عزيزي الملحد.. رسالة لك من محب (الجزء الأول)

عزيزي الملحد.. من إنسان يحب لك الخير، ويسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات، فلا تغمض عينيك ولا تغلق قلبك…

د. سعيد عبد العظيم

الملحد

رسالتي لك.. من إنسان يحب لك الخير، ويسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات، فلا تغمض عينيك ولا تغلق قلبك.

أولا: أيها الغادى قف ساعة وتفكر، من خلقك؟ ولماذا خلقك؟ وإلى أين المصير؟ أراحل أنت أم مقيم؟ وإذا كنت مرتحلا فإلى أين؟ إلى جنة أم إلى نار؟ فالحياة بغير الله سراب، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.

أربأ بك أن تخالف العقل والفطرة، وقبل ذلك الشريعة وأن يحدث هذا التنافر عندك بين الظاهر والباطن، والأرض والسماء، والدنيا والآخرة، وبين السنن الشرعية والسنن الكونية، وإلا فما أعظم الاتفاق بين صفحات الكتاب المسطور مع الكون المنظور.

نسمع الملاحدة يذكرون الله بعبارات مختلفة مثل: الطبيعة، فيقولون الطبيعة منحتنا أو أعطتنا، ويعبر علماء المادة التجريبين عن القوة العظمى التي تصرف شئون الكون، وقديما قالوا الإبرة تدل على صانعها، وأثر السير يدل على المسير، والبعرة تدل على البعي ، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج وسماء ذات أبراج، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير..

وفى كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

وأنت تتكلم على الميتافيزيقا وما وراء الطبيعة وعن أشياء كثيرة غير مرئية ولكنها محسوسة أو لها آثار مثل الكهرباء والأشعة البنفسيجية والبكتريا، وما آمن أحد إيمانا أفضل من إيمان بغيب، ولو قيل سفينة ترسو وتحمل البضائع وتسير في المحيط ثم تفرغ حمولتها في مكان آخر، تفعل ذلك مع نفسها، لقيل هذا هو الجنون بعينه، لذلك لما سئل البعض عن وجود الله قال: وهل غاب عنا حتى نستدل على وجوده، “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” (يس:40)، “وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” (الذاريات:21)، “أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا” (النازعات:27)؛ فالخلق يدل على الخالق “أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ” (الطور:35).

ثانيا: قد تجد بعض الملحدين هنا أو هناك وقد نرى دول قامت على الإلحاد فلا تغتر ولا تنبه ، وإلا فالناس قديما وحديثا هنا وهناك على خلاف ذلك، فمشركو العرب واليهود والنصارى وأهل النار وإبليس كلهم يقر بوجود الله، قال تعالى: “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ…” (الزمر:38)، “قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ” (المؤمنون:84-90)

وقد تظاهر فرعون بالجحود وكان في قرارة نفسه يقر بأن الله هو الخالق الرازق المحيى المميت “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا…” (النمل:14) ولذلك قال له نبي الله موسى “قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا” (الإسراء:112)، وحكى لنا سبحانه عن أهل النار قال “وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا…” (الأنعام:30)

وكفر مشركو العرب واليهود والنصارى لا لكونهم جحدوا وجود الرب سبحانه وتعالى، ولكن لأنهم لم يوحدوه ولم يفردوا الله بالعبادة وجعلوا مع الله آلهة أخرى ونسبوا له الصاحبة والولد، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..

ثالثاً: رد العلماء على نظرية داروين للنشوء والارتقاء، وهي مع فسادها لا تخدم الإلحاد، فإذا كان الإنسان قد تطور عن قرد، فمن الذى خلق القرد؟ وهل تطورت النملة وصارت فيل؟ وهل تحول القمر إلى شمس؟ وهل تطورت الموزة إلى تفاحة وهل تحول الأكسجين إلى نيتروجين؟.

الخلق خلقه، والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، “هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ” (لقمان:11)، “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ” (الحج:73).

عزيزي الملحد: لا صدفه في الوجود، وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال…

هل قرأتم عن أوزان المعادن؟ وعن الهرمونات؟ وعن النيترونات والإلكترونات؟ وعن تركيب العين والأذن؟ وعن الخلايا العصبية؟ وتركيب الجلد؟ وماذا لو اختلت نسب الهواء في الجو المحيط بك؟

رابعاً: قد تجد بعض صور الانحراف والقصور والضعف في واقع المسلمين، وقد تجد مثل ذلك أيضًا في واقع الكفرة والملحدين، راجع قيام ما يسمى بالحضارات وسقوطها هنا وهناك، قديمًا وحديثًا، فمحاكم التفتيش وحال الشيوعية في الصين وروسيا والإذلال والقهر والتسلط والحروب والبؤس وما فعله الصليبيون والتتر وجثو الناس على الركب أمام تمثال العذراء في أوروبا وطواف الملاحدة الروس حول قبر “لينن” وادعاء الفرعون للربوبية والألوهية قديمًا، وبذاءة وجهالة وضحالة وتناقد ملاحدة العصر وتهافت الليبراليين المعاصريين ومحاكمة من أنكر السامية أو خرج على دستور البلاد، بينما يتم السماح بسب الإسلام والدين والنبي والصحابة، تناقض وتهافت وهو يعبر عن الثمار الخبيثة للكفر والإلحاد.

وما يعيشه هؤلاء من تقدم مادي أو بناء مسلات وأهرامات لا يجعلنا ننبهر “يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ” (الروم:7).

انظر لنسب الانتحار في النرويج والدنمارك وامتلاء المصحات النفسية بالنزلاء “وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ” (الحج:31).

وفي المقابل فإن الإسلام يدعو إلى الأخذ بأسباب القوة والتقدم في كل نواحي الحياة، وإقامة حضارة على منهاج النبوة، والمعاملات الأصل فيها الإباحة إذا روعيت ضوابطها الكلية، فلا مانع من صنع الصاروخ والطائرة، والطب والهندسة والزراعة من فروض الكفاية..

وأخذ العلوم النافعة من كل من أفلح فيها لا حرج فيه. أما علوم الهداية فلا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، فإذا انحرف المسلمون عن منهج ربهم وعن دينهم الذي رضيه لهم كان الضعف والشقاء “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ” (طه:124).

فالفارق كما بين السماء والأرض بين المنهج الرباني والمناهج الوضعية.

خامساً: لا بد من التفريق بين الإسلام كدين والمسلمين كواقع، ولا يقدح ولا يطعن في الإسلام ما يفعله بعض المسلمين هنا وهناك قديمًا وحديثًا، والسهام التي توجه إلى الصحابة وإلى القرآن والسنة والخلفاء..

كل ذلك مردود على صاحبه كائنًا من كان، فالقرآن محفوظ، حفظته الصدور والسطور، ونُقل لنا نقلاً متواترًا “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر:9). والسنة محفوظة، وقد ميز العلماء لنا بين الصحيح والضعيف، ولما قيل لابن المبارك: ما بال هذه الأحاديث الموضوعة؟، قال: تعيش لها الجهابذة.

والدين مبني على الكتاب والسنة، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل ستجد التقديس لكلمات ونظريات وتجارب البشر مع سفورها وتباينها وتناقضها ونقص وعوار أهلها، بشر يستعبد البشر ويشرع للبشر، ويتكلمون على الحرية ويرسفون في أغلال العبودية المقيتة لا يملكون إلا الشعارات والهتافات الجوفاء، ونحن لا نقبل محاولات التشويه والتشكيك والإساءة التى يمارسها أعداء الإسلام لإقامة الحواجز بين الإسلام وبين من يرغب في التزامه والدخول فيه.

ولا داعي لنقل نعرات مثل: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، فحال الكنيسة والقساوسة في الغرب لا يصح أن يستدل به لصرف المسلمين عن دينهم. ومن أراد فهم الكتاب والسنة فعليه أن يرجع لمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وينظر للشرع بمنظار العلماء المعتبرين وأهل الفضل من القرون الخيرية الثلاثة، قال تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران:110) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم) (صحيح الترمذي)، وقال ابن مسعود عن الصحابة الكرام: كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفا، فعلى الجميع أن يلزم حده ويعرف قدره.

طالع أيضا:

حوارات الإلحاد و الإيمان.. اربح جولاتك بالمنطق (3-1)

حوارات الإلحاد والإيمان.. تأمل ذاتك وعالمك (2/3)

حوارات الإيمان و الإلحاد.. كن المبادر ولا تنتظر! (3/3)


المصادر:

مواضيع ذات صلة