وضع الإسلام منهج حياة شامل، وأرسى قواعد من الوسطية والرفق واللين والاعتدال للتعامل بين بني البشر.. حتى الحيوان كان له من رفق الإسلام نصيب؛ فالسنة النبوية حافلة بالقصص والأحاديث التي تحث على الرفق بالحيوان والرحمة به.
فراس نور الحق
كان ذلك قبل عشر سنوات لما تعرفت على شاب صيني يدرس الشريعة الإسلامية حيث حدثني عن بعض الأكلات الشعبية في الصين المتوارثة منذ آلاف السنين، وهي أكل الحيوانات وهي على قيد الحياة!
فهم يعتقدون أن الحيوانات عندما يتم تناولها وهي حية تحصل البركة والفائدة الكبيرة، ومن أشهر الأكلات الشعبية قلي الأسماك وهي حية، أو شواء القسم السفلي من السمكة بالزيت المغلي، ثم يتم إخراجها وهي لا تزال حية ليتم أكلها.!
لما سمعت هذا الكلام وقتها لم أصدق، وظننت أن الأمر فيه مبالغة، ولكن لما بحثت على موقع اليوتيوب وجدت لقطات فيدو تثبت هذا، فشعرت بالقشعريرة والشفقة على هذه الحيوانات البريئة التي يتم تعذيبها وهي حية؛ من أجل معتقدات أسطورية لا أساس لها من الصحة، وتذكرت الهدي النبوي في التعامل مع الحيوانات، وكيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق معها حتى أثناء ذبحها.
والأحاديث التي حثت على الرفق بالحيوان والرحمة به كثيرة ومتعددة منها:
- عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردَفني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذاتَ يوم، فدخل حائطاً -بستاناً- لرجلٍ من الأنصار، فإذا جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفتْ عيناهُ، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فمَسَحَ سراتَه إلَى سنامه وذفراه، فسكن، فقال: (من ربُّ -صاحب- هذا الجمل؟ لِمَن هذا الجمل؟)، فجاء فتًى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله.
فقال: (أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمةِ التِي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاها؟! فإنَّهُ شكَا إليَّ أنكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ[1]). أخرجه الإمام أحمد.
- عن مُعاذ بن أنس رضيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارْكَبُوا هذهِ الدوابَّ سالِمَةً، وأيدعوها[2] سالِمَة، ولا تتَّخِذوها كرَاسِيَّ) أخرجه أحمد. والمقصود بأن لا نجعلها كراسيّ: لا يقف أحدنا يحادث صاحبه وهما يركبان الدابة، بل عليهما أن ينزلا عنها ويتحدثان كما يشاءان.
- مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها فقال: (أفلا قبل هذا؟! أتريد أن تميتها موتتين..) صححه الألباني وأخرجه الطبراني. (وفي الحديث نَهي عن إحماء شفرة السكين على مرأى من الذبيحة رفقا بها، والأفضل تجهيز السكين قبل بدأ عملية الذبح).
- عن سهل بن الحنظلية قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لَحِق ظهرُه ببطنِه –أي اقترب ظهره من الأرض من كثرة ما حُمّل على ظهره من أمتعة-، فقال: (اتَّقُوا اللهَ في هذهِ البهائمِ الْمُعْجَمَةِ؛ فارْكَبُوها صالِحَةً، وكِلوهَا صالِحَةً) أخرجه أبو داود.
- عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فانطلقَ لحاجة، فرأيْنا حُمَّرةً -نوع من الطيور- معها فَرخانِ، فأخذنا فرخَيْها، فجاءت الْحُمَّرة، فجعلت تَفَرَّش[3]، فجاءَ النبيُّ ـصلى الله عليه وسلم فقال: (مَنْ فَجَعَ هذهِ بِوَلَدِها؟! رُدُّوا وَلَدَها إليْها) أخرجه أبو داود.
- عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رجلٌ: يا رسولَ الله إني لأذبحُ الشاةَ فأرحَمُها. قال: (والشاةُ إن رحِمْتَها؛ رحِمَكَ الله) أخرجه أبو داود.
وقد وردت أقوال للصحابة تدل على اقتدائهم بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق بالحيوان و منها:
أ ـ عن المسيِّب بن دار قال: (رأيتُ عمرَ بنَ الخطّابِ ضربَ جَمَّالا، وقالَ: لِمَ تَحمِلُ على بعيرِكَ ما لا يُطيق)؟!.
ب ـ عن عاصم بن عُبيد الله بن عاصِم بن عمرَ بنِ الخطاب: (أنَّ رجُلا حَدَّ شَفْرَةً، وأخذ شاةً لِيذبَحَها، فضَرَبَهُ عمرُ بالدِّرَّة، وقال: أتُعَذِّبُ الرّوحَ؟! ألا فعلتَ هذا قبلَ أن تَأخُذَهَا.)؟!
ج ـ عن مُحمد بنِ سِيرين: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يَجُرُّ شاةً لِيذبَحَها، فضَرَبَهُ بالدِّرَّةِ، وقال: سُقْها إلى الموتِ سَوْقًا جمِيلا.
الهامش:
[1] – أي تُكِدُّه وتتعبه
[2] – واتركوها
[3] – تفرش جناحيها من الفزع على فراخها.
_____________________________
المصدر: بتصرف عن موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة.