التزم بالحوار الجاد أثناء المناظرة، ولا تسمح للملحد أن يُفقد الحوار قيمته بكثرة التشغيب والصراخ، ومزج المواضيع والتنقل بينها كيف شاء…
(مقتطف من المقال)
نور الدين قوطيط
هذه مجموعة من النصائح الذهبية، استخلصتها من مطالعاتي في الإلحاد، وحواراتي مع الملاحدة، أقدمها لكم أخوتي عسى أن تنتفعوا بها:
- تذكر أنّ غايتك من الحوار والمناظرة هي هداية الملحد وتبيين زيف ادعائه بأدلة العقل الصريح والعلم الصحيح، أي أن تكشف له عن تجليات الحقائق في الدين، في الحياة، في الكون، في المصير بعد الموت.
هذه الغاية النبيلة تُحتم عليك توخي الحذر من الشرك الخفي، أعني: الغرور، العجب، الرياء، السمعة، وغير هذا من الموبقات الباطنة التي تدمر علاقة الإنسان بالله تعالى.
أي تحتم عليك الإخلاص لله تعالى في هذه الغاية النبيلة والهدف العظيم. ذلك لأنّ الإخلاص لله تعالى يمنحك قوة من الله تعالى وبصيرة واضحة. قال الله تعالى: “قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ” (الزمر:11).
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). رواه مسلم، وفي رواية ابن ماجه: (فأنا منه بريء وهو للذي أشرك).
ولهذا ما زال العلماء يحذرون من المناظرات إلا للضرورة القصوى ولمن هو أهل لها، وذلك لأنّها مزلة الأقدام في مهاوي البعد عن الله، بسبب صعوبة الإخلاص وتطهير النفس من أهوائها في مثل هذه المواقف.
إنّ حب الظهور بأنّك واسع الاطلاع، قوي الحجة، مُفحم البرهان، هوى متغلغل في أعماق النفس، ولا يستطيع التخلص منه إلا الواحد بعد الواحد. وليت شعري ما قيمة مجهوداتك إذا ذهبت سدى ولم يكن له قيمة عند الله تعالى؟! وتذكر أنّك عندما تسمح للأنا بالتضخم فيك وللشهوات الخفية بالسيطرة عليك، فذلك يعني أنّك ترضى أن يكلك الله تعالى إلى نفسك، ويعني أنّك ترضى أن تكون للشيطان وليًّا.
إذن قبل أي مناظرة وحوار صحح نيّتك لله تعالى وطهر قلبك من كل الأخلاق المرذولة، فعدم الإخلاص لا يثمر ثمرة حتّى لو بذل صاحبه من الجهد ما عساه أن يبذل.
- كن ذا أدب جميل وأسلوب راق، واختر كلماتك بعناية. فحسن الأدب وجمال الأداء في عرض الأفكار له تأثير قوي على النفس، ولو لا شعوريًّا. ولهذا أمر الله سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم أن ينهج هذا النهج مع أعتى طاغية عرفه تاريخ البشريّة، فقال: “فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ” (طه:44) أي أن «تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع» [تفسير ابن كثير].
لكن هذا القول ليس يعني الليونة المائعة والاستخذاء والتنازل عن الحق بدعوى تبليغ الدعوة، فإنّ بعض النماذج لا يليق معها إلا الشدة في القول والغلظة في الفضيحة والبيان الكاشف في التناقض والتهافت.
كما أنّ هذا ليس يعني التخلي عن قواعد الدين ومصطلحات وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقيّة كما وردت في القرآن والسنة، بدعوى تأليف الملحد وتقريبه. فالحق أحق أن يتبع، والانضباط بمبادئ الشريعة ومصطلحاتها أهم شيء بالنسبة لك كإنسان مسلم، لأنّ غرضك هو هداية الملحد ولكن في إطار الدين الرباني.
وتذكر أنّ التخلي عن مبادئ الدين وإلغاء مصطلحاته أثناء الحوار، سيوقعك في متاهات أو حرج شديد. ولهذا قال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم توجيهًا له في محاورة بعض نماذج الكفر والنفاق: “فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا” (الفرقان:52).
أي جهاد الحجة والبرهان بلا كلل ولا فتور. كما أنّ دعوى أنّ بعض الملاحدة مغرمون بالشتم والسخرية، تسمح لك أن تنزل إلى مستواه. فأنت تمثل الحق والعدل والجمال، فكيف تكون مثله؟!
- تعمق إلى أقصى ما تستطيع في العلوم الشرعية: القرآن والسنة، وكل ما تفرّع عنهما من العلوم المختلفة، إما على يد علماء متعمقين في ذلك أو على كتبهم الصحيحة: القديمة والحديثة، والفكر الإسلامي المعاصر ومدارسه، وأنصحك بالتركيز (ولا أقول إهمال الباقي) على: قواعد التفسير وأصوله، قواعد الفقه وأصوله ومقاصده، قواعد الحديث وأصوله. فهذه الدراسة هي عدّتك وسلاحك الأقوى، وبذلك لن يستطيع الملحد أن يخترق نظامك الإدراكي لدينك.
وإلا فمن رام الدعوة إلى الإسلام وإفحام الملحد وهو جاهل بدينه، إلا من تلك الخلاصات والمقالات التي يجمعها من هنا وهناك، فهذا أقرب لأن ينخلع هو نفسه عن ربقة الدين، بعد أن تتهاطل عليه شبهات وإشكالات الملاحدة. على أنّ هذا القول ليس يعني دراسة الدين بنيّة إفحام الملاحدة، بل يجب أن تكون الدارسة أولًا وآخرًا لتنوير العقل، وفهم مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بتعاليم القرآن والسنّة. إذ أن الواجب في الدعوة هو دعوة نفسك الشخصيّة، قبل دعوة الآخرين.
- توسع في الثقافات والمعارف والعلوم إلى أقصى ما تستطيع، ولكن مع احترام الأوليات. فذلك سيزيدك بصيرة واضحة بدينك، ومكامن القصور والخلل والباطل فيما عند الآخرين، كما أنّه سيزيد حجتك قوة وبراهينك مناعة، بحيث لا يستطيع الملحد أن يزيّف أمامك أي فكرة.
ولهذا لا تقتصر في الدارسة والمطالعة على علوم الشريعة المختلفة، بل وسّع دائرة اهتماماتك لتشمل الثقافات والعلوم المعاصرة: علم النفس، الاجتماع، الحضارة، الفلسفة، الفيزياء.. إلخ. فإذا كانت علوم الشريعة هي الأساس والقواعد، فإنّ هذه الثقافات والعلوم لا شك أنّهم تفسح لك المجال لفهم دلالات الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة بشكل أكثر رحابة، وتعطيك القدرة على رؤية مكامن القصور والخطأ في الفكر الإلحادي.
- التزم بالحوار الجاد أثناء المناظرة، ولا تسمح للملحد أن يُفقد الحوار قيمته بكثرة التشغيب والصراخ، ومزج المواضيع والتنقل بينها كيف شاء، أي أن يحول مسار المناظرة من الوصول إلى الحق إلى مسار المناظرة لأجل المناظرة فقط وكثرة الصراخ والتشغيب، فهذه هي خطتهم مع من يحاصرهم بالأسئلة والإشكالات، كما أنّ هذا يعني أنّه يجب عليك أن تحدد بشكل صارم مع الملحد الموضوع الذي تريدان الحوار فيه والمناظرة حوله، والامتناع بشكل مطلق عن الخروج عنه.
وأيضًا هذا يعني أنّه يجب عليك أن تحدد معه المرجعية التي تحتكمان إليها وترضيان بأحكامها وتلتزمان بقوانينها، وفي حالتك من الطبيعي أن يطالبك بأن تكون المرجعية هي: العقل والعلم. فالتزم له بذلك، إلا أنّك ستجده بشكل تلقائي يكفر بأحكام العقل ومقررات العلوم، لأنّها ببساطة تناقض فكره الإلحادي.
ولهذا عندما تجد أنّ المناظرة فقدت قيمتها وانحرف مسارها وكفر محاورك بالمرجعية المتفق عليها، فأنصحك يا أخي أن تعلن انسحابك منها، ليس لأنّك ضعيف الحجة، قليل الحيلة، بل لأنّ ذلك تعظيم لله تعالى، وتقدير لعقلك، واحترام للحقيقة أن تتشوه في حوار عقيم.
*طالع أيضا:
محاورة الملحدين.. اقتراب من الخطر بوعي وحذر!
المصدر: بتصرف يسير عن شبكة الألوكة الشرعية