فكر الملحد.. ناطحة سحاب بدون أساس!

تحدث مع الملحد عن الحجة الكونية، أو دقة ضبط الثوابت الكونية، أو حساب الاحتمال، وستجده يقفز إلى الاستهزاء والسخرية.

هو يغمض عينيه ويسد أذنيه، ثم يطلب منك الدليل.

(مقتطف من المقال)

محمد صالح الهبيلي

سي إس لويس

لا يمكن لأحد إنكار عظمة الله بالتوقف عن عبادته: سي إس لويس

يقول الفيلسوف الكبير والملحد السابق سي إس لويس: (لا يمكن لأحد إنكار عظمة الله بالتوقف عن عبادته، مثلما لا يمكن لأحمق أن يخفي ضوء الشمس بكتابة “ظلام” على حائط غرفته).

نشرت جريدة The spectator  البريطانية في شهر أبريل من العام 2013م مقالا بعنوان: (ريتشارد دوكنز خسر)

حيث ذكر المقال أن دوكنز الذي تسبب كتابه (وهم الإله) عام 2007م في انتشار موجة الإلحاد الجديد داخل أوساط العوام، يراه العديد من العلماء والمثقفين اليوم –بمن فيهم بعض الملحدين أنفسهم- كالأحمق الذي يشير بغضب إلى السماء، مع أنه يقول بأن الله وهم.

ولا.. لم تسقط موجة الإلحاد الجديدة. ليس بعد و لكن…

هناك مؤشرات واضحة أن هذا السقوط صار وشيكا لعدة أسباب، من أهمها: فقدان المصداقية، والأساس المنطقي الهش الذي بُني عليه الإلحاد.

فعندما سأل مهدي حسن دوكنز في لقاء الجزيرة الوثائقية: (لماذا لا تنشر الأعمال الجيدة لأناس كان الإيمان دافعهم لعمل الخير)؟

أجاب: هذا لا يهمني.

ولم أستغرب من هذه الإجابة؛ لأني كنت أعلم دائما أن الحقيقة لا تهمه. هو مجرد عامل للمال والشهرة، بل وقد يقدم خدمات للإيمان بالله دون أن يشعر.

الجوانب التي تثير الجدل هي ما يلفت النظر، أما الحقيقة فهم يجدونها مملة ولا تجذب المتابع.

لا أحد يكتب عن الإقلاع الناجح لملايين الطائرات، لكن سقوط طائرة واحدة يجعلها حديث الجميع.

الملحد.. لا يتحدث في هذه الأمور!

لذلك لن تجدهم يتحدثون عن التبرعات باسم الدين التي تملأ أرجاء المعمورة وتحاول إصلاح ما أفسدته الأنظمة الرأسمالية العلمانية الجشعة، لن تجدهم يتحدثون عن نظام الزكاة الإسلامي الذي لو طُبق بشكل صحيح فسيقضي على الفقر في العالم الإسلامي، لن تجدهم يتحدثون عن المدارس والمستشفيات التي يبنيها المسلمون بصمت، لن تجدهم يتحدثون عن أن أكثر الأشخاص تبرعا في العالم هم المسلمون، بينما يقبع الملاحدة في ذيل القائمة، لن تجدهم يتحدثون عن مليار ونصف المليار مسلم ممن يؤمنون بالقرآن والسنة.

 ولا يرون الإسلام دين إجبار وقتل، ويعيشون بسلام مع الآخر انطلاقا من نص واضح وصريح في القرآن: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة:8)، لن يشيروا كيف تقلد بعض اليهود والنصارى مناصب حكومية في الأندلس، أو كيف أمَّن صلاح الدين الأيوبي اليهود والنصارى عندما فتح بيت المقدس، ومنحهم حرية العبادة، لن يتحدثوا عن كيف عاش ملايين الناس من مختلف الأعراق والديانات في بلاد الإسلام بكل أمان وحرية طيلة قرون لن يجبرهم أحد على الدخول فيه، لن يتحدثوا عن وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأول جيش يمضيه بقيادة أسامة بن زيد: (لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تقطعوا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون على قوم فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفهم له)، وهي مستمدة من نفس تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا “أي تشويه القتلى والجثث”، ولا تقتلوا وليدا) رواه مسلم.

وهي الوصايا التي أسست للقانون الإنساني الدولي، وسبقته بألف وأربعمائة سنة، كما ذكر ميشيل دي توب –أستاذ القانون الدولي- بمعهد الدراسات الدولية بلاهاي-هولندا، في الجزء الأول من مجموعة دراسات نُشرت سنة 1926م لأكاديمية القانون الدولي، لكن…

بمجرد أن تخرج جماعة لا تبلغ نسبتها 5.% سيتدافعون حولها مثل الجراد حول الضوء، ويصبغون مليار ونصف المليار مسلم باللون الأحمر القاتم نفسه، ويجعلون هذه الأقلية التي تكاد لا تُذكر هي التي فهمت الإسلام وطبقته كما لم يفعل البقية، والسبب ببساطة: أن هذا يتوافق مع أجندتهم، ويرضي حنقهم على الدين، ويجذب الانتباه، ويجعلهم مشاهير وأثرياء.

هم كالذباب الذي يدخل بستانا مليئا بالأزهار، فيتركها ويتجه لبقعة قذرة لا تكاد تراها العين.

ومما يزيد من فقدانهم للمصداقية: أنك لن تجد أيا من الملاحدة الجدد يهاجم الأنظمة الديكتاتورية الملحدة في الصين وكوريا الشمالية وكوبا، أو يشير إلى أن أكبر مجرمي التاريخ كانوا ملاحدة، وإذا حدث فإنهم يتفننون في إيجاد الأعذار، والقول بأن الإلحاد برئ منهم، وهو الادعاء الذي يسقط مع المقولة الشهيرة لماو (الدين سُم)، أو قتل 12 مليون مسيحي في الاتحاد السوفيتي ونسف كاتدرائية المسيح بالديناميت..!! في الوقت الذي يكتفي فيه الملاحدة الجدد بمهاجمة الأديان، وأنها السبب الرئيس للشر.

كمثال: قام الشيخ عبد الرحمن السميط رحمه الله بإنجازات فعلية، بدلا من الصراخ والعويل كما يفعلون…

هجوم وهجوم فقط، حتى صار الأمر مملا ومكشوفا، بل ومثيرا للحنق.

فلم تكن مشكلة الملاحدة يوما أنهم لم يجدوا الله، بل أنهم يتجنبون كل ما يمكن أن يؤدي إليه.

جربها بنفسك…

تحدث مع الملحد عن الحجة الكونية، أو دقة ضبط الثوابت الكونية، أو حساب الاحتمال، وستجده يقفز إلى الاستهزاء والسخرية.

هو يغمض عينيه ويسد أذنيه، ثم يطلب منك الدليل.

لا ننكر أن هناك العديد من العلماء والفلاسفة الملاحدة، وهم في منتهى الذكاء، لكن مشكلتهم أنهم لا ينظرون لأبعد من أقدامهم.

هم يريدون إخضاع الله للفحص والاختبار تحت الميكروسكوب، أو إيجاده بالتلسكوب والأقمار الصناعية، في الوقت الذي تعجز فيه التكنولوجيا البشرية عن إيجاد طائرة اختفت من الرادار.

النظر إلى الله سبحانه وتعالى برؤية مادية بحته، يشبه الدخول إلى صندوق مُغلق، يبحث من بداخله عن السماء فلا يجدها، ولذلك فهو ينكر وجودها لأنه لا يملك دليلا عليها، وهذا العجز عن امتلاك الدليل سببه الالتزام السابق بأن الحقيقة تقتصر على الحواس والخمس، وعليه فإن أي تفسير يجب أن ينطلق من هذا الالتزام السابق!!

المفارقة المضحكة هنا: أن الملحد الذي لا يعترف إلا بما يثبت من خلال الحواس الخمس، هو نفسه الذي يقول إن العقل مجرد نتاج لمواد كيميائية، تطورت بقيادة طفرات عشوائية واصطفاء أعمى.

فبالله عليك: كيف تريدونا أن نثق برأيكم العشوائي الأعمى؟!

يقول الشاعر والزاهد الانجليزي فرانسيس تومبسون: (الملحد شخص يعتقد أنه حادث).

والحوادث تفتقر دائما للعقل و الحكمة.

الفكر المادي الإلحادي يضع أساسا متهالكا من البداية، ثم يبني فوقه ناطحة سحاب، لذلك فمن الطبيعي جدا أن تتصدع البناية، كل من ينظر إليها من الخارج يرى هذا التصدع بوضوح، فإذا كنت ترغب برؤيته يجب عليك أن تخرج من البناية قبل أن تنهار فوق رأسك.

_________________________________

المصدر: كتاب/ التطور: نظرة تاريخية وعلمية.. محمد صالح الهبيلي.

مواضيع ذات صلة