في عالم الحيوان.. آيات تنطق بالعبر (2-1)

إنها آيات وعجائب في الخلق والتدبير، والتحريك والتسكين، والإحياء والإماتة في عالم البشر، وفي عالم الحيوان وفي عالم البر، وفي عالم البحر، وفي العالم العلوي، وفي العالم السفلي كما قال سبحانه: “إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (الجاثية:3،4).

(مقتطف من المقال)

في عالم الحيوان.. آيات تنطق بالعبر (2-1)

للأوز والبط لها مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة، توائم البحث عن الغذاء في الطين والماء، وعلى جانب المنقار زوائد صغيرة كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش.

قال الله تعالى: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام:38).

وقال الله تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور:45).

الله جل جلاله هو الخلاق العليم، خلق السموات، وملأها بالملائكة التي تسبحه وتقدس له.

وخلق الأرض، وخلق منها الإنسان، وجعله خليفة فيها.

وخلق حول الإنسان مخلوقات عظيمة من الحيوانات، تدب على وجه الأرض.. أو تحلق في جو السماء.. أو تسبح في قعر البحر.

وهذه الحيوانات أمم وقبائل، وأنواع وأجناس، وأشكال وألوان، وذكور وإناث.

وهي أعداد هائلة لا يحصيها إلا الله الذي خلقها ودبرها، والذي يطعمها ويسقيها، وينميها ويعافيها، ويعلم مستقرها ومستودعها.

فهي ساربة منتشرة، في ملكه بأمره سبحانه، تأكل وتشرب من مائدة نعمه الكبرى في هذه الأرض:

فمنها ما يمشي على بطنه.. ومنها ما يمشي على رجلين.. ومنها ما يمشي على أربع.. ومنها ما يطير بجناحيه.. ومنها ما يسبح في البحار والأنهار.

وكلها تسبح بحمد ربها طائعة لخالقها، عابدة ساجدة له، حتى تستكمل آجالها، وتستوفي أرزاقها: “وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” (النحل: 49، 50).

وهذه الحيوانات المختلفة الأجناس والأنواع، والأحجام والألوان.. كل فرد منها معجز في خلقه.. معجز في تصريفه.. معجز في طريقة حياته.. معجز في نموه وتكاثره وولادته.. بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة تحفظ وجوده وامتداده.. وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء.

فسبحان العليم الحكيم الذي يمسك بزمام الأنواع والأجناس، يزيد فيها وينقص بحكمة وتقدير، ويضع في كل منها من القوى والخصائص والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً.

فالإبل والبقر، والغنم والمعز خلقها الله عزَّ وجلَّ لمنافع العباد كما قال سبحانه: “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ” (يس:71 – 73).

فسبحان العزيز الكريم الذي سخرها للإنسان يأكل من لحومها، ويشرب من ألبانها، ويلبس من أصوافها، ويفترش من أوبارها.

وهذه الأنعام قليلة النسل، إذ قلما تلد في السنة إلا واحداً، ولكن الله سبحانه جعل فيها البركة، فهي مع قلتها وكثرة من يأكلها من البشر والسباع إلا أنها أكثر الحيوانات نماءً وكثرةً وبركة ومنافع.

والنسور من الطيور الجارحة الضارية وعمرها مديد، ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير.

وكيف يكون الأمر لو كان للنسور نسل العصافير؟.

إنها ستقضي على جميع الطيور، وتحرم منها بقية الأجناس والبشر.

فسبحان من أكثر من هذا، وقلل من هذا لمصالح عباده.

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية، والفهود كذلك والنمور كذلك.

كيف تكون الحال لو كانت تنسل نسل الشياه والضباء؟.

إنها ما كانت لتبقي على لحم تجده من حيوان أو إنسان.

فسبحان العليم القدير الذي يمسك بزمام مخلوقاته.. فجعل نسل هذه محدوداً بالقدر المطلوب.. وبارك في نسل الضباء والشاء وغيرها من ذوات اللحوم لمصالح ومنافع عباده: “وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ” (النحل:5).

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة بمشيئة الله مئات الألوف، وفي مقابل هذا لا تعيش إلا أسبوعين تقريباً. فكيف لو أفلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنوات؟.

إذاً لكان الذباب يغطي الأجسام والقرى والدور، ويأكل العيون والطعام.

ولكن الحي القيوم العليم بكل شيء أحكم الأمور وفق تقدير محكم، محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف.

فسبحان الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، كما أحسن خلقه وأتقنه.

وسبحان من خزائنه مملوءة بكل شيء، ولكنه حكيم لا ينزل منه إلا بقدر ما يصلح أحوال البلاد والعباد: “وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ” (الحجر:21).

إنها آيات وعجائب في الخلق والتدبير، والتحريك والتسكين، والإحياء والإماتة في عالم البشر، وفي عالم الحيوان، وفي عالم البر، وفي عالم البحر، وفي العالم العلوي، وفي العالم السفلي كما قال سبحانه: “إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (الجاثية:3،4).

إنها آيات ناطقة في عالم الحيوان لكل مؤمن يراها ويتدبرها

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس وتتأثر وتنيب.

اليقين بالله الذي يدع القلوب تثبت وتطمئن، وتتلقى كل ما تراه وتسمعه في الكون في هدوء ويسر، وفي راحة من القلق والحيرة.

والميكروبات مخلوقات عظيمة هائلة الكثرة، فهي أكثر الأحياء عدداً، وأسرعها تكاثراً، وأشدها فتكاً، لكنها أضعف الأحياء مقاومة، وأقصرها عمراً.

وهي تموت بالملايين في كل لحظة بسبب البرد، أو الحر، أو الضوء أو عوامل أخرى.

ولو كانت قوية المقاومة، أو طويلة العمر لدمرت الحياة والأحياء.

فسبحان من بهرت حكمته القلوب والعقول، ومن دبر خلقه بمشيئته وحده لا شريك له.

وسبحان من خلق هذه الخلائق، وأسكنهم في ملكه، وأطعمهم من رزقه: “وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ” (الزخرف:84).

وكل حي وكل كائن من هذه الحيوانات والطيور والحشرات، مزود بسلاح بتقي به هجمات أعدائه، ويغالب به خطر الفناء، في البر أو في البحر، وتختلف هذه الأسلحة وتتنوع.

فكثرة العدد سلاح.. وقوة البطش سلاح.. وبينهما ألوان وأنواع:

فالحيات الصغيرة مزودة بالسم أو بالسرعة للهرب من أعدائها.

والثعابين الكبيرة مزودة بقوة العضل، ومن ثم يندر فيها السام.

والضباء مزودة بسرعة الجري والقفز.

والأسود والسباع مزودة بقوة البأس والافتراس.

والطيور الجارحة مزودة بمخالب ومناقير تمزق اللحوم.

وبعض الأسماك مزودة بمناشير تذبح من يقترب منها.

وهكذا كل حي من الأحياء الكبار والصغار على السواء.

فسبحان من خلقها، ومن دبر أرزاقها، ومن يسر لها القوة التي تدافع بها عن نفسها.

وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه، والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام، الإنسان والحيوان، والطيور والحشرات، كل خلق الله له ما يناسبه، من الطعام والشراب والسكن.

والحيوانات تحصل على أرزاقها التي قسم الله لها بطرق شتى: فمنها ما يعيش على النبات والحبوب كالإبل والبقر والغنم والغزال ونحوها.

ومنها ما يعيش على اللحوم كالحيوانات الكاسرة، والسباع الضارية التي تعيش في الفلاة، ولا غذاء لها إلا ما تفترسه من كائنات لا بد من مهاجمتها، والتغلب عليها كالأسود والنمور، والضبع والفهد، والذئاب والثعالب.

فهذه قد زودها الله بأنياب قاطعة، وأسنان حادة، وأضراس صلبة.

ولما كانت في هجومها لا بد أن تستعمل عضلاتها، جعل الله لها عضلات قوية، وسلحها بأظفار ومخالب حادة، لتتمكن من الاستيلاء على فريستها، وجعل سبحانه في معدتها من الأحماض التي تساعدها على هضم اللحوم والعظام.

وأما الحيوانات المجترة المستأنسة، التي تعيش على المراعي، فهي تختلف فيما زودت به من الآلات، وقد خلق الله أجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة.

فأفواهها واسعة نسبياً، وقد تجردت من الأنياب القوية، والأضراس الصلبة، وبدلاً منها خلق الله لها أسناناً قاصمة قاطعة، فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة، وتبلعها دفعة واحدة، حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات.

ولما كانت هذه الحيوانات هدفاً للسباع، فهي تأكل غذاءها بسرعة وتختفي، ثم تهضمه في وقت طويل جداً، فلو لم تكن مجترة، وبمعدتها مخزن خاص، لضاع وقت طويل في الرعي.

فسبحان من خلقها، ووهبها سرعة الأكل، وهداها إلى تخزينه، ومكنها من إعادته بعد أن يصيب شيئاً من الرطوبة، ليبدأ الطحن والمضغ والبلع.

والطيور الجارحة كالبوم والحدأة والصقر، ذات منقار مقوس حاد، على شكل خطاف لتمزيق اللحوم.

بينما الأوز والبط لها مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة، توائم البحث عن الغذاء في الطين والماء، وعلى جانب المنقار زوائد صغيرة كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش.

أما الدجاج والحمام، وباقي الطيور التي تلتقط الحب من الأرض، فمناقيرها قصيرة مدببة لتؤدي هذا الغرض.

أما منقار البجعة فهو طويل طولاً ملحوظاً، ويمتد من أسفله كيس يشبه الجراب، ليكون كشبكة الصياد، إذ أن السمك هو غذاء البجعة الأساسي.

فسبحان الحكيم العليم الذي يخلق ما يشاء لما يشاء، ويهديه للحصول عليه بما يشاء.

ومنقار الهدهد طويل مدبب، أعد بإتقان للبحث عن الحشرات والديدان التي غالباً ما تكون تحت سطح الأرض.

وإنه ليمكن للإنسان أن يعرف غذاء أي طير من النظرة العابرة لفمه ومنقاره.

أما باقي الجهاز الهضمي للطير فهو غريب عجيب، فلما لم يعط أسناناً، فقد خلق الله له حوصلة وقانصة تهضم الطعام، ويلتقط الطير مواد صلبة وحصى لتساعد القانصة على هضم الطعام.

_______________________________________________

المصدر: بتصرف يسير عن موقع الكلم الطيب

مواضيع ذات صلة