مع أن كلمة “يكور” دليل دامغ على كروية الأرض، فإن كلا التفسيرين أعلاه يؤكدان علمياً كروية الأرض لأن كمية الزيادة في أي من الطرفين تساوي كمية النقصان في الطرف الآخر…
(مقتطف من المقال)
كتاب الله تعالى.. دليلٌ يهدي الحيارى.. ونورٌ يضيء الظُلم.. ونبراس يشع على الكون بهجة وسلاما.. وبالرغم من كل ذلك.. استطاع الشيطان أن يتسلل لبعض الأنفس فأثار فيها الشبهات، وحول طمأنينة تأثير القرآن الكريم عليها لقلق واضطراب وتشكك…
مع كتاب الله تعالى في شهر رمضان.. نحلل الشبهات المختلفة، ونرصد القضايا المتعلقة به، ونقدم الأجوبة عليها…
الشبهة: أشار القرآن الكريم في آية واضحة إلى أن الأرض سُطِحت.. في حين أثبت العلم الحديث كروية الأرض.. فهل تعارض العلم مع القرآن؟!!
جواب الشبهة:
قال تعالى: “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ” (الزمر:5).
أشرنا في مقالة سابقة إلى أن المقصود في قوله تعالى “وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ” في سورة الغاشية أن السطح ليس له علاقة بشكل الارض أو بكرويتها، وانما بوصف كيف تشكلت اليابسة (الأرض التي نسير عليها) فوق سطح كوكب كان مغموراً بشكل كامل بالماء!
علمياً، ليس هناك شكل هندسي اسمه مسطّح، فهناك الدائرة والمستطيل والمربع ومتعدد الأضلاع، ولكن ليس هناك مسطّح! فالسطح أو surface وهو من كل شيء أَعلاه، يصف حال مساحة معينة ويعبر عنه في علم الرياضيات بالتكامل أو integration وذلك ببسط أو فرش أو مد أو إضافة شرائح على السطح.
وللقيام بعملية المد، لا بد أن تكون هناك نقطة بداية، وهذه النقطة، وصفت بكتب التفسير بأنها “جبل مسطح: إذا كان في أعلاه استواء”، وهذه النقطة تقع حيث توجد الكعبة الآن! تلك المقالة تم نقدُها بشكل لا يوصف من:
1- الـ لا دينيين والذين يقولون أن القرآن وصف الارض خطأً بأنها “مسطحة”
2- فئة تؤمن بأن الأرض مسطحة بمعنى مستوية
3- من اقتنع بتفسيرنا للآية الكريمة ولكن بقيت علامة سؤال، لماذا لم يصف تعالى ذكره وبصريح العبارة شكل الأرض!
المثاني في القرآن تثبت كروية الأرض
وصف الله القرآن الكريم بأنه كتاباً متشابها مثاني، قال تعالى في سورة الزمر “ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ“، وتفسيرها: يشبه بعضه بعضاً، لا اختلاف فـيه، ولا تضادّ. وتفسير “ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ” هو “أن هذا القرآن بـيان الله يهدي به من يشاء، ويوفق للإيـمان به من يشاء”
المثاني في التكوير
في سورة التكوير، قال تعالى “إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ” وتفسيرها “جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة (ما يُجمَعُ ويُشَدُّ ويُحمَلُ على الظهر من طَعام أَو ثِياب)، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: “إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ” إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءُها.”
استخدم تعالى كلمات مثل يكوّر، يولج، يغشي، تجلّى لوصف “مزج” الليل بالنهار والنهار بالليل. وهذه الكلمات لا تصح مع الاشكال المضلعة أو مستقيمة السطح!
وفي سورة الزمر وردت كلمة التكوير أيضا؛ قال تعالى “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ“.
وصف التكوير لا يحدث إلا في الاشكال الكروية spheres. كما وأن حدثي التكوير؛ الليل على النهار والنهار على الليل يحدثان في نفس الوقت وفي نفس اللحظة ولكن على الجهة المقابلة من الكرة كما هو مبين في الصورة التالية.
فقد روي عن ابن عباس في تفسير الآية، قال: “ما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل. وهو معنى قوله تعالى: “يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ” (فاطر: 13).
وقال الرازي في تفسير الآية إن: اختلاف أحوال الليل والنهار وهو المراد ههنا من قوله: “يُكَوّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ” وذلك لأن النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك تارة، وذلك هذا أخرى. وذلك يدل على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور، ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره وهو الله سبحانه وتعالى، والمراد من هذا التكوير أنه يزيد في كل واحد منهما بقدر ما ينقص عن الآخر“
مع أن كلمة “يكور” دليل دامغ على كروية الأرض، فإن كلا التفسيرين أعلاه يؤكدان علمياً كروية الأرض لأن كمية الزيادة في أي من الطرفين تساوي كمية النقصان في الطرف الآخر، وهذا لا يحدث إلا في الاجسام الكروية المعرّضة لمصدر ضوء واحد، ألا وهو الشمس. “… وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ” (الزمر:5).
المصدر: بتصرف عن موقع فصلت لبيان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم