“بعد أن تحدث الباحث/ عبد الله العجيري في الجزء الأول من الحوار عن الإلحاد بشكل عام وكونه بات يمثل ظاهرة في عالمنا العربي بشكل خاص أم لا، إلى جانب تسليطه الضوء على صور الإلحاد الجديد وقضية التقية الاجتماعية التي تقف خلف تستر بعض الملحدين، وتلميحه للدعاة بضرورة سد الثغرات في الخطاب الدعوي الموجه للملحدين.. يستكمل العجيري في الجزء الثاني الحديث معددا سمات الخطاب الإلحادي الجديد، وصور التجديد في الخطاب العقدي المواجه، ووضع مجموعة من الضوابط لعلاج الظاهرة بأكملها”[1]
حوار/ علاء الدين علي
- ما هي سمات خطاب الإلحاد الجديد عن سابقه؟
تميز الإلحاد الجديد إجمالاً بست سمات:
الأولى: الحماسة في الدعوة للإلحاد بعدما كان الإلحاد شأناً ذاتياً، ومن مظاهر هذه الحماسة للدعوة للإلحاد تأليف سيل من الكتب الإلحادية وتصدرها قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، ولم تنجُ حتى كتب الأطفال من هذه الموجة، حيث كتبت عدة مؤلفات إلحادية للأطفال والمراهقين .. وأيضاً امتدت هذه الموجة للبرامج الفضائية والإذاعية وحتى برامج رسوم الأطفال المتحركة.. وتوج ذلك بظهور عدة مؤسسات للملحدين ترعى هذه الدعوة من خلال اللوحات الإعلانية على الطرقات أو المنتجات المختلفة من الملابس والأدوات.
والسمة الثانية: عدائية الخطاب، حتى قال أحدهم: (ذهبت أيام الإلحاد المؤدب)، وذلك باستخدام أبشع الصفات والنعوت تجاه المقدسات، وما نراه في كتابات بعض الملحدين العرب هو انعكاس لتلك الروح العدائية، وهذه العدائية من نقاط الخلاف بين الملاحدة الجدد والقدماء المعترضين على المبالغة في الإهانة والاستهزاء بالمتدينين.
السمة الثالثة: استعمال أداة الإرهاب في حرب الأديان، وذلك بربط كل المشاكل والشرور في العالم بمتدينين كانوا وراءها، ومن ثم الخروج بقانون (كل الشرور دينية)، لدرجة أنهم اعتبروا الاتحاد السوفييتي متديناً ولذلك كان متخلفاً ثم انهار!.
السمة الرابعة: الهجوم اللاذع على دين الإسلام، فبرغم أن الإلحاد الجديد ظهر في الغرب، وهو يصطدم بشكل أساسي مع المسيحية، إلا أنهم يخصّون الإسلام بقدر خاص من عدائهم وعدوانهم، ولذلك تنتشر في إصداراتهم الطعن بالمصطلحات الإسلامية، وأيضاً تجد احتفاءهم المبالغ فيه برموز الإلحاد الإسلامية مثل آيان هرسي المرتدة الصومالية، وحمزة كاشغري السعودي.
السمة الخامسة: هي جاذبية الإلحاد الجديد، فعلى عكس الإلحاد القديم الذي كان يقوم على جانب فلسفي ونظري، فإن الإلحاد الجديد أصبح (موضة)، وأصبح لرموزه معجبون وعشاق يتابعون أخبارهم ويعلقون صورهم ويطلبون توقيعاتهم، مما جعل الحالة تكاد تصل للتقديس أو علاقة المريد بشيخه!.
السمة السادسة: المغالاة الشديدة في قبول العلوم الطبيعية التجريبية، حتى وصلت هذه المغالاة لدرجة (الهوس والخرافة والدوغمائية)، والتي ألحدوا هروباً منها عند المتدينين! ويمثل هذا بتحميل العلم ما لم يثبت بعد لتقرير إلحادهم.
- هل نحتاج تجديد الخطاب العقدي، رداً على الملحدين، خاصة وأن كلمة “التجديد” لقيت انتقادات كثيرة في التجديد الفقهي والدعوي، فكيف بالعقدي؟
طبعاً أنا أدعو إلى “التجديد”، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بخلقه، فقد روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).
فلفظة “التجديد” ليست لفظة جديدة أو دخيلة على التصور الإسلامي؛ فالتجديد هو إحياء ما اندثر من الإسلام، وأعتقد أن (التجديد على مستوى الوسائل) ليس به إشكال، لكن الإشكالية في التجديد تكمن في الخروج على المفاهيم الأولية للدين؛ فالتجديد هو إحياء للمفاهيم الأولية التي أتى بها النبي (صلى الله عليه وسلم.. هذا على مجرد اللفظ).
وأعتقد أن مسارات التجديد في الجانب العقدي متنوعة وكثيرة، وصعبة الإحاطة، وأسعى في طرح هذه الرؤية في تحريك الأجواء داخل الوسط الشرعي والعقدي، بمناقشة ما هي الجوانب التي نحتاج أن نجدد فيها الخطاب العقدي ..
ومن هذه القضايا العقدية على مستوى الوسائل، عندنا قضايا عقدية مثل (فكرة وجود الله تعالى) الاستدلال لهذه الفكرة ليس توقيفياً، بمعنى لو أن الدليل كان صحيحاً مفضيا إلى إثبات هذه القضية العقدية فهو دليل صحيح وإن لم يكن وارداً في الكتاب والسنة، فلا يشترط توقيف الدليل المعين، وهذا مما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، مع التنبيه على أن أجل وأعظم الأدلة الدلالة على القضية هو ما احتواه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
مسارات تجديد الخطاب المواجه لأفكار الإلحاد الجديد
مسارات التجديد التي يمكن أن أقترحها ..
المسار الأول: هنالك مصطلح جميل في الأجواء الفقهية عنوانه “النوازل الفقهية”، فهناك كثير من المستجدات في المجال العقدي وفق هذه اللافتة وهذا العنوان “النوازل العقدية”، وهناك أسئلة تحتاج الإجابة عليها ..
المسار الثاني: نحتاج إلى استخدام بعض الأمثلة المُقرِبة لبعض المسائل العقدية، وهذه الأمثلة مفيدة ومقنعة وضرورية.. فعلى سبيل المثال في سياق البرهنة على استحالة ظهور الحياة إلى الوجود صدفة من غير خالق حكيم عليم، يمكن الاستعانة بالأمثلة المعبرة والمقربة لمدلول مفهوم الاستحالة هنا، كقول بعضهم في توضيح حجم الاستحالة من تولد التركيب والتعقيد في هذا العالم من خلال الصدفة المحضة بأن الأمر أشبه بإعصار ضرب ساحة خرداوات فكونت لنا طائرة بوينج 747 قابلة للطيران..
وكفكرة أن الظواهر المركبة المعقدة التي تستدعي وجود أجزاء تعمل معاً بشكل متناغم بحيث إذا اختل منها جزء اختل النظام بأكمله تدل على أنها وجدت هكذا دفعة واحدة، وهو ما يستدعي وجود مصمم صممها على هذا النحو، لا أنها تطورت من أشكال بسيطة لتصل إلى الأكثر تعقيداً، إذ هذه الظواهر غير قابلة للتبسيط والاختزال.
ومن المفاهيم التي يمكن استثمارها في المجال العقدي مفهوم الضبط الدقيق لهذا الكون، فعند التأمل في الكون فستجد أن ثمة سننا وقوانين وثوابت معايرة ومضبوطة بشكل دقيق جداً من أجل أن توجد الحياة، وأن اختلال أي ثابت من هذه الثوابت عما هو عليه يؤذن بخراب عظيم.
فوجود هذه الثوابت يستدعي سؤالا، كيف وجدت هذه الثوابت؟ هل هناك من ضبطها على هذا النحو الدقيق؟ أم أنها من قبيل الحتميات الضرورية؟ أم وجدت هكذا بالصدفة المحضة؟
المسار الثالث: وهو في نظري مهم جدًا، تجديد صيغ وقوالب بعض الأدلة العقدية في هذا الباب، وممارسة شيء من العصرنة اللفظية لها، والاستفادة مما استجد من المعارف والعلوم، خذ هذا المثال، في طبيعة الدرس العقدي فإن ألصق المباحث العقدية بقضية الإلحاد مبحث “توحيد الربوبية”..
وهو مبحث يُعنى أصالة بالجواب عن سؤال: هل رب هذا العالم واحد أم متعدد؟، في حين أن السؤال الذي يفرضه الإلحاد متعلق بوجود الرب أصلاً، والحق أن سؤال وجود الله تعالى سؤال ناقشه الوحي كما في قوله تعالى: “أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ” (الطور:35)، وأنه سؤال ينبغي الاهتمام به بحسب تمدد إشكالياته في الواقع، وأحسب أن طالب العلم اليوم خصوصاً المختص في المجال العقدي يلزمه التعرف على مختلف الأوجه الدلالية على وجود الله تبارك وتعالى، وطرائق البرهنة عليه، والرد على الاعتراضات، على نحو محكم ومرتب، لا أن تكون هذه المعرفة معرفة مجملة مختصرة لا تفي بالمطلوب.
- هل ترى أن (القوانين) والمتابعة الأمنية، وما يترتب عليها من عقوبات يعتبر حلاً ناجحا، أم أنت من دعاة أن الفكرة لا توأد إلا بالفكرة ونشر الوعي؟
برأيي أن الخيار ليس إما أن نشتغل على المسار الاجتماعي ونشر الوعي، أو بالإلزام القانوني وما يترتب عليه من عقوبات .. أقول: أن المنظومة التشريعية في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) واضحة في هذا الباب، أنهما يمكن أن يسيرا كلٌ في مساره..
شيء طبيعي أن يكون هناك أحكام شرعية وضعها الإسلام للحد من الظواهر التي تدمر المجتمع كالسرقة، وشرب الخمر، والزنا، والذي أعتقده أن وجود الخطاب المقنع الذي يمارس دور التوعية؛ مطلوب ومهم، ويؤدي دوره ورسالته، ولكن كذلك في المقابل في وجود النظام السياسي الإسلامي الراشد ليس بمسموح أن يعطى الباطل حقوقا، بل لابد من اتخاذ ما يبطله و يدحضه.
- دعنا نختم هذا الحوار الماتع بتلخيص للضوابط المطلوبة لعلاج ظاهرة الإلحاد الجديد :
أعتقد أن الضوابط للعلاج تتمثل في ست نقاط:
أولاً: ضرورة تحري الصدق والعدل والموضوعية في تناول الإلحاد، لأن هذا أدعى للقبول وحتى لا يكون هذا مدخلا للطعن في الإسلام.
ثانياً: عدم تسطيح الظاهرة الإلحادية، وذلك بعدم فهم شبهة الملحد والاجابة بجواب ناقص.
ثالثاً: تجديد الخطاب العقدي لعلاج الإلحاد؛ لأن الإلحاد المعاصر تطور عن الإلحاد القديم، وأصبح يعتمد على ركائز جديدة، لا يصلح معها العلاج القديم، ولابد من الاستفادة من العلوم العصرية لإبطال شبه الملاحدة.
رابعاً: ضرورة تقديم رؤى نقدية هجومية للإلحاد، وعدم الاكتفاء بالدفاع، لأن الإسلام والإيمان هما الحق، والإلحاد هو الباطل، ومن أبرز نقاط ضعف الإلحاد غياب مرتكز الأخلاق في منطقه؛ فالإلحاد لا منطق له في وجود الأخلاق وهذا مخالف لكل الفطر والعقول السوية.
خامساً: تأصيل المنهج الشرعي للتعامل مع الشبه، حتى لا يقع الضرر ويتأثر المسلم بالشبهات بدلاً من نقضها.
سادساً: ترسيخ الحضور القرآني في قضايانا الفكرية، وهو ملمح مهم يعطي المسلم قوة عقدية في طرحه، ويعيد الدور الرسالي للمسلمين لإنقاذ العالم والبشرية.
الهامش:
[1] – إضافة المحررة
______________________________
المصدر: بتصرف عن شبكة الهداية الإسلامية http://alhidaya.net/node/3347