معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها (2)

بالإضافة لكون الموجة التشكيكية المعاصرة هدمية لا بنائية، فوضوية لا منهجية.. وأنها محملة بالأسئلة المفتوحة دون حدود.. وأنها تحمل شعارات عامة ذات بريق وجاذبية، ولكنها غير محددة المعالم وأن الميدان الأكبر لبث سمومها وشبهاتها هو شبكات التواصل الاجتماعي.. وذلك ما أوضحناه في المقال الأول تأتي بقية المعالم…

أحمد بن يوسف السيد

الموجة التشكيكية المعاصرة

لا شك أن خسارة الثوابت الشرعية تضييع للهوية وانحراف للبوصلة وانحلال من التكاليف.

خامسا: خطورة هذه الموجة أنها موجهة ضد الإسلام وثوابت الشريعة المتفق عليها، بخلاف ما لو كانت الإشكالات موجهة ضد إحدى المدارس الشرعية مثلا، أو ضد عالم من علماء المسلمين، دون المساس بأصول الإسلام و ثوابته لكان الأمر أهون بكثير مما هو عليه الآن.

ووجه الخطورة يظهر إن نظرنا إلى المتأثرين بها؛ فحين يفقد أحدهم أصل الإسلام فذلك كفر يؤدي إلى النار، كما أن خسارة الثوابت الشرعية تضييع للهوية وانحراف للبوصلة وانحلال من التكاليف، بل إن إنكار بعض الثوابت كفر، وكل هذا يجعل الأمر في مستوى لا يحتمل التغافل والتجاهل والتهوين.

سادسا: مما يزيد من خطورة هذه الموجة، أن أغلب المتأثرين بها هم شريحة الشباب ذكورا وإناثا؛ ومعنى ذلك أن تكامل ظهور الآثار السلبية سيكون في المستقبل القريب حتى يصل هؤلاء الشباب إلى مرحلة العطاء والعمل والتربية والإرشاد-مالم يحصل تدارك واعٍ على المستوى الذي تتطلبه المرحلة-.

سابعا: ينقسم المتأثرون بموجة الشبهات المعاصرة إلى قسمين:

الأول: العابثون الفوضويون الباحثون عن أهوائهم الشخصية في ثنايا هذه الشبهات، وهم كُثر.

الثاني: الذين تأثروا بالشبهات تأثرا فكريا حقيقيا أدى إلى تبنيهم لأفكار جديدة فيها مخالفات شرعية.

وهذا يدفعنا إلى عدم تعميم الأحكام، وإلى الكف عن إطلاق التهم العامة، وعدم اختزال الظاهرة في صورة مجتزأة، وإلى البحث عن سبل متنوعة للعلاج بما يتناسب مع اختلاف الحالات.

ثامنا: تختلف مرادات مثيري موجة الشبهات المعاصرة، فبعضهم يقصد صرف الناس عن الإسلام، وإخراجهم منه، بل وعن الأديان كلها، وهذا يمثله الملحدون الجدد، والربوبيون، والمستفيدون سياسيا من ضياع قوة المسلمين وتفتت كيانهم.

والبعض الآخر من مثيري الشبهات لا يريد هدم الإسلام ولا تقويض بنيانه، بل ربما يثيرها بمقصد حسن في نفسه، ألا وهو تحسين صورة الإسلام، وإظهاره بما يوافق النفس العصري، وقد يؤدي به تحقيق هذا الغرض إلى إنكار بعض الثوابت الشرعية، أو تأويلها بما يخفف من إثارة حفيظة غير المسلمين.

وأقصد بالثوابت الشرعية: الأحكام والأخبار التي اتفق أهل السُنة والجماعة على الأخذ بها، مثل اعتبار السنة مصدرا تشريعيا للأحكام والأخبار الدينية، ومثل الحدود الشرعية.

تاسعا: هذه الموجة تتشكل من مجموعة من الاعتراضات على وجود الله وكماله وعلى النبوة والشريعة، وفي الغالب تجد أن الأسئلة ذاتها تتكرر على ألسنة المتأثرين بها على اختلاف أعمارهم وبلدانهم، ولم يكن ذلك نتيجة تفكير و استناج عقلي اكتشوا به هذه الأسئلة والاعتراضات، وإنما لتداول المعلومات في فضاء الشبكة التي قربت البعيد وجعلت العالم مجتمعا على طاولة واحدة.

_______________________________________

المصدر: أحمد بن يوسف السيد، سابغات، مركز تكوين، الطبعة الثالثة، 2017.

مواضيع ذات صلة