الكاتب: محمد بن علي بن إبراهيم العرفج
إن من محاسن الإسلام أنه نظام شامل كامل مصلح للخلق في أمور الدين والدنيا، فلقد بعث الله محمداً –صلى الله عليه وسلم- وشرع له من الدين ما وصَّى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم –عليهم السلام-، فقد أعطى كل ذي حق حقه، ففي مقام نظام العبودية جعل العبادة لله وحده لا شريك له، لأنه هو الخالق وحده، فيجب أن تكون العبادة له، وهو المحبوب المعظم لذاته سبحانه، فوجب أن يكون القصد والعمل له وإليه.
فالسجود والركوع والذبح على سبيل العبادة والتقرب لا يصح إلا لله، فمن سجد أو ركع أو ذبح لغيره تعظيماً وتقرباً إليه فهو كافر بالله ومشرك به، وفي مقام الحرب والسلم سماه الله تعالى سلماً لأنه متضمن للسلم، فلا عدوان ولا ظلم، لكن من قام في وجه الدين والدعوة إليه وجب قتاله، يقول تعالى:”قَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ“(البقرة:193).
فغير المسلم إذا أدى الجزية صاغراً ذليلاً ورضخ لأحكام الإسلام فإنه معصوم الدم والمال، يعيش في أمانٍ تحت ظل الإسلام وحماية المسلمين.
مكارم الأخلاق
وفي مقام الوحدة والصمود أمام العدو يأمر بالاتحاد والأخوة وعدم التفــرق، ذلك لأن التـفرق ســـلاح فتاك، يوجــب خللاً للصفــوف وتباين الأهداف والأغراض. وفي ذلك يقول سبحانه:
“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (آل عمران:103).
فالوحدة الإيمانية الدينية هي الوحدة النافعة التي يجتمع أفرادها جماعات في الدفاع عن عقيدتهم والاشتراك في الدين والعقيدة هو أعظم مقومات الوحدة.
وقد شرع سبحانه للناس من الأمور ما تنعم به هذه الوحدة، فالصلوات الخمس جماعة في المساجد وحدة خاصة لأهل المحلة المقاربة، وصلاة الجمعة وحدة أهم منها لأهل البلد، ويوم عرفة وعيد النحر وحدة عامة للمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، مع ما في هذه الاجتماعات من المصالح العظيمة الأخرى.
وفي مقام المعاملة بين الخلق تظهر محاسن الإسلام، وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، فللنفس حق يجب أن تعطاه، وللأهل حق يجب بذله لهم، وللأصحاب حق يجب أن لا يحرموه، ولمن تعامله حق يجب أن تعامله به، فعامل غيرك بالصدق والبيان والوضوح عملاً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري ومسلم) وإياك أن تعامله بالكذب والغش «فمن غشنا فليس منا» (البخاري ومسلم)
ومن محاسن الإسلام في مقام المعاهدات بيننا وبين غيرنا أن الإسلام يأمرنا بالوفاء، وينهانا عن الغدر والخيانة، حتى الكفار إذا كان بيننا وبينهم عهد وجب علينا الوفاء به، فإن خفنا من غدرهم فإننا لا نخونهم، بل نخبرهم بأنه لا عهد بيننا وبينهم.
وفي ذلك يقول سبحانه: “وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ” (الأنفال:58)
والإسلام يأمرنا بغير ما ذكر وبجميع مكارم الأخلاق جملة وتفصيلاً، وينهى عن مساوئ الأخلاق جملة وتفصيلاً.
ومن تأمل الإسلام حق التأمل وجده الدين الحق الكفيل بالسعادة في الدنيا وفي الآخرة للأفراد والشعوب والحكومات، فهو الدين الذي يجب أن نتمسك به وندعو إليه.
محاسن الإسلام
إن من محاسن الإسلام أنه دين الرحمة ودين العدالة ودين العبادة والمعاملة، هدى الله به أقواماً عملوا به جملةً وتفصيلاً، وأضل عنه آخرين أعرضوا عنه، وفي ذلك يقول سبحانه: “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ” (طه:123-126).
إن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين، وإن الإسلام هو الاستسلام لله ظاهراً وباطناً استسلاماً تاماً لا تواني فيه ولا كسل، وما أيسر ذلك على من يسره الله عليه.
إن الدين الإسلامي بريء من كل ما يصفه به أعداؤه، فهو دين الحق والعدالة والحرية الحقة، إنه دين اليسر والسهولة: دين السعادة والتقدم.
فمن استعرض أصول الشريعة وجدها سهلة ميسرة، فالإسلام مبني على خمسة أركان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً.
وهذه الأركان كلها سهلة ميسرة وإصلاح وتهذيب، فشهادة أن لا إله إلا الله.. توحيد لله، وتجريد للقلب من التَّأله والعبادة لأحد سوى الله سبحانه، وحصر العبادة لله رب العالمين، الذي خلقنا فسوانا وهدانا وغذانا بنعمه، إن بعض الناس هداهم الله إذا اشتغل بطاعة الله لا يصبر عليها إلا قليلاً مع قلق في نفسه وانشغال في قلبه، وإذا انشغل بدنياه أقبل عليها بقلبه وفكره واطمأن إليها واستراح بها، فهو كامل العبودية لدنياه وهواه، وناقص العبودية لمولاه.
وأما شهادة أن محمداً رسول الله فهي تجريد المتابعة له دون غيره من المخلوقين، فهو رسول رب العالمين، الذي كُلف بالرسالة إلى الثقلين الجن والإنس، فرسول الله يسأل عن البلاغ، والأمة تسأل عن الاتباع، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: “فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ” (الأعراف: 6).
وأما الصلاة فما أيسرها وأسهلها، وما أنفعها للقلب والبدن والفرد والمجتمع، فهي صلة بينك وبين ربك، لا تأتيها إلا وأنت متطهر في ظاهرك وباطنك، فتقوم بين يدي ربك خاشعا خاضعاً متقرباً إليه بما شرعه لك فيها من ذكرٍ وقراءةٍ وركوعٍ وسجودٍ وقيامٍ وقعودٍ، تسأله لدنياك وآخرتك، فهي تنمي الدين، وتحط الذنوب، ويستعان بها على أمور الدين والدنيا، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ” (العنكبوت:45).
وأما الزكاة فهي جزء يسير تدفعه من مالك لسد حاجة إخوانك وإصلاح مجتمعك، ففيها تزكية المال، وتطهير النفس من البخل الذميم، وتطهير القلب من الذنوب والآثام، فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار قال تعالى:”خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا” (التوبة:103).
وأما الصيام فهو شهر واحد في السنة يذكرك بأعظم نعمة من الله عليك، شهر نزول القرآن يمتنع فيه المسلم عن شهوات النفس من طعامٍ وشرابٍ ونكاح: تقرباً إلى الله، وتقديماً لمرضاته مع ما فيه من الفوائد الدينية والجسمية والاجتماعية والطبية.
وأما الحج هو قصد بيت الله لإقامة شعائره وتعظيم حرماته، لا يجب في العمر إلا مرةً واحدةً على المستطيع، تحط به الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، مع ما فيه من تعارف المسلمين في أقطار الدنيا واجتماعهم وتعليمهم وإرشادهم، هذه أصول الإسلام وأركانه، فهي شريعة الله وحكمه: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة:50).
إن الإسلام مفخرة لأهله وعز وكرامة في الدنيا والآخرة، وبه التقدم الحسي والمعنوي، ومن تأمل ونظر تاريخ صدر الإسلام حينما كان المسلمون متمسكين بالإسلام ظاهراً وباطناً، ولم تغرهم الدنيا، ولم يغرهم بالله الغرور وجد العز والتمكين لهم على غيرهم.
______________________________
المصدر: من كتاب “لمحات من محاسن الإسلام ” للكاتب