة

يعتقد المؤمنون أن الابتلاءات تقرب العبد من ربه، وتوثق الصلة بينهما، ويعود الإنسان بعدها أكثر فهما لذاته وعمقا في نظرته لمعنى الحياة

يعتقد المؤمنون أن الابتلاءات تقرب العبد من ربه، وتوثق الصلة بينهما، ويعود الإنسان بعدها أكثر فهما لذاته وعمقا في نظرته لمعنى الحياة وإدراكا لجوهر الدين.. لكن نفس الابتلاءات قد يختلف تأثيرها للنقيض مع البعض؛ فتجرفهم تيارات من الشكوك قد يصلون بعدها لنفس النتيجة السابقة أو قد تقضي عليهم تماما!!

“عدت إلى ديني وإلى ثقتي بالله وبنفسي بفضله وحده عز وجل، وبأفضال أناس أنقذوني من الهوة السحيقة التي كدت أصل لمنتهاها”.. بتلك العبارات بدأت إحدى العائدات من الإلحاد رواية تجربتها المؤلمة** مع الشكوك فالإلحاد ثم العودة إلى الله من جديد..

تحكي الفتاة عن تجربتها قائلة: “أتيت إلى الدنيا لأجد أبي وأمي على دين الإسلام، ربياني على مبادئه وتعاليمه، وعندما كبرت بدأتُ في طرح الأسئلة: من هو الله؟ ومن أين أتى؟ وكيف خلقنا؟

وكان الإجابات مزدوجة في معظم الأوقات.. الأولى إجابة صارمة بصوت حاد: “حرام.. لا تسألي هذه الاسئلة مجددا”، والثانية كانت لينة نوعا ما: “لا نستطيع إدراك الله إلا بالإيمان يا عزيزتي”.. ومضت الأيام والسنين وأنا ملتزمة بالصلاة والصيام وذكر الله.

 ومع امتلاء الحياء بالصعوبات كنت دائمة اللجوء إلى الله بالتضرع والبكاء كلما مررت بأزمة أو هاجمني الخوف من أمر ما، كنت أشعر في بعض المرات أن الله يخذلني ولا يستجب لدعائي؛ وذلك لعدم إدراكي أن الله دائما يريد لي الأفضل وأنه عندما لا يستجب لي يخبأ لي ما هو أفضل مما أنتظره.

 مرض أبي بالسرطان ولزم الفراش وأخبرنا الأطباء بأن حالته ميؤوس منها لكن أمي كانت دائما تقول: لا قوة تفوق قوة الله وقدرته فهو منزل الداء والدواء وكنت أنا على اعتقاد تام بما تقول، وعلى أمل كبير في شفاء أبي بمعجزة إلهية عظيمة.

شرارة الإلحاد

دعاء

كنت أقوم الليل وأبكي حتى جفت عيني من البكاء، وأصلي حتى تصل ركعاتي إلى20 ركعة أو أكثر ليلا ونهارا

كنت أقوم الليل وأبكي حتى جفت عيني من البكاء، وأصلي حتى تصل ركعاتي إلى20 ركعة أو أكثر ليلا ونهارا، أهملت دراستي و خسرت عاما كاملا منها وذلك من أجل الدعاء لأبي عسى أن يستجيب لي الله عز وجل.. لكن للأسف توفي أبي وتركني ولم يستجب الله لي.. وكانت صدمتي وبداية الخلل في حياتي ومبادئي ويقيني بالله: ألم يقل الله ادعوني أستجب لكم؟ ألم يقل أني أقرب إليكم من حبل الوريد ؟!!

مثل موت أبي أكبر صدمة بالنسبة لي، وكان الشرارة الأولى نحو انحراف تفكيري فيما يخص معتقدي وديني، وبدأت شكوكي تتطور: هل خلقنا الله ليعذبنا؟ هل أنشأ حروبا وكوارث يجازينا بها؟ هل خلق بشرا معاقين ومشوهين ليعذبهم في الأرض؟ وعندما أسأل لا تكون الإجابة سوى بعبارات: قضاء وقدر،  تلك هي سنة الحياة، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.

وكنت -لجهلي المفرط بديني- لا أتقبل تلك الإجابات، بل كانت تغضبني إلى أن تمت إضافتي إلى إحدى المجموعات الإلحادية. كنت سأغادر المجموعة في البداية لكنني انجذبت لمنشوراتهم، واقتنعت بها أكثر بعد أن وجدت بعضا منها مدعما بأدلة علمية، ورغم ذلك كنت أقوم بإهانة أولئك الملحدين وفي قرارة نفسي أنا على اقتناع بما يكتبون، وعندما يتوجه لي صديق ملحد بآية قرآنية وتفسيرها والبرهان العلمي الذي يتناقض معها أتفاجأ وأعجز عن الإجابة وبالرغم من ذلك أستمر في التبريرات بحجج غير منطقية وأعترف أن ذلك عجز مني عن الدفاع عن ديني بسبب جهلي المفرط وضعف حيلتي كأنني في معركة دون سلاح.

 ازداد الامر سوءا بالنسبة لي وتعمقت في كفري وإلحادي، وكانت شكوكي قابعة بيني وبين نفسي إلى أن تطرف بي بعض الملحدين وأصبحوا ملازمين لي بالرسائل والتبريرات حول عدم وجود إلاه من الأساس، ولضعف حجتي كان من السهل التلاعب بعقلي غير المدرك للحقيقة.

 كنت فريسة سهلة.. لم أكن أدرك أن لله في خلقه شؤون وأن الله لا يفعل شيئا إلا وفيه حكمة وعبرة.. فكيف ستكون الحياة إذا كانت خالية من الهموم؟ كيف سنشعر بطعم السعادة اذا لم نتذوق طعم الألم؟ كيف سندرك قيمة النعم إذا لم نواجه النقم؟ وما هدفنا من هذه الحياة إذ انتفت الآخرة حسب اعتقاد الملحد؟ فكيف سيحاسب كل معتد في هذه الدنيا وكيف سيجازى الطيبون على أفعالهم إذا انعدم يوم للحساب؟ فالدنيا امتحان يسعى فيه الإنسان للنجاح والفوز بدار البقاء؛ ففي الآخرة يُكرم المرء او يُهان.. كل يجازى حسب افعاله.. هذه هي قدرة الله عز وجل و هذا هو عدل الله.

أحمد الله أن هداني لأصدقاء أنقذوني من ضلالتي وأخرجوني من ذلك المستنقع القذر الذي عشت فيه مدة أحمد الله أنها لم تدم طويلا، وأسال الله لي ولكم المغفرة والهداية، وأرى بعد تجربتي أن الحل لمن هاجمته الشكوك والشبهات أن يبحث عن الحقيقة في مصادرها الأمينة وأن يتجنب مثل تلك المجموعات الإلحادية التي تمثل خطرا عظيما على العقل والروح.”

مؤشر اليقين

هي قصة مؤلمة بلا شك.. روت صاحبتها فصولها المتتابعة ظانة أنها مراحل تحول من الإيمان إلى الإلحاد ثم الإيمان من جديد.. لكنني لا أراها سوى فصلا واحدا من الإيمان واليقين بالله.. حالة واحدة يُبتلى فيها المؤمن فيرتفع مؤشر يقينه بالله أحيانا ويهبط أخرى لكنه لا يثبت ويتوقف تماما معلنا وفاة قلب صاحبته.

هي حال الباحث عن الحقيقة، المفكر، المتأمل لمعنى الكون، ولمعنى الحياة فيه.. وليست حال النافر، الجاحد، المتكبر عن الحق، المستعلي على أهله.

في ديننا كل الأسئلة مباحة، وكل السبل أمام الباحث عن الخالق بعقله وقلبه ميسرة، شريطة البحث بأمانة ونزاهة ورغبة صادقة في الوصول لأصل اليقين.

___________________________

المصدر: ** قصة شخصية حقيقية منقولة بتصرف عن أحد حسابات الفتاة عبر الفيس بوك

https://www.facebook.com/groups/397903983621274/permalink/468495379895467/

مواضيع ذات صلة