الأم.. صانعة الأئمة والقادة والعظماء

الأم.. نبعُ عطاءٍ متدفق لا ينضب.. حبٌّ لا يعرف الأسباب ولا ينتظر المقابل.. قدرةٌ استثنائية على التضحية لا تماثلها قدرة.. ورغبة متوهجة في دفع أبنائها لطرق النجاح فتنثني أمامها العقبات…

إعداد/ فريق التحرير

الأم

الأم.. نبعُ عطاءٍ متدفق لا ينضب.. حبٌّ لا يعرف الأسباب ولا ينتظر المقابل..

في تاريخنا الإسلامي العريق.. نماذج مشرفة مشرقة لأمهات صنعن بجهدهن وكدهن ومثابرتهن علماء وقادة أناروا للعالم طريقه.. فاللهم بحق عزتك وجلالك أكرم نزل تلك الأمهات.. وبارك في كل أم نذرت حياتها وقوتها وطاقتها لحسن تربية أبنائها…

من بين مئات القصص التي تملأ الكتب والمواقع والمنتديات اخترنا تلك النماذج لنذكر بدور المرأة الأم الرائع في حياة أبنائها…

أم الإمام الشافعي

عندما مات والد الإمام الشافعي، كان وفاء الأم أن تجعل الابن محمد بن إدريس الشافعي إماما، فربته أمه، فكانت بمثابة القوة الدافعة له، تعينه دائماً وتحاول أن تحفزه ليسعى في تلقي العلم، وتوفر له السبل التي تمكنه من هذا.

انتقلت به من غزة إلى مكة؛ ليتعلم القرآن والسنة، وهناك ذهب إل الكُتّاب ليبدأ رحلته العلمية وهو في الثالثة من عمره، فقام بتلقي العلوم وحفظ القرآن الكريم، وفي الرابعة من عمره كان يقوم بمساعدة زملائه في دروسهم.

ظل الشافعي في الكتاب حتى وصل إلى سن السابعة، وعندما خرج منه كان قد حفظ القرآن الكريم كاملاً وتعلم التجويد، وكان يتميز بحلاوة الصوت فكان حين يقرأ القرآن أو يصلي يبكي الناس من جمال صوته وعذوبته.

بعد أن حفظ الشافعي القرآن الكريم وجوَّده، قام بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة، والتفسير، وعندما وصل إلى سن الثالثة عشر كان حافظاً للتفاسير التي قيلت في عصره، كما حفظ الأحاديث النبوية.

ثم أرسلته إلى البادية ليتعلم اللغة العربية، ثم الفروسية والرماية، ثم أرسلته إلى أئمة العصر في ذلك الوقت إلى أن أجازه الإمام مالك للفتوى وسنه 15 عاما!

لم يكن الشافعي يملك الورق ليكتب عليه.. فذهب إلى أمه يشتكي.. فقالت له: لا عليك يا بني.. وذهبت به إلى ديوان الملك حيث يقوم المدون بكتابة ما يريد ثم يرمي الورق.. فكانت تأخذ الورق الذي يرميه الكاتب وتحضره لابنها ليكتب عليه من الخلف.. وكانت إذا رغب الأغنياء في التصدق عليها تطلب أن يتصدقوا عليها بالورق.

ولأم الإمام الشافعي واقعة شهيرة، حينما تقدمت هي وامرأة أخرى مع رجل للإدلاء بشهادة أمام القاضي، فأراد القاضي أن يفرق بينهما، فقالت له: “ليس لك ذلك” ثم ذكرت قول الله تعالي في سورة البقرة: “أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى” (البقرة:282)، فانصاع القاضي لقولها.

ويُحكى أنها أحضرت ابنها بين يدها، وقالت له: “أي بني عاهدني على الصدق، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً”.

أم الإمام سفيان الثوري

 سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث كان وراءه أمٌ صالحة تكفلت بتربيته والإنفاق عليه فكان ثمرتهـا.

 يقول الإمام سفيان الثوري: لما أردتُ طلب العلم قلتُ: يا رب، لابد لي من معيشة، ورأيتُ العلم يضيع، فقلتُ: أفرغ نفسي في طلبه، وسألتُ الله الكفاية (أن يكفيه أمر الرزق)، فكان من كفاية الله له أن قيَّض له أمه، التي قالت له: يا بنيّ، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي.

أم عبد الرحمن الناصر..

الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر الذي حكم الأندلس وأحيا الخلافة الأموية هناك، ثم خاض المعارك والملاحم مع الأوروبيين، وأصبحت قرطبة في عهده مقر خلافة يحتكم إليها أمراء أوربا وملوكها، ويذهب إلى جامعتها طلاب العالم.

سر هذا كله أمه التي ربته، فقد نشأ عبد الرحمن يتيما، فاعتنت أمه بتربيته ورعايته حتى أصبح من أعظم الخلفاء المسلمين في أوربا كلها.

أم محمد الفاتح..

الأم

أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار.. اسمك محمد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كانت أم السلطان محمد الفاتح تأخذه وهو صغير وقت الفجر؛ ليشاهد أسوار القسطنطينية وتقول له: أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار.. اسمك محمد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومحمد الصغير يقول: كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة؟! فترد قائلة: بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس.

أم الإمام مالك

كان السر في نجابة وظهور الإمام مالك يكمن في أمه العاقلة، تلك التي أحسنت توجيه أبنائها، واختارت لهم الطريق السوي، وهيئت لهم أسباب النجاح، وفي قصتها يأخذنا العجب كل مأخذ حين نعلم أن مالكًا الطفل لم يكن يريد أن يتجه إلى العلم، وإنما رغب في أن يتعلم الغناء ويجيده، وبالتالي يصبح مغنِّيًا!!

لكن أم الإمام مالك العاقلة لم ترضَ لولدها ذلك، فبلطفٍ شديد ولباقة جمة، استطاعت أن تصرف ولدها عن فكرته، وأن تختار بديلاً سريعًا لها، وهو العلم.

يقول الإمام عن تلك الحادثة: نشأتُ وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنين، فقالت أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلتَفَت إلى غنائه؛ فدع الغناء واطلب الفقه. فتركت المغنين وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى.

فهذه الأم الفاضلة العاقلة لم تكذب على ولدها وتقول له: إنه قبيح الوجه؛ إذ لم يكن مالك كذلك، بل كان وسيمًا ذا شقرة، وإنما هي أرادت أن توحي إليه بما يصرفه عن عزمه، فقالت قولتها تلك اللبقة المهذبة.

ولم يتوقف دور أم مالك عند ذلك، ولم تكتف بتوجيهه إلى طلب العلم وحسب، بل إنها ألبسته ثياب العلم ووجَّهته إلى من يتعلَّم منه، يقول مالك في ذلك: فألبستني ثيابًا مشمرة، ووضعت الطويلة على رأسي -يعني القلنسوة الطويلة- وعمَّمتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن!! ثم تختار له المعلِّم والأستاذ- وكان أشهرهم آنذاك ربيعة بن أبي عبد الرحمن – فتقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه. ومقصدها بالطبع هو تعلُّم العلم والأدب جميعًا.

وبذلك يبتدئ الصبي الصغير مالك بن أنس مسيرته الطويلة في طريق العلم حتى يصير إمامًا فذًّا من أئمة المسلمين، فيكون أثمن عطية، وأغلى هدية، من أم فاضلة تجيد التربية وتحسن التوجيه..

أم الإمام البخاري

في سنة 194هـ شهدتْ مدينةُ بُخارى ولادةَ طفلٍ، فرحَ به أبوه وسمّاه “محمداً” وكان قد سمَّى أخاً له مِنْ قبل “أحمد” تبرُّكاً باسمِّ النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان هذا الأب ويُسمَّى “إسماعيل” رجلاً صالحاً ورِعاً، حجَّ إلى بيت الله، وزار النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورأى إمامَ دار الهجرة مالك بن أنس، وروى عنه بعضَ الأحاديث.

ولم يلبثْ أنْ أدركهُ الموتُ قبل أنْ يشبَّ “محمد” فقال – وهو على فراش الموت – كلمةً تدل على تديُّنهِ الصادقِ، وورعهِ الشديد، قال: إنّه لا يعلم في مالهِ درهماً مِنْ حرام، ولا درهماً مِنْ شبهة.

وانتقل إلى ربه، وهو مطمئنٌ على أجسادٍ نبتتْ من الحلال أنَّ الله لنْ يضيِّعَها.

واحتضنتْ زوجةُ إسماعيل ولديها، وقامتْ عليهما أحسنَ قيام، ولكن حصل ما كدَّرَ عيشَها، فقد ذهبَ بصرُ “محمد” ابنِها الصغير، وبات لا يرى شيئاً، وهنا ألهمها المُلهمُ الكريمُ الذي لا تُغلقُ أبوابُه، ولا يُسْدلُ حجابُه، ولا تنقطعُ عطاياه ولا تنفدُ مواهبُه، ألهمها كما يُلهِم القلوبَ المنكسرة والنفوسَ الضارعة، أنْ تلجأ إليه، وتتوسل بكرمه وجوده.

واستجابت أمُّ محمد لإلهام ربِّها ونداء قلبها، وكانت إذا أسدلَ الليلُ أستارَه، وأخلد محمدٌ وأخوه إلى النوم، وحلَّ السكونُ على بخارى، كانت تقومُ فتتوضأ وتقفُ بين يدي مولاها باكيةً داعيةً شاكيةً إليه ما نزَلَ بعيْنَي “محمدٍ” مِنْ عمى، وما نزَلَ بقلبها مِن همٍّ، وما نزَلَ بالبيت مِنْ حُزن.

وذات ليلةٍ قامتْ أمُّ محمد فصلَّتْ ودعتْ، ودعتْ، وألحّتْ في الدعاء، ثم أدركتها سِنةٌ من النوم، وإذا بها بإبراهيم الخليل عليه السلام يقولُ لها: يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك.

واستيقظتْ وقلبُها يخفقُ من هذه الرؤيا وبشارتِها ووضوحِها، وجلستْ تنتظرُ الصباحَ بفارغ الصبر.

وأُذِّنَ لصلاة الفجر، وأيقظتْ أمُّ “محمد” ولديها للصلاة، وهنا كانت المفاجأة ورأتْ صدقَ الرؤيا.. لقد أبصرَ “محمد” وقام يتوضأ وحده، وبكت الأمُّ وسجدتْ شاكرة.

عكفت الأم على حث ولدها على التعلم والصلاح، وتزيين أبواب الخير له، بل وترحل به وهو في سن السادسة عشرة إلى مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع، ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع ويكون هو البخاري، ولتُعلِّم أمهات المسلمين -والأرامل منهن خاصة- كيف تكون تربية الأبناء، وما دور الأمهات في جهادهن لرفعة الأمة والنهوض بها!

أم الإمام أحمد بن حنبل

“حفظتني أمي القرآن وأنا ابن عشر سنين وكانت توقظني قبل صلاة الفجر وتُحمي لي ماء الوضوء في ليالي بغداد الباردة، وتُلبسني ملابسي، ثم تتخمر وتتغطى بحجابها، وتذهب معي إلى المسجد؛ لبعد بيتنا عن المسجد ولظلمة الطريق”.

وُلد أحمد بن حنبل يتيما حيث توفي أبوه وهو في بطن أمه، وعندما يتحدث عن أمه بهذه الطريقة فهو يقر بفضلها ويفتخر بأمه التي تولت تربيته وتنشئته حتى صنعت منه رجلاً عظيماً.

وكانت صفية الشيبانية والدة الإمام صوامة قوامة، وقد اعتادت على إيقاظ ابنها لصلاة الليل قبل الفجر ليصليا سويا وردهما من الليل.

ولما بلغ الإمام عامه السادس عشر أوصته أمه بالسفر لطلب علم الحديث باعتباره هجرة في سبيل الله، وعلى عكس غالبية الأمهات؛ لم تتمسك الأم بابنها الوحيد ولم تثبط عزيمته بل سلمت الأمر لله وأخذت توصيه بالإخلاص في الطلب وبتقوى الله عز وجل.

وعندما بلغ السبعين من العمر لم تنسه السنون بره بأمه وبأرحامها وأقاربها، بل لم يتوقف عن ثنائه عليها، ويحدث الناس عن أمه فيقول: رحم الله أمي، كلما تهيأت لصلاة الفجر تذكرتها، فقد كانت تجهز لي ثيابي ووضوئي وتقف على الباب حتى ترى الخيالة (شرطة الأمن) فإذا رأت الخيالة اطمأنت وأطلقتني ودفعت إليّ فطوري، وأوصتني بالدرس بعد الصلاة.

ومما ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل قوله: بر الوالدين كفارة الكبائر، وقد عاش حياته يترجم هذا القول إلى واقع من شدة بره بأمه وحبه لها.

أم أسد الله صلاح الدين الأيوبي

كانت ولادة صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب قد صادفت إجبار أبيه على الخروج من مسقط رأسه في تكريت فتشاءم أبوه منه.. لكن عند وصوله الي الموصل عند عماد الدين زنكي جعل الوليد الصغير ينشأ في رعاية والدته نشأة مباركة علي حب الفروسية والتدرب على السلاح حتى أن أمه كانت تناديه: يا أسد الله يا سيف الله.. وبالفعل نما الطفل علي حب الجهاد وقراءة القرآن وحفظ الحديث الشريف وتعلم اللغات.

وتحول الطفل الذي كان مصدر تشاؤم أبيه لطرده من الوطن إلي ملك عظيم حرر القدس الشريف من أيدي الصليبيين وكون دولة إسلامية قوية.

أم زيد بن ثابت

 كان زيد بن ثابت رضي الله عنه طفلاً صغيرًا، واشتاقت نفسه للجهاد وهو بعدُ ابن ثلاثة عشر عامًا، وحين حاول أن يخرج للحرب في بدر، ردَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسبب صغر سنه، وعندها رجع إلى البيت يبكي بسبب عدم مشاركته المسلمين في الجهاد، ولما رأته أمه على هذه الحالة لم تطيب خاطره بكلمات وكفى، فإنها كانت تدرك بعمق مواهبه وإمكاناته؛ فلفتت نظره إليها وقالت له: إن لم يكن باستطاعتك أن تجاهد بالسيف والدرع كما يفعل المجاهدون في المعركة، فباستطاعتك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام بالعلم الذي عندك!!

لقد كانت القراءة والكتابة مَزِية لدى زيد رضي الله عنه، فوق أنه يحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم.. وهذا مجال يتفوق فيه على غيره، وهكذا استطاعت الأم الواعية الفاهمة أن تفتح لصغيرها بابًا آخر، بعد ما أُغلق أمامه باب الجهاد مؤقتًا.

وحين ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه إمكانات ولدها، وما يمتلكه في غير مجال الجهاد والحرب، اختبره صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ولما علم قدراته وطاقاته قال له: (اذهب فتعلَّم لغة اليهود؛ فإني -والله- ما آمنهم على كتابي).

فذهب زيد وتعلم لغة اليهود في أقل من سبع عشرة ليلة!! ولعله كان عنده بعض الخلفية عنها، واستطاع خلال الأيام السبعة عشر أن يُتم تعلمها وإتقانها.

وبعد ذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من كَتَبَة الوحي، وكفاه شرفًا بذلك، حتى إنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أوكل إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه مهمة جمع القرآن، وكان عمره وقتئِذٍ ثلاثًا وعشرين سنة!!

فلكم نبغ ذلك الطفل!! ولكم أفاد الأمة الإسلامية!! وكان ذلك ثمرة أمٍّ مسلمة استطاعت أن تهب الأمة أعظم ثروة، فتُرى إذن: كم يكون أجرها ومكافأتها عند الله!!

أخت الحافظ ابن حجر.. أم بعد الأم!

فقد ربّته أخته سِتّ الرَّكب بنت علي بن محمد بن حجر، قال ابن حجر عنها: كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي..

_________________________________

أبرز المصادر:

1-شبكة الألوكة الشرعية

http://www.alukah.net/culture/0/99205/

2-قصة الإسلام

http://bit.ly/2DGBAn7

3-تبيان

https://tipyan.com/immortals-mothers-in-islamic-history-better-than-thousands-of-men-2/

4-رسالة المرأة

http://woman.islammessage.com/article.aspx?id=15405

5-قصة الإسلام لايت

http://bit.ly/2ucEYXq

مواضيع ذات صلة