تشكو قسوة القلب.. أقبل على الله في الصلاة (2-1)

قال ابن عباس: ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة و القلب ساه، وقال سلمان الفارسي: الصلاة مكيال فمن وفَّى وُفِّي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين…

(مقتطف من المقال)

عبد الله بن جار الله

القلب

قال ابن عباس: ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.

الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين وصلة قوية بين الله وعباده المؤمنين، والصلاة والسلام على محمد الأمين وآله وصحبه أجمعين…

فإن الخشوع هو الخضوع والتذلل والسكون قال الله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ” (المؤمنون:1-2) أي قد فاز وسعد ونجح المؤمنون المصلون ومن صفاتهم أنهم: فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب فيها بين يدي الله تعالى محبة له وإجلالاً وخوفًا من عقابه ورغبة في ثوابه مستحضرا لقربه فيسكن لذلك قلبه وتطمئن نفسه وتسكن حركاته متأدبا بين يدي ربه مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أولها إلى آخرها فتزول بذلك الوساوس والأفكار، والخشوع هو روح الصلاة والمقصود الأعظم منها فصلاة بلا خشوع كبدن ميت لا روح فيه.

وأصل الخشوع خشوع القلب الذي هو ملك الأعضاء فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها، ولما رأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته، قال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، وليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه بها، والشيطان يريد من العبد ألا يصلي ليبتعد عن رب العباد، فإذا صلى حال بينه وبين نفسه.. يوسوس له ويشغله عن صلاته حتى يبطلها أو ينقصها وفي الحديث (إن العبد ليصلي الصلاة ولا يكتب له إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها حتى بلغ عشره) حسنه الألباني في صحيح الجامع، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بأمته رؤوف رحيم، أرشد إلى سلاح قوي يكافح به العدو، فإذا دخل في صلاته مستحضرا عظمة ربه وحضوره بين يديه يقول بعد دعاء الاستفتاح (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) ثم بعد ذلك يتفكر المصلي فيما يقوله، ويفعله ويسمعه من الإمام إذا كان مأمومًا فجهر الإمام بالقراءة، استمع لقراءته فإذا أسر اشتغل المأموم بالقراءة.

من مظاهر الخشوع في الصلاة واستحضار القلب

ومن مظاهر الخشوع في الصلاة النظر إلى موضع السجود وعدم رفع البصر إلى السماء، وعدم الالتفات يمينًا أو شمالاً وعدم الحركة والعبث والاشتغال بالملابس وغيرها وعدم فرقعة الأصابع أو تشبيكها فكل هذا ينافي الخشوع.

قال ابن عباس: ركعتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه، وقال سلمان الفارسي: الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين، وفي الحديث: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته: وهو الذي لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها) رواه أحمد والطبراني وفي الحديث: (إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت)رواه الترمذي، والالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان: التفات القلب عن الله تعالى إلى غيره، والتفات البصر وكلاهما منهي عنه ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله عنه.

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)، وفي رواية: (إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة) رواه الترمذي، إن الرجل منا إذا أراد أن يقابل ملكا أو رئيسا تجمل لمقابلته وأقبل عليه بكليته وسمعه وبصره وإن المصلي يقف أمام الله ملك الملوك يناجيه بكلامه وهو يراه ويسمعه ويعلم سره وعلانيته، فليراقبه بالخشوع والخضوع والمحبة والخوف والرجاء والرغبة والرهبة.

مراتب الناس في الصلاة

إن الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وجميع حركاتها عبادة لله تعني الانقياد الكامل والطاعة التامة والاستسلام لله رب العالمين بامتثال أوامره واجتناب نواهيه مدى الحياة وفي جميع الأزمنة والأمكنة وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: (الوابل الصيب من الكلم الطيب) والناس في الصلاة على مراتب خمسة:

إحداها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي نقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.

الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه بالوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.

الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار فهو مشغول في مجاهدة عدوه لئلا يسرق من صلاته فهو في صلاة وجهاد.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها لئلا يضيع منها شيء بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي.

الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه سبحانه وتعالى ناظرا بقلبه إليه مراقبا له ممتلئا من محبته وتعظيمه كأنه يراه ويشاهده فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض.

فالقسم الأول: معاقب. والثاني: محاسب والثالث: مكفر عنه، والرابع: مثاب، والخامس مقرب من ربه لأن له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فاستراح بها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بها يا بلال) ويقول: (جعلت قرة عيني في الصلاة) رواه الطبراني، (ومن قرت عينه بالصلاة قرت عينه بالله، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار).انتهى.


المصدر: بتصرف عن موقع صيد الفوائد

مواضيع ذات صلة