هل الله موجود؟

هذا الخلق لابد له من خالق، وهذا النظام لابد له من منظم.

هذا الخلق لابد له من خالق، وهذا النظام لابد له من منظم.

د. يوسف القرضاوي

لقد قامت الأدلة على أن وراء هذا الكون قوة عليا تحكمه وتديره وتشرف عليه، سماها أحدهم «العلة الأولى» وسماها غيره «العقل الأول» وسماها ثالث «المحرك الأول» وسماها القرآن العربي المبين، وكتب السماء بهذا الاسم الجامع لصفات الجمال والجلال «الله».

هذه القوة العليا، وبعبارة أخرى: هذا الإله العظيم، ليس في استطاعة العقل البشرى إدراك كنهه، ولا معرفة حقيقته، كيف وقد عجز عن معرفة كنه ذاته وعن كنه النفس وحقيقة الحياة وكثير من حقائق الكون المادية من كهربية ومغناطيسية وغيرها؟ وما عرف إلا آثارها، فكيف يطمع في معرفة ذات الله العلي الكبير؟ “ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ  وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.” (الأنعام: 102، 103)

هذا الإله ليس إله فصيلة محدودة، ولا إله شعب خاص، ولا إله إقليم معين. وإنما هو”رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الفاتحة:2)،”رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” (الكهف:14)،”رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ” (الشعراء:28)،”قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ” (الأنعام:164)

ولنستمع إلى ما قصه القرآن علينا من حوار موسى وفرعون ليتبين لنا شمول ربوبيته سبحانه وتعالى:

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ. قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ. قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا  إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ” (الشعراء: 23 -28)

هل الله موجود؟

وقد دلل القرآن على وجود الله بطرق عديدة:

1. فيلفت العقول والأذهان إلى ما في الكون من آيات تنطق بأن وراءها صانعاً حكيماً. وهو قانون بديهي عند العقل الذي يؤمن بمبدأ «السببية» إيماناً طبيعياً لا يحتاج إلى اكتساب أو تدليل:”إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (البقرة:164).

هذا الخلق لابد له من خالق، وهذا النظام لابد له من منظم:”أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ” (الطور:35-36)، “قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ” (طه:49-50).

2. ويستثير الفطرة الإنسانية السليمة التي بها يدرك المرء إدراكاً مباشراً أن له رباً وإلهاً قوياً عظيماً يكلؤه ويرعاه:”فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (الروم:30).

وإذا اختفت هذه الفطرة في ساعات الرخاء واللهو فإنها تعود إلى الظهور عند الشدة والبأساء، وسرعان ما يذوب الطلاء الكاذب، وينكشف المعدن الأصيل في النفس البشرية، فتعود إلى ربها داعية متضرعة:”هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ” (يونس:22).

وتبدو هذه الفطرة حين يفاجأ الإنسان بالسؤال عن مصدر هذا الكون ومدبره فلا يملك بفطرته إلا أن ينطق معلنا «الله»:”وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ  فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” (العنكبوت:61)،”قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ” (يونس:31-32).

ويستشهد القرآن بالتاريخ الإنساني على أن الإيمان بالله وبرسله كان سفينة النجاة لأصحابه، وأن التكذيب به وبرسله كان نذير الهلاك والبوار، ففي نوح يقول:”فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ” (الأعراف:64) وفي هود يقول:”فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ” (الأعراف:72). وفي صالح وقومه ثمود يقول:”فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ” (النمل:52-53).

وفي رسل الله جميعاً يقول تعالى مخاطبا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم:47).

__________________

المصدر: موقع الدكتور يوسف القرضاوي www.qaradawi.net.

مواضيع ذات صلة