تقف وراء ظاهرة الإلحاد التي ظهرت بين شبابنا (مفاهيم ونماذج معرفية) مختلفة، تختلف من مجموعة لأخرى، يمكن أن نطلق عليها جميعا اسم (الإلحاد السفسطائي)…
د/ عمرو شريف
ويلاحظ المتأمل لهذه الأنماط أنها تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين:
المجموعة الأولى، وتشمل الأسباب الحقيقية وراء إلحاد الملحدين، وهي الأسباب النفسية العميقة، التي تتخفى وراء أسباب موضوعية يعلنها شبابنا.
المجموعة الثانية، وتشمل الحجج العلمية والفلسفية المُعلنة، ويختلف مدى صدق مواقف الشباب الملاحدة من هذه المفاهيم، وإن كان نصيب معظمهم من خلفيات وتفاصيل ما كُتب في تفنيد هذه الحجج ضئيلا للغاية.
أولا: الأنماط النفسية للإلحاد:
-
الإلحاد الصبياني:
اعتدنا في صبانا أن نتحاور مع أقراننا، وكان كل منا يحرص على استعراض قاراءاته وإظهار ثقافته، وكنتُ كثيرا ما أطرح على محاوريّ سؤالا: إذا كان الله قد خلق الكون، فمن خلق الله؟.
إن الصبي في هذه المرحلة فَرِحٌ بتساؤلاته وبتميزه عن أقرانه الصامتين (عوامل نفسية شخصية). ومع النضوج الفكري، تنبهت إلى أنني بتساؤلي هذا قد جعلت الخالق مخلوقا بعد أن تفتح عقلي على عالم المعرفة والتساؤلات.
وبالرغم من أن هذا التساؤل الصبياني (الطبيعي في هذه السن) قد قُتل بحثا، وحُسم على أيدي علماء كلام المسلمين منذ ألف سنة، وأيضا على أيدي رجال اللاهوت في المسيحية، وكذلك في طرح العديد من الفلاسفة المعاصرين، فإن الملاحدة في بلادنا وعبر العالم يعتبرونه الحجة المحورية في إلحادهم، حتى أن ريتشارد دوكنز يُقيم كتابه “وهم الإله” على هذا التساؤل.
وملخص تفنيد هذه الحجة الإلحادية، أن كل موجود حادث لابد له من موجد (سبب)، وإذا تسلسلنا في الأسباب لأعلى فسنصل حتما لسبب أول وراء كل الحادثات ينبغي ألا يكون له موجد، ويطلق علماء المنطق على استحالة التسلسل إلى مالا نهاية اصطلاح “التسلسل يمتنع” ومن ثم يصبح السؤال عن سبب السبب الأول الذي لا سبب له سؤالا غبيا!.
وإذا كنا لا نستطيع “تصور” موجود لا موجد له، فإن هذا “الدليل العقلي المنطقي” (التسلسل ينقطع) وكذلك “الدليل العلمي” المتمثل في احتياج الكون والحياة والإنسان إلى مصمم ذكي “يحتمان” الإقرار العقلي بالإله كموجد أول.
إذا فقضية الإله الأزلي تُتعقل وإن كانت لا تُتصور. وقد استقر هذا المفهوم في يقيني بعد أن قدم لنا العلم المعاصر مفاهيم لا يمكن تصورها ولكن ينبغي تعقلها إذ يثبتها البرهان الرياضي.
مثال ذلك.. ما تخبرنا به نظرين الكوانتم من أن الجسيم تحت الذري يمكن أن يوجد في أكثر من موضع في وقت واحد!.
-
إلحاد المراهقين
تعتبر فترة المراهقة من أحرج الفترات في حياة الإنسان، ففيها يبدأ المراهق في الشعور بذاته والثقة في نفسه وعقله؛ فيعتبر آراءه وأحكامه العقلية هي المرجعية التي يقرر في ضوئها صواب وخطأ الآخرين، بل ويجعل من نفسه نداً للكبار فيتمرد عليهم ويرفض ما لا يروق له من آرائهم وأفكارهم، كما تسيطر عليه الرغبة في الظهور (عوامل نفسية شخصية). وقد أفرزت هذه الصفات (سواء تخلَّق بها المراهقون أو الكبار) عددا من الأنماط الإلأحادية، فاستحقت أن نطلق على كل منها اسما:
أنواع إلحاد المراهقين >>> يتبع في المقال القادم
اقرأ أيضا:
الإلحاد في بلادنا.. غوصٌ إلى العمق 6/1
______________________________________
المصدر: كتاب/ الإلحاد مشكلة نفسية، د. عمرو شريف، نيو بوك للنشر، ط2، 2016، ص:335.