د/ رائد الزيدي
قبل الحديث عن نظرة الإسلام للعنف الذي يمارس ضد المرأة لا بد لي من الحديث أولا وفي لمحة سريعة عن وضعها في الجاهلية، بعد ذلك نتحدث عن نظرة الاسلام لها ودوره في حفظ حقوقها ومساواتها مع الرجل من حيث الحقوق والواجبات فضلا عن نظرته للعنف الذي قد يمارس ضدها سواء أكان هذا العنف ماديا أم معنويا.
النظرة الى المرأة في الجاهلية
في الوقت الذي كانت توأد فيه البنات بسبب الفقر وفي الوقت الذي انتشر فيه البغاء وصاحبات الرايات الحمر وسُبِيت وبيعت النساء كما العبيد من الرجال.. في نفس الوقت وعلى الرغم من كل ذلك شاركت المرأة عريقة الأصل والنسب في الجاهلية في الحياة الاجتماعية والثقافية كما كان لها حقوقا كثيرة مثل التجارة وامتلاك الأموال، كما الحال مع السيدة خديجة زوجة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان لها الحق في اختيار الزوج أو رفضه وكان منهن الشاعرات الشهيرات.
النظرة الى المرأة في الإسلام
لقد كرَّم الاسلام المرأة فقد راعى خصائصها والفرق بينها وبين الرجل فشرَّع القوانين التي تجعلها مكرمة في موقعها والرجل مكرما في موقعه، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراما متبادلا يؤدي إلى تقاسم المسؤولية بينهما طوال استمرار العلاقة التي تربطهما في نطاق الشرع الحكيم.
خص الاسلام المرأة بمكانة اجتماعية رفيعة وأعطاها أهمية كبيرة لما تتحمله من مشقة في حمل أبنائها وتربيتهم فقد قال سبحانه وتعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرا” (الأحقاف:15)، فضلا عن ذلك فقد جعل الاسلام المرأة ربة البيت وسيدته والمسئولة عن الإشراف على تدبير أموره فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته……….. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها… الحديث) رواه البخاري.
لقد ضمن الإسلام للمرأة حقوقها فهي الأم والأخت والابنة والعمة والخالة والجدة وحررها بعد أن كانت مستعبدة وساوى بينها وبين الذكر في الإنسانية قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً” (النساء:1).
فالإسلام أعطى للمرأة حرية التجارة والتصرف بأموالها فضلا عن إعفائها من النفقة حتى لو كانت غنية، ووضع الأسس التي تكفل لها الحقوق وسن القوانين التي تصون كرامتها وتمنع استغلالها جسديا وعقليا ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة المختلفة، وقد ورت آيات كثيرة في حق المرأة والاهتمام بشؤونها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والحياتية وبيان واجباتها وإقرار حقوقها وهذا إن دل فإنما يدل على حرص الدين الإسلامي على المرأة والرفع من شأنها.
ومن هذه الآيات:
– قال تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً” (الأحزاب:35).
– قال تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة:228)
– قال تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً” (النساء:23).
– “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الممتحنة:12).
– “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات:13).
– “مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ” (غافر:40)
– “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” (النحل:97)
العنف ضد المرأة في منظور الإسلام
قد نستطيع القول أن العنف ضد المرأة منقسم إلى نوعين:
الأول: العنف المادي.. وأقصد به ما تتعرض له المرأة من اعتداءات مختلفة سواء أكانت على مستوى التكوين الجسماني (ضربا باليد او بشيء آخر كالعصا مثلا) أم على المستوى الجنسي، وقد يؤدي العنف المادي أحيانا الى الموت.
الثاني: العنف المعنوي.. وأقصد به تقبيح المرأة بإسماعها ما تكره وما يجرح نفسها من الكلام الجارح والذي يخدش كرامة المرأة وعفتها ولعل هذا النوع أشد وطأة من النوع الأول وأكثر إيلاما وأشد أثرا في النفس.
وهذان الأمران نهى عنهما الإسلام قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19).
وقد وردت آيات كثيرة وأحاديث كثيرة تحث الرجال على حسن معاملة المرأة وإعطائها حقوقها كاملة وعدم خدش كرامتها بقول أو فعل أو الافتراء عليها وإهانتها ومن هذه الآيات:
– قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً” (النساء:19).
– قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور:4).
– قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (النور:23).
– قال تعالى: “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (البقرة:232).
– قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: (خيركم خيركم لأهله، وانا خيركم لأهلي) رواه الترمذي، (إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم) رواه أحمد.
– قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم.
وصولا إلى قول الحق تبارك وتعالى:”واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً” (النساء:34)
ولا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن الإسلام أقر بضرب المرأة[1] فلا يضرب إلا المختل أو المجنون؛ فالإسلام حينما يشرَع قوانينه وأحكامه ينطلق من أن المؤمنين الذين سيطبقونها لهم وازع ديني وعقل رزين يجعلان الزوجين وجلين خائفين من الله عز وجل في أي سلوك يقدمان عليه.
___________________________
الهامش:
[1] – “لا بد من التذكير بأن قضية ضرب الزوجة التي تأخذ كثيرا من الأخذ والرد في هذه الأيام تقع بين أمرين كلاهما مر، الأمر الأول هو الدعوات التحررية التي بالغت في توسيع مفهوم العنف ضد المرأة بشكل لا ينسجم مع مفهوم الإسلام للعلاقات الزوجية، والأمر الثاني هو الممارسات الشاذة لبعض أبناء الإسلام الذين أساءوا فهم وتطبيق بعض النصوص الدينية، فأخذوا من النصوص ما يتناسب مع أهواءهم وأهملوا تلك التي لا ترضي طموحاتهم، وبذلك تناسى هؤلاء قوله تعالى: ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” تناسوا التكريم الذي منحه الإسلام للمرأة، تجاهله كثير من المسلمين الذين احتموا بإباحة الإسلام للضرب الخفيف في الحالات القصوى، حتى يمارسوا عنفهم غير المشروع ضد زوجاتهم واكتفوا بقول الله عز وجل: ” اضربوهن” والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى ضمن سلسلة من الإصلاحات تبدأ بالوعظ والإرشاد وتنتهي بآخر دواء وهو الكي، وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرِّح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه، أما إذا كان الضرب ضرباً مؤذياً فإن هذا الأمر “مرفوض وغير مقبول شرعاً، بل هو من التجاوزات التي يُعَزِّر عليها الشارع، ويكون للمرأة بسببها طلب التفريق من الزوج قضاءً، وإذا ثَبُت ذلك في المحاكم أرغم القاضي الزوجَ المسرفَ على طلاق زوجته، وإن لم يطلقها طلقها القاضي ، وفرّق بينه وبينها بحكمه”. كل هذا التكريم الذي منحه الإسلام للمرأة تجاهله كثير من المسلمين الذين احتموا بإباحة الإسلام للضرب الخفيف في الحالات القصوى,حتى يمارسوا عنفهم غير المشروع ضد زوجاتهم”: د. نهى عدنان قاطرجي، ضرب الزوجة.. عنف وخنوع، موقع صيد الفوائد (إضافة المحررة).
المصدر: بتصرف عن موقع دكتور رائد الزيدي