تعارض نظرية دارون مع الكشوف العلمية الحديثة (1/2)

أ.د. عبد الخالق حامد السباعى

كتاب أصل الأنواع

أهم كتب دارون.. “أصل الأنواع”

معروف أن العالم البريطاني Charles Darwin، قد كتب نظريته في كتابه ‘أصل الأنواع’ بعد مشاهداته كضابط في طاقم السفينة Beagle في أثناء وبعد رحلتها البحرية في البحار الدافئة، وقد عاصره وانضم إليه في الفترة عينها العالم البريطاني ‘ألفريد راسيل والاس’ 1823 ـ 1912م.

وحين أعلن ‘دارون’ نظريته عن التطور كان ما زال يجهل قوانين مندل للوارثة التي أعلنت بعد إعلان نظرية التطور بسنوات قليلة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظلت مجهولة حتى أعيد تسليط الضوء عليها العام 1905م، بعد وفاة ‘جريجور مندل’ 1822م ـ 1884م.

ورغم أن ‘دارون’ نفسه لم يكن ملحدًا، بل كان يؤمن بالمسيحية ـكما أنه يسلم في نظريته بأن الإله الخالق هو الذي وهب الحياة الأولى على الأرض ـ إلا أن مذاهب الفلسفة المادية والإلحادية التي سادت أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد احتضنت نظرية ‘دارون’ للنشوء والتطور كجزء من معتقداتها المذهبية واتخذتها ذريعة لإنكار وجود الله الخالق ـ وها نحن نجد العالم الفرنسي الملحد Monod Gack وهو أحد المشتغلين بالبيولوجيا الجزيئية يكتب في الستينيات من القرن العشرين أن نظرية النشوء والتطور تفسر نشأة الحياة على الأرض وتطورها تحت تأثير عاملي المصادفة والحاجة  Chance and necessity وامتدادًا لذلك يعتقد بعضهم أن حدوث الطفرات الوراثية يفسر وسيلة حدوث التطور.

والآن ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين ـ فإننا مع العالم في مفترق الطرق, ومن واجبنا أن نراجع رصيدنا العلمي من القرن التاسع عشر ـ وسنجد أن كثيرًا من النظريات قد رسخت واستقرت كقوانين ثابتة مثل قوانين الجاذبية وقوانين الوراثية وقوانين الديناميكا الحرارية وصور البيولوجيا الجزيئية، ولكننا سنجد أن نظرية ‘دارون’ ما زالت مجرد نظرية تستند على ثلاثة من الافتراضات الرئيسة التي سنحاول مناقشتها موضوعيًا وعلميًا فيما يلي:

الافتراض الأول:

الأوزون

تأكد العلماء حديثًا من دور غاز الأوزون في طبقات الجو العليا في حماية كل صور الحياة على الأرض من فتك الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجه وهو أمر لا يمكن أن يحدث مصادفة

أن الحياة قد نشأت على الأرض وتطورت مصادفة ودون خالق وهذا الافتراض يتعارض مع القوانين الثابتة والحقائق العلمية التالية:

1ـ العلم الحديث يكشف لنا كل يوم أن الكون الذي نعيش فيه, فيه نظام بيئي متزن لدرجة متناهية في الدقة, وهذا أمر لا يمكن أن يحدث مصادفة، ولعل ما أكتشف من دور الكائنات الدقيقة المتخصصة في دورات العناصر وإكساب خصوبة التربة ـ وكذلك التوازن بين حرارة الجو وما يحتويه من بخار وثاني أكسيد الكربون، وأخيرًا ما تأكد حديثًا من دور غاز الأوزون في طبقات الجو العليا في حماية كل صور الحياة على الأرض من فتك الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجه ـ كل ذلك لا يمكن أن يحدث مصادفة، بل هو دليل على القصد والتدبير في الخلق والإبداع.

2ـ القول إن الخلية الحية وجدت مصادفة وتطورت تلقائيًا ـ يتعارض مع قوانين الديناميكا الحرارية في الكيمياء الطبيعية التي تنص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث كما أنها تقطع كذلك بالاستحالة وجود الماكينة التي تدور تلقائيًا إلى ما لا نهاية من دون بذل شغل أو طاقة، وهذا يعني أن إتمام أي تفاعل لبناء أي من الجزيئات أو الأنسجة الجديدة يقتضي وجود قوة مدبرة توفر القدر المطلوب من الطاقة، كمًا ونوعًا، وكذلك، فإن عليها أن توفر الظروف المثلى لإتمام التفاعل وتحديد اتجاهه، ثم بعد بناء الجزيئات الجامدة تأتي المعجزة في منحها طاقة الحياة من مصدر الحياة التي لا تنضب ـ سبحان الحي القيوم ـ فهذه قدرة لم يستطع أحد أن ينسبها لنفسه.

3ـ تتميز الكثير من الجزيئات البيوكيميائية في الخلايا الحية بأن لها تركيبًا نوعيًا ونشاطًا ضوئيًا, فإذا كنا دائمًا نجد أن الخلايا الحية لا تحوي إلا المشابهه اليساري الدوران [Levo] وهذا مثال واحد لكثير من صور الاختيارية والنوعية العالية ـ فهل يتسنى أن يحدث هذا مصادفة؟

4ـ أن أحدث ما وصل إليه العلم في مجال البيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية ـ تتم فيه التجارب حاليًا لنقل صفات وراثية من شريط الجينات من كائن عديد الخلايا إلى بعض البكتريا, والأمل بناء جزيئات جديدة ـ ورغم أن علماء الهندسة الوراثية الذين يحاولون إعادة بناء الأحماض النووية بعد إلحاق أجزاء مأخوذة من جينات أخرى ـ أي أنهم يستعملون جزيئات حية تامة الصنع في عمليات إعادة البناء ـ ومع ذلك وبالرغم من أنهم يستخدمون لبنات بناء جاهزة وصلتهم عبر عصور وقرون التاريخ تامة الصنع فهل يمكن أن يكابر الإنسان في أنها قد تكونت مصادفة من غير صانع أو خالق ـ فسبحان الله الخالق البارئ المصور.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن إلحاق هذا الجزء من شريط DNA إلى جزء آخر هو تفاعل كيماوي يحتاج لإتمامه لتوافر الطاقة والظروف المثلى لتنشيط الجزيئات لإتمام التفاعل. وهذا يقطع أيضًا باستحالة إتمام التفاعل دون توافر الحد الأدنى من طاقة التنشيط والعوامل والظروف المساعدة بما يحد اتجاه التفاعل وخصوصًا أن المواد الفاعلة ذاتها يمكن أن تتجه لأكثر من اتجاه طبقًا للتركيز، ونسبة المواد المتفاعلة، ونوع ومقدار الطاقة المتوافرة والظروف الملائمة وكل ذلك يؤكد استحالة العفوية في بناء أو تطوير والكائنات الحية المكونة من بلايين الذرات والجزيئات والخلايا.

5ـ بتطبيق قوانين الاحتمال الإحصائي أمكن حساب احتمال تكون جهاز لدغ الثعبان في الحية الرقطاء دون غيرها من الثعابين بتأثير عامل المصادفة, فقد وجد أن هذا الاحتمال واحد في كل 1/10 أس [23] احتمال أي أنه واحد في كل مئة ألف بليون بليون مصادفة.

6ـ قام العالم ‘شارلز إيجين جاي’ بحساب احتمال التكون بعامل المصادفة لجزيء بروتين واحدة، فوجد أن هذا يمكن أن يحدث مرة كلما مرت فترة زمنية لا تقل عن 10 أس [243] من السنوات، وهذا يزيد على بلايين أضعاف عمر الأرض، وهذا هو احتمال تكون جزيء واحد فقط من البروتين غير المتخصص.

7ـ في العام 1962م، قام عالما الكيمياء الحيوية ‘مالكوم ديكسون’، ‘أيدويب’ بحساب احتمال تكون جزيء البروتين ذاتيًا نتيجة مجرد التقاء جزيئات أحماض أمينية في مخلوط منها ـ وقد تبين أن هذا الاحتمال لكي يتحقق يقتضي حجمًا من مخلوط الأحماض الأمينية المعروفة يصل إلى أضعاف حجم الكرة الأرضية بمقدار 10 أس [50] ضعفًا, كل ذلك لمجرد تكون جزيء بروتين واحد من النوع العادي غير المتخصص، أما احتمال تكون جزيء بروتين متخصص مثل ‘الهيموغلوبين’، فإن الحساب قد وصل إلى ضرورة توافر حجم من مخلوط الأحماض الأمينية لا يقل عن 10 أس [512] ضعف حجم الكون كله، فما أروع قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي منح أجسامنا الحياة والقدرة على أن تبني هذه الجزيئات بدقة بالغة ليلاً ونهارًا حتى ونحن نيام، حقًا ما أروع قدرة الخالق سبحانه وتعالى.

8ـ وفي العالم 1987م قام العالمان ‘والاس’ ‘سيمونس’ بدراسة احتمال تكون جزيء بروتين متكون من 100 حامض أميني في ترتيب معين ـ ولما كانت الأحماض الأمينية المعروفة 20 حامضًا، فإن هناك 20 احتمالاً للحامض في الموضع الأول، وهكذا وتصبح احتمالات شغل الأحماض المئة في جزئ البروتين = 20 [100] =1,25 ×10أس [130] أي احتمال في كل 10أس [130] احتمال.

وإذا أخذنا في اعتبارنا ملايين الجزيئات في ملايين الخلايا نجد أن الاحتمالات الإحصائية تقطع باستحالة البناء الذاتي بالمصادفة لتكون جزيء بروتيني واحد فضلاً عن الخلية الحية الكاملة.

الافتراض الثاني أن هناك سلمًا للتطور:

الفيروس والبكتريا

مازلنا نرى كائنات دقيقة وحيدة الخلية والعديد من الكائنات التي لم تنقرض رغم أنها ضعيفة بسيطة التركيب, ولا أدل على ذلك من أننا نكتشف فيروسات جديدة كل يوم كما نكتشف أنواع البكتريا ذاتها في حفريات الفراعنة

وتقول نظرية التطور: إن السلم قد بدأ بالكائنات وحيدة الخلية وتحت تأثير الظروف البيئية تم التطور إلى كائنات أكثر قدرة وأكثر تعقيدًا بتفوق الأصلح في الصراع من أجل البقاء مع انقراض الأفراد الأقل صلاحية في التنافس والصراع، وهذا الافتراض الثاني تنقضه الحقائق التالية:

1ـ رغم مرور ملايين السنين منذ بدأت الحياة على الأرض فمازلنا نرى كائنات دقيقة وحيدة الخلية والعديد من الكائنات التي لم تنقرض رغم أنها ضعيفة بسيطة التركيب, ولا أدل على ذلك من أننا نكتشف فيروسات جديدة كل يوم كما نكتشف أنواع البكتريا ذاتها في حفريات الفراعنة.

2ـ حين أعلن ‘دارون’ نظرية التطور كان لا يعلم شيئًا عن قوانين ‘مندل’ للوراثة ـ وعلم الوراثة ـ وهو علم راسخ الأركان ـ يقطع بأن الكائنات تتوارث صفاتها الوراثية عن طريق الجينات الوراثية للأبوين بغض النظر عن الظروف البيئية, بينما تصر نظرية التطور على القول إنه يتم تطور صفات الكائنات بتأثير ضغط البيئة والتنافس من أجل البقاء.

3ـ حاول علماء التطور الاستعانة بحفريات وهياكل الكائنات المدفونة لمحاولة عمل سلم التطور ولكن رغم الجهود المضنية فما زالت هناك فراغات في السلم لا يتسنى ملؤها كما أن العمر الجيولوجي للأرض وهو نحو 4 بليون عام وعمر الحياة على الأرض الذي قدر بنحو 1,55 بليون عام ـ لا يتيح الوقت اللازم للتطور التلقائي ـ فعلماء التطور قد حسبوا أن تطور الحصان من صورته القزمية إلى حجم الحصان الحالي قد احتاج زمنًا لا يقل عن 100 مليون سنة ـ وهذا معناه أن عمر الحياة على الأرض لا تسعف تفسير التطور التلقائي إلى ما يسمى بالكائنات الراقية من النباتات والحيوانات ـ فضلاً عن عدم توافر الوقت اللازم لتفسير تطور الإنسان من الكائنات غير العاقلة.

4ـ الاهتمام بالحفريات حمل بعض الانتهازيين على تزييف الكثير من الهياكل العظيمة من أشهر الأمثلة ما حدث العام 1953 من الإعلان عن أن ما سمي ببقايا الإنسان الأول [piltdown] قد تبين أنه بقايا عظام مزيفة تمامًا.

5ـ بعض علماء التطور كانوا يفسرون تميز بعض أجسام الحيوانات بألوان زاهية بأنه تحقق للانتخاب الجنسي لضمان جذب الذكور. وقد كانت الصدمة كبيرة حين أوضحت الكشوف الحديثة أن عيون الكثير من هذه الحيوانات الملونة لا تميز الألوان.

6ـ أوضح عالم الفيزيقا البيولوجية الأمريكي Morqwitz العام 1979م أن هناك تحديًا رئيسًا يواجه نظرية ‘دارون’ للتطور ـ وهو أن خلايا الكائنات الحية على وجه الأرض تنقسم إلى نوعين:

الأول يسمى prokaryotic وهي كائنات وحيدة الخلية خالية من الأغشية والأجسام الخلوية المتخصصة ومن أمثلتها البكتريا والطحالب الخضراء، والمزرقة والميكوبلازم وتكون المادة الوراثية فيها متمثلة في حامض نووي منفرد DNA.

أما النوع الثاني فيسمى Eukaraotic وتتميز بأن خلاياها مزودة بأجسام متخصصة مثل: النواة ـ الميتوندريا ـ الليسوسومات ـ والكلوروبلاستيدات …. إلخ

ـ كما أن المادة الوراثية تنتظم في كروموزومات تحوي الكثير من الجينات وهذه بدورها تحوي أحماضًا نووية مع البروتينات المتخصصة, ويشمل النوع الثاني مختلف أنواع النباتات والحيوانات وكذلك الإنسان و’البروتوزوا’ والخلايا الفطرية ومعظم أنواع الطحالب, ولا يدخل في ذلك الفيروسات لأنها تمثل قسمًا ثالثًا متميزًا بذاته, وموضع التحدي أنه لا توجد أي صورة وسيطة بين النوعين من الخلايا مما ينفي نظرية التطور من الكائنات البسيطة إلى الكائنات عالية التخصص.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن خلايا Prokayotes البسيطة تقوم بوظائف عالية التخصص وبالغة الأهمية في دورات العناصر على سطح الكون وإكساب التربة خصوبتها وتحلل الكثير من المخلفات العضوية …. إلخ، وهذا يلفت النظر إلى أن حقيقة الحياة على الأرض هي أن كل مخلوق له وظيفة في إطار من التكامل والاتزان بالغ الدقة والحساسية.

7ـ أعلن العالم الفرنسي Monod jack في الستينيات أن حدوث الطفرات الوراثية هو أداة تحقيق سلم التطور تحت تأثير المصادفة والحاجة إلا أن البحوث التي أجريت على ‘الدروسوفلا’ وغيرها ـ قد أثبتت أن الطفرة لا تنشئ نوعًا جديدًا ولكنها تعطي انتخابًا محدودًا لأفراد من النوع ذاته بصفات قد تتفاوت ولكن في حدود الوعاء الوراثي المحدد للنوع ذاته the same genetic trait.

8ـ أسس علم التقسيم لا تتفق مع نظرية ‘دارون’: علم تقسيم الكائنات Taxonomy بدأ قبل مئة عام من مجيء ‘دارون’ بوساطة العالم Linnaues carolus 1707م ـ 1778م، وقد أعلن ‘لينيوس’ التسمية من اسمين، اسم الجنس متبوعًا باسم النوع والأنواع، تعرف بأنها المجموع ذو الصفات المشتركة التي تتكاثر جنسيًا لإعطاء أجيال جديدة مماثلة وسليمة، ولم يستطع ‘دارون’ أن يوائم بين نظريته في سلم التطور وبين مقتضيات التقسيم.

9ـ فشل نظرية التطور في التنبؤ بالمستقبل: لقد أعلن عالما الوراثة ‘والاس’ و’سيمونس’ 1987م تلك الحقيقة، وأوضحا أنه إذا كانت نظرية التطور مبنية على المصادفة ـ وإذا كنا نعلم أيضًا أنه يصعب على الإنسان أن يتنبأ بطريقة قاطعة عن مسار كرة تهبط فوق سطح يحوي أكثر من مئة دبوس وتنتهي بخمس عشرة فتحة ـ إذا كان التنبؤ هنا مستحيلاً ـ فكيف يمكن التنبؤ بمصير أكثر من 35 مليون نوع من الكائنات التي تتعايش حاليًا مع بعضها ومع الإنسان على ظهر الأرض. وإذا كنا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل ـ فكيف نستطيع أن نقطع بما نسميه سلم التطور عبر ملايين السنين التي سبقتنا، إن مجرد وجود تشابه وتماثل في وحدات البناء للجزيئات الجامدة والحية لهو دليل واضح على وحدة الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى جل شأنه.

10ـ تعدد الأنواع وتميز الصفات الفردية: يذكر العالم الأمريكي Jancey العام 1975م أن عالمنا يزدحم بالكثير من المخلوقات التي لا يتيسر تفسير وجودها على أساس نظرية التطور والصراع من أجل البقاء, وفي الوقت عينه، فإن أفراد كل نوع يتميز بصفات فردية لا تتكر مثل لون فروة الجسم وزركشة الطيور، فهي خصائص لا تتكرر مما يدل على قدرة الخالق المبدع.

____________________________

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي العدد 532.

مواضيع ذات صلة