تعاليم الدين.. دعمٌ واستقرار وصحةٌ نفسية

إن كمية الاستقرار النفسي التي يوفرها وجود الدين كفيلة بصنع درع يمنع أصحاب الإلحاد من محاربته إن هم أرادوا الخير للبشرية…

محمد المرزوقي

شعار الإلحاد

لسوء الحظ فإن طلاب مدرسة الإلحاد لم يكتفوا بالانضمام إليها بل و نصبوا أنفسهم وبطريقة غريبة كرسل مكلفين بإخراج الناس من سباتهم العميق!

من واقع تجربة عشتها وبحكم الكثير من التجارب والقصص المشابهة التي سمعتها وقرأتها أستطيع القول أن محاولة إقناع أي ملحد –متعصب- بالرجوع عن معتقداته والقبول بوجد رب خالق لكل شيء، وبرسله الذين أرسلهم الي خلقه وبالكتب السماوية التي تنطق بلسانه هو مجرد مضيعة للوقت.

 وعلي مر التاريخ لم يستطع إلا القليل من جهابذة علماء الدين إقناع بعض الملحدين بالاعتراف بخطأ معتقداتهم والعدول عنها، لأن الملحد لم يصل إلي هذه المرحلة المتقدمة من الجرأة الشديدة لينفي وجود الخالق المسيطر علي كل شيء في الكون وليحارب أكثر قضية حساسة في تاريخ البشرية إلا بعد أن مر بالكثير من مراحل غسيل الدماغ أو المواقف والتجارب والأدلة المقنعة من وجهة نظره والتي تدعم موقفه وبات من شبه المستحيل إقناعه بالعكس.

 ولأسباب كثيرة ومتعددة فإن نسبة معتنقي هذا الطريق في ازدياد دائم خصوصا وأن الحياة الحديثة والتي باتت تعتمد أكثر من ذي قبل علي التكنلوجيا والعلوم الدنيوية قد سهلت من انتشار الإلحاد بين الكثير من بني البشر في عصرنا، وسمحت القوانين المدنية الحديثة في العديد من دول العالم للملحد بأن يعلن إلحاده علي الملأ بكل حرية، بل إن الإلحاد قد ظهر حتي في أكثر الاماكن المحافظة دينيا كعبد الله القصيمي في المملكة العربية السعودية كمثال في عالمنا الإسلامي .

ولسوء الحظ فإن طلاب مدرسة الإلحاد لم يكتفوا بالانضمام إليها بل و نصبوا أنفسهم وبطريقة غريبة كرسل مكلفين بإخراج الناس من سباتهم العميق حول حتمية وجود الدين والرب وقاموا بهجوم شامل ينفي كل هذا وهم يرون أن البشرية قد تضررت كثيرا من وجود الدين وأنه قد حان الأوان لتطهيرها من هذا المرض .

أتفق معهم في أن الدين قد استخدم أحيانا كثيرة كوسيلة في تحقيق مآرب دنيوية مختلفة وبأن كم الحماقات التي ألصقت بالدين وهو منها براء كفيلة بنسف معتقدات الكثيرين ولكن استغرابي منهم هو حرصهم علي نسف فكرة الدين وما يصاحبها من معتقدات أخري تؤمن بها كل الديانات؛ كالحساب والعقاب واليوم الآخر والجنة والنار وهي كلها معتقدات ضرورية أمَّنت الكثير من الاستقرار النفسي للبشرية وعلي مر التاريخ وبطريقة تعجز عنها أكثر القوانين المدنية قوة.. من دون طرح بديل آخر قوي يستطيع أن يحل محل الأفكار التي يطرحها الدين؟

بين الدين والطب النفسي

اسقرار نفسي

إن كمية الاستقرار النفسي التي يوفرها وجود الدين كفيلة بصنع درع يمنع أصحاب الإلحاد من محاربته إن هم أرادوا الخير للبشرية

إن كمية الاستقرار النفسي التي يوفرها وجود الدين كفيلة بصنع درع يمنع أصحاب الإلحاد من محاربته إن هم أرادوا الخير للبشرية، وهم إن أصروا علي محاربته فإنه من المطلوب منهم أن يحاربوا كذلك علوم الطب النفسي ولتكتمل الأنشوطة حول عنق الروح البشرية المبتلاة بأحكام الحياة القاسية علي الأرض .

ولكن المثير للاستغراب أن معتنقي الإلحاد لم يقوموا بالهجوم علي الطب النفسي مع أنه قائم علي نفس أسس الدين وهي مطالبة الانسان بأن يسمو فوق غرائزه ليستطيع العيش بسعادة، وبأن يشعر بالرضي عن حاله ليستطيع تقبل المشاكل التي ستواجهه، وهم في هجومهم لم يحسبوا حساب الفراغ الكبير الذي سيتركه غياب الدين والذي لن يستطيع الطب النفسي ولن تستطيع القوانين المدنية أن تملأه مهما حاول الإنسان من تطويرها وتحسينها، لأنها ستبقي ناقصة أمام فكرة الموت وقهره وأمام حقيقة أن جينات الإنسان ليست بجينات ملائكية وأنه قد خُلِق ليخطيء وليرتكب الحماقات .

عزيزي الملحد عندما يمرض الانسان بمرض غير مبرر كالسرطان مثلا فكيف سنستطيع تشجيع المريض نفسيا ليحارب هذا المرض وتقبله والكل يعرف أن الانكسار النفسي الداخلي الذي يحس به المريض هو ما يجعله لا يحقق التقدم المطلوب مع علاجه. سيحاول الطب النفسي أن يخدر حواسك لكي تحاول التغلب علي الألم الجسدي أو تقبل فكرة رحيلك عن الدنيا بينما يقدم الدين أكثر من هذا وبمراحل كثيرة، وله وسائل عديدة في هذا المجال وأول هذه الوسائل.. هو إيصال رسالة لهذا الإنسان بأن ما يجري معه هو ابتلاء من الله لعباده وبأن المسلم إن صبر على مرضه وهمه فسوف يؤجر علي ذلك وتزداد حسناته بسبب إصابته هذه بل إن بعض الأمراض إذا مات بسببها الإنسان فإنه يعتبر بمنزلة الشهداء؛ كالطاعون فأين ستجد مثل ذلك التشجيع للمريض وعائلته في الطب النفسي؟.

عزيزي الملحد عندما يمر الإنسان بحالة ظلم شديد فإن المؤمن يحس براحة داخلية كبيرة لمجرد معرفته بأن ظالمه سيحاسب حسابا عسيرا في يوم الحساب وأمام خالقه وهذا الإحساس يُزيل الكثير من السلبية التي يخلقها وقوعنا تحت شتي أصناف الظلم كما وأن الظالم يشعر بالكثير من القلق الداخلي لإيمانه بنفس المنطق وترا الكثير منهم يتقلب علي فراشه بسبب معرفته بعظمة دعوة المظلوم عند رب العالمين، فهل تستطيع أن توفر أي بديل دنيوي يجعل المظلوم يحس براحة داخلية حتى وهو يتعرض للظلم، وتجعل الظالم يحس بتأنيب الضمير.. مع العلم بأن الكثير من حالات الظلم تمر بلا حساب في العالم من حولنا بل إن الكثير من حالات الظلم مشروعة بمنطق القانون.

عزيزي الملحد كيف ستستطيع أن تخفف من مصاب أم فقدت فلذة كبدها الذي قتل في إحدي المجازر التي تدور من حولنا؟ هل تتوقع أن ينسيها الزمن والعقاقير المهدئة رائحة ابنها أو صوته وهل تتوقع أن تستطيع أن تمسح من ذاكرتها مثل هذه الحوادث ببساطة؟ يقدم الدين العديد من الحلول النفسية والتي تجدي في أحيان كثيرة عندما يوصي الأم بالصبر، وأن تثق بخالقها الذي سيجمعها في حياة خالدة أبدية مع من تحب فيهون عليها مصابها قليلا بينما أنت تحكم على الأم الملحدة أن تفقد الأمل تماما في مقابلة فلذة كبدها في هذه الحالة وبالتالي فأنت تحكم علي روحها بالموت البطيء وصدقني فإن أسوأ أنواع الموت هو الموت الروحي وتستطيع أن تقرأه في عيون الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن بلا مقدمات .

عزيزي الملحد هنالك الكثير من هذه الأمثلة المشابهة والتي ترجح الدين في موضوع توفير علاج نفسي ناجح للعديد من القضايا التي تواجهنا وخصوصا في الحياة العصرية السريعة والشديدة التعقيد، وكما ترى فإن معدلات الانتحار حول العالم في تزايد مستمر وآن الأوان للتفكير بالدين كعامل مساعد في تخفيف ما يجري و منح الفرصة المناسبة والدعم المطلوب لينمو بطريقة سليمة وبعيدة عن أنانية البعض ومحاولتهم احتكاره وتصنيف معتنقيه والتحدث باسم الرب .

عزيزي الملحد واسمح لي بأن أناديك بعزيزي فأنا أراك عدوا لنفسك ولراحتك النفسية قبل أن تكون عدوا لأي مؤمن، إنه من الجنون أن تنادي بمحو فكرة الدين من حياة البشر من دون أن تفكر أولا بمقدار الضرر النفسي الذي سيحدثه ذلك في عالم متقلب تسود فيه عناصر الأنانية وحب الذات وتتعاظم فيه قسوة الحياة.. ومن دون أن تفكر ثانيا في تأمين بديل يستطيع أن يوفر ما يوفره الدين حاليا في هذا المجال .

عزيزي الملحد إن كنت مقتنعا بما تعتقد وإن كنت مؤمنا بعدم وجود خالق واحد وإن كنت تصر على أن الدين هو كذبة.. فأنا أري أنه من حقك أن تحتفظ بقناعاتك ولكن لا تحاول أن تسلب البشرية أنجح الادوية التي قُدمت لها لمواجهة الكثير من حالات الجنون المفروضة عليها وأن تفرض عليها آرائك في هذا المجال، أرجو أن تحكِّم عقلك وأن تفكر بمقدار الجنون والبؤس الذي سينتشر في عالمنا إن محي الدين من حياتنا، استخدم منهجك العقلي في حساب الأضرار والفوائد وهو نفس المنهج الذي اعتمدت عليه في نفي وجود الرب والدين وعلى مستوي الأشخاص من حولك لتري أن كفة بقاء الدين هي الأرجح و لمصلحتنا جميعا.

______________________________________

المصدر: بتصرف يسير من مدونة  http://malmarzooqi.com/?p=156

مواضيع ذات صلة