الفن.. هل له مكان في عالم الإلحاد؟

المعرفة في الفن لا تُكتسب بطريقة عقلانية علمية وإنما تُكتسب بطريقة حَدسية…

(مقتطف المقال)

د. هيثم طلعت

الفن

بإقصاء الجانب الروحي بعيدا وبإنكار وجود الحياة الجوانية داخل كل إنسان منا، فإن أعظم اللوحات في العالم تقاس قيمتها بحسب نوع الورق المستخدم في الرسم وثمن الألوان والأصباغ الموجودة على اللوحة.

عندما نتكلم عن الفن لا نقصد فن إظهار العورات لكن نقصد الفن الراقي الذي يتناول دراما الوجود الإنساني، والعلم عندما يواجه الإنسان فهو يبحث فيه عما هو ميت وعما هو ليس شخصيا، بينما عندما يتناول الفن الإنسان فإنه يبحث فيه عما هو إنساني وغائي؛ فالفن في صدام طبيعي مع العالم ومع جميع علومه، إنه التمرد الصادم، وإذا لم يوجد على الإطلاق سند للإنسان ولا مجال لروحه ولذاته، فإن الفن لا مجال له، والشعراء وكتاب التراجيديا يضللوننا ويكتبون هراءً لا معنى له.

إن وجود عالم آخر إلى جانب عالم الطبيعة هو المصدر الأساسي لكل دين وفن، فإذا لم يكن هنالك سوى عالم واحد لكان الفن مستحيلا، والمعرفة في الفن لا تُكتسب بطريقة عقلانية علمية وإنما تُكتسب بطريقة حَدسية، وعندما يقوم العلم برسم لوحة فإنه سيرسم وجه قرد ممسوخ يقوم بدراسته دراسة آلية، أما عندما يقوم الفن برسم لوحة فإنه سيرسم دراما وجه الإنسان، فالفن هو ثمرة الروح، وإذا لم يتم الاعتراف بوجود الخلاص والعالم الآخر والروح، فالفن عبث ولا قيمة له وغير موجود أصلا.

علاقة الفن بظواهر الأشياء وبواطنها

الفن يتجاهل ظواهر الأشياء، واهتمامه بالبواطن، والفن التجريدي مثلا يقوم بحذف كل شبه بالعالم الخارجي معطيا للشكل واللون معنى روحيا، وبإقصاء الجانب الروحي بعيدا وبإنكار وجود الحياة الجوانية داخل كل إنسان منا، فإن أعظم اللوحات في العالم تقاس قيمتها بحسب نوع الورق المستخدم في الرسم وثمن الألوان والأصباغ الموجودة على اللوحة.

وروعة الموناليزا لا تكمن في ثمن الألوان المرسومة بها، وإنما تكمن في أنها من أنجح المحاولات لتصوير سر الحياة الجوانية، فالحقيقة الوحيدة التي يعترف بها الفن هي الإنسان وشوقه المستمر للوصول للفردوس والخلود.

الفن بطبيعته وباعترافه بوجود عالم آخر نراه يحمل معاني ثورية، يحمل الكُفر بالعالم المادي، وهذا ما فهمه الرسام الفرنسي الشهير (دي بيفيه) حين قال: (الفن في جوهره غير مريح لا فائدة منه، ضد المجتمع وخطر عليه).

وجوهر الأعمال الفنية غامض غموضا تاما، إنه تمرد دائم على الواقع، اعتراف متكرر بوجود عالم آخر لا ننتمي إليه وسنذهب إليه يوما ما، وجوهر الفن يقوم على اعتراف بمعاناة الإنسان على الأرض وعجزه عن تحقيق الفردوس الذي يبحث عنه في مخيلته، فالفن ببساطة هو ثمرة الصلة بين الروح والحقيقة؛ ولذا عند التدقيق في لوحة فنية عميقة أو عند قراءة رواية رائعة يعتري الإنسان شعور غريب وغامض بالسمو والقداسة ودخول عالم الخلود، فالفن كالدين تماما، كلاهما يعترف بوجود عالم آخر لكن الفن ليس دينا، إنما هو تعبير عن الدين فهو الابن غير الشرعي للحقيقة، بينما تبقى الحقيقة حصرية للإطار الديني.

و الإلحاد لن يفهم أبدا جوهر الفن وطبيعته، فإذا لم يكن هناك روح للإنسان فلمَ إذن نحرص على أن يكون للفن روح؟ وبالنسبة للفنان فلا يوجد شيء اسمه إنسان داروين، ذاك الكائن النمطي الممسوخ البارد، وبالنسبة للفنان لا يوجد شخصان متطابقان، فالإنسان هو كائن متميز ذو سمو روحي.


المصدر: من كتاب/ موسوعة الرد على الملحدين العرب

مواضيع ذات صلة