تقف وراء ظاهرة الإلحاد التي ظهرت بين شبابنا (مفاهيم ونماذج معرفية) مختلفة، تختلف من مجموعة لأخرى، يمكن أن نطلق عليها جميعا اسم (الإلحاد السفسطائي)…
د. عمرو شريف
المجموعة الأولى، وتشمل الأسباب الحقيقية وراء إلحاد الملحدين، وهي الأسباب النفسية العميقة، التي تتخفى وراء أسباب موضوعية يعلنها شبابنا… وقد سبق تناولها بالتفصيل
يمكنكم الاطلاع على المقالات السابقة عبر الضغط على الروابط التالية:
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج1
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج2
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج3
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج4
أما المجموعة الثانية، فتشمل الحجج العلمية والفلسفية المُعلنة، ويختلف مدى صدق مواقف الشباب الملاحدة من هذه المفاهيم، وإن كان نصيب معظمهم من خلفيات وتفاصيل ما كُتب في تفنيد هذه الحجج ضئيلا للغاية.
لمراجعة الأنواع السابقة من أنماط الإلحاد المعلنة يرجى الضغط على أحد الرابطين التاليين:
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج5
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق ج6
استكمال أنماط الإلحاد المعلَنة.. 7– إلحاد الإله الآخر
أمعن بعضهم في العبثية، فقال: ما أدراني أن الله الذي تدعوني إلى عبادته هو الخالق والرازق والشافي و…؟ لمَ لا يكون الفاعل لهذه الأشياء إلها آخر أو آلهة متعددين آخرين؟
قلت –وداخلي سخرية لم أظهرها له-: قد يكون طرحك مقبولا إذا كنا قد التقينا في الشارع بإله ادعى أنه الخالق والرازق والشافي و… وطالبنا أن نعبده دون أن يقدم لنا الدليل، لكن الأمر ليس كذلك!
حقيقة الأمر أننا عايَنَّا أفعال الخلق والرزق والشفاء و…، وأدركنا أن لابد لها من فاعل عظيم منزه. ثم كان أن قُدمت إلينا ديانات سماوية خاطَبَنا بها من قال “أنني أنا الله”، ونسب هذه الأفعال لذاته، وطالبنا أن نعبده. ألا ترى أنه لو كانت هناك آلهة أخرى هي الخالقة و الرازقة والشافية و… لوجب عليها ألا تسكت على هذا الادعاء وأن تبين لمخلوقاتها الحقيقة، بل وأن تصفي حساباتها مع هذا الدَّعي!.
أما قضية تعدد الآلهة، فإن كان لها موضع عند المشركين قديما، فقد أثبت العلم الحديث بما لا يدع مجالا للشك أن الخالق واحد. ذلك بعد أن توصلنا إلى أن قوانين الطبيعة واحدة، وأن المادة الخام التي يتشكل منها الوجود واحدة، وأن نمط الخلق واحد من الذَّرة إلى المجرة. هذا بالطبع بالإضافة إلى الأدلة الفلسفية والعقلية التي تسوقها الكتب السماوية على التوحيد.
8– الإلحاد الحسي
قال لي الملحد: إن الوجود الإلهي قضية في منتهى الأهمية، ولابد أن يكون الدليل عليها مناسبا لها في القوة، لذلك ينبغي أن يكون دليلا حسيا أو تجريبيا. بل إنني إذا التقيت بالإله في الطريق وصافحني فذلك غير كاف! فعليه أن يثبت لي أنه هو الخالق وهو الرزاق وهو المحيي وهو … كيف تريدني أن أصدق شيئا لم أره؟.
قلت له: إن كلامك هذا ملئ بالأخطاء العلمية، فالدليل الحسي الذي تطلبه هو أضعف الأدلة! فالحس خادع. ألا ترانا نبصر قوس قزح ونبصر السراب وهما ليسا موجودين! وفي نفس الوقت فإننا لا نبصر أشياء أثبت العلم وجوده؛ كالجاذبية والثقوب السوداء.
أما الدليل التجريبي فلا يُستخدم إلا في العلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء، وعندما تطلبه في قضية الألوهية فإنك تطلب دليلا في غير موضعه، كالذي يريد أن يبصر بأذنيه! لذلك، فإن الأدلة الأقوى في الاستشهاد على الألوهية هي الأدلة الرياضية والعقلية.
أما إذا التقيت بالإله وأحيا أمامك الموتى فستقول إن ذلك لا يدل على الألوهية؛ فالعلم قد يثبت في المستقبل أن ذلك ممكنا! وقد سبق أن قال أمثالك عن أنبيائهم الذين قدموا لهم هذه المعجزات أنهم سحرة. فالعلم المستقبلي بالنسبة لك هو إله سد الثغرات الذي تقول به كلما واجت دليلا على الألوهية لا يمكنك رده.
9– إلحاد تحصيل الأهداف
قال لي: أليس الغرض من الأديان حث البشر على تعمير الأرض، وحثهم على أن يعامل بعضهم بعضا بخُلق حسن؟ وأضاف: نحن نجد أمما ملحدة تلتزم بهذين الهدفين إلى أبعد الحدود، كما نجد أفرادا ملاحدة أكثر التزاما بالهدفين من كثير من المتدينين. فما لزوم الدين؟ وكيف يدخل رجال عظماء قدموا للبشرية خدمات جليلة مثل نيوتن وفولتا وماكسويل وأينشتين النار[1]؟.
قلت له: هذا الادعاء من أكبر الأخطاء وأكثرها شيوعا عن دور الدين. إن تعمير الأرض والخُلق الحسن ليسا هدفين للدين لكنهما في الحقيقة وسيلتان! فهدف الدين أن يُعرف الإنسان بربه أولا، ثم بمصدره ومساره ومآله، ولا يتحقق حسن المآل إلا بتحصيل رضا الله عز وجل.
والسبيل إلى تحقيق ذلك هو تعمير الأرض والخُلق الحسن، بشرط أن تكون أفعال العبد ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
أما إن لم نضع هذه الغاية في اعتبارنا، فستظل أفعالنا-مهما حسُنت- بعيدة عن أن تحقق للإنسان حسن المآل، وعلى الإنسان أن يُحصل مكافأته ممن عمل لأجلهم.
وأضفت قائلا لمحاوري: إن ما ذكرتُ لك هو دور الدين الاساسي، أما أن تسألني عن أشخاص بعينهم أَهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ أجيبك قائلا: إن مفتاح الجنة ليس بيدي أو بيد أحد من البشر، والأمر كله لله عز وجل.
الهامش:
[1] – هؤلاء العلماء الأربعة الكبار الذين استشهد بهم الملحد كانوا عميقي الإيمان بالله عز وجل.
________________________________________
المصدر: بتصرف يسير جدا من كتاب الإلحاد مشكلة نفسية، د. عمرو شريف، نيو بوك للنشر، الطبعة الثانية، 2016، ص: 346