التعذيب بالنار في الآخرة.. العدلُ في ثوب القسوة

بركان

هل عقوبة التعذيب بالنار تتناسب مع الطبيعة الإنسانية الضعيفة؟!

التعذيب بالنار للعصاة في الآخرة.. أليست عقوبة قاسية عظيمة لا يستحقها البشر الضعفاء مهما بلغت ذنوبهم.. كما أن الإله يفترض أنه غني عن كل ذلك؟!

تقول أ.د/ إلهام شاهين.. أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف:

إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه خلق لنا عقولا لنفكر بها ومنحنا إرادة لنختار على أساسها وأعطانا مهلة لنستعد ونعمل قبل يوم لقائه وأرسل لنا رسلا ليذكرونا بكلامه  وأوامره ونواهيه حتى لا يكون لنا حجة وأكثر من ذلك ترك لنا كتابا  لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتعهد بحفظه “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء:25).

والله تعالى أخبرنا في الدنيا أنه غفور رحيم، ولكن.. لمن تلك الرحمة؟

  إن رحمته وسعت كل شيء ولكنه سيجعلها لمن آمن به وعمل صالحا وهذا هو العدل”وَإِذَا جَاءَك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (الأنعام:54)، فإذا أتيته مؤمنا فإن الرحمة تقتضى أن يغفر لك ما سبق لا أن ينتقم منك ويعذبك على ذنوبك وسيئاتك التي فعلتها من قبل.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا” (النساء: 48).

فحذر الكافر من العذاب ووعد المؤمن بالجنة فقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا” (النساء:56-57).

هل من العدل أن يجعل رحمته لمن يكذبه ولمن لا يصدق رسله ويستهزئ بهم؟! فإذا جعل رحمته لهؤلاء ووهبهم الجنة فماذا يفعل مع من صدق به واتبع الرسل وعبده وعمل الصالحات؟

عدم عقلانية التعذيب بالنار.. المنطق يجيب

أخي الكريم لو أنك تعمل في شركة ولك زميل آخر يعمل في نفس الشركة.. أنت تجتهد وتبذل قصارى ما تستطيع وتلتزم بعملك المكلف به وبمواعيد العمل وبقوانينه، وزميلك لا يلتزم بأي من كل ذلك.. بل إنه يتطاول على صاحب الشركة ونوابه مع عدم التزامه لا بالعمل ولا بمواقيته ولا بقوانينه، بل ويسخر من كل التنبيهات والتحذيرات التي تأتيه ولا يصدق كل من يحذره من عواقب أفعاله.. فماذا تنتظر من صاحب الشركة؟

أن ينذره، أم أن يطرده من العمل، أم أن يعطيه أجرا ويساويه بك أنت الملتزم المجتهد، أم يجعله متفوقا عليك في الأجر؟؟؟

لو قلنا ينذره عدة مرات قبل أن يطرده وفعل صاحب الشركة وأنذره مرات ومرات فما كان منه إلا أن تمادى في عدم التزامه وتجاوز في تطاوله؛ فالمنطق والعدل أن يُطرد من الشركة ولا يكون له نصيب من خيراتها ولا مكان بين من عملوا فيها وسعوا لخدمتها وخدمة صاحبها.. هل ترى أخي أن صاحب الشركة قاسيا لو طرده؟!

لو أنك سمعت هذا الشخص يقول قبل طرده: لماذا يطردني صاحب الشركة ولا يعطيني أجرا. إن الطرد قسوة شديدة فلماذا يفعل ذلك معي؟

فالمنطقي أن تسأله أنت أيضا ولماذا لا تلتزم أنت بالعمل كالباقين؟ ولازالت الفرصة أمامك، لماذا تريد من صاحب الشركة أن يكون ظالما لغيرك بمساواتك به فيرفق بك أنت الذى تجاوزت كل الحدود معه ويساويك بالعاملين المجتهدين؟!.

هل المنطق يقول أن صاحب العمل-في تلك الحالة- رحيم أم ظالم؟

إذا سألت لماذا لا يمنحني الإله جنته؟ أقول لك ولماذا لا تعمل أنت كغيرك لتحصل عليها وتصل إليها؟

لقد عدد الله  في كتابه الكريم من أرسلهم وما أُرسل معهم قائلا “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا.  وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا. إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء:163-170).

وإذا كنت تريد الجنة والرحمة فلهما ثمن لابد أن تقدمه في الدنيا أولا بل تسرع إلى تقديمه قبل أن تلقى الله؛ وهو الإيمان وعمل الخيرات وياله من ثمن راقٍ قال ربنا العزيز: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (آل عمران: 133-139).

والله عز وجل أعلى وأعلم.

مواضيع ذات صلة