القائمة الرئيسية

من عناية الإسلام بالعلم.. آدابٌ للمتعلم.. وللعالم أيضا!

لا ريب أن عناية الإسلام بالعلم والعلماء والمتعلمين فاقت كل عناية، مما جعل علمائنا القدامى ينهلون من فيض تعاليم الإسلام ويسطرون لنا خلاصة فقههم وفهمهم لهذه التعاليم في صورة جلية وأسلوب سهل ومعانٍ واضحة…

د. محمود مهدي بدوي

عناية الإسلام بالعلمها قد أهل علينا عام دراسي جديد، يحمل معه لأبنائنا الأمل في غد مشرق به تزدهر حياة الأمة، وترقى وتتبوأ مكانها اللائق بين الأمم.

ولعل نظرة سريعة إلى مكانة العلم وبذله وطلبه في تلك الحقبة التي حمل فيها المسلمون مشاعل الحضارة فبددوا ظلمات الجهالة وأقالوا عثرات الأمم الأخرى، وصنعوا تاريخا لا يزال محل إعجاب وتقدير القاصي والداني.

لعل نظرة إلى تلك القيم والمثل والآداب التي تمثلوها وتحلوا بها تكون مشعلا يهدي معلمينا ومتعلمينا سواء السبيل ويأخذ بأيديهم نحو طريق المعرفة والابتكار الذي سلكه أجدادنا.

لا ريب أن عناية الإسلام بالعلم والعلماء والمتعلمين فاقت كل عناية، مما جعل علمائنا القدامى ينهلون من فيض تعاليم الإسلام ويسطرون لنا خلاصة فقههم وفهمهم لهذه التعاليم في صورة جلية وأسلوب سهل ومعانٍ واضحة ليستأنس بها المربون، ويلتزم بها المتعلمون حتى لا يخيب سعي، ولا يفسد عمل، ولا يضيع أجر، ولا تزل قدم، ولا تحار أمتنا بين الأمم.

ومن روائع التأليف العربي في هذا المجال كتاب “آداب العالم و المتعلم…” للإمام النووي[1] الذي آثر أن يبدأ بالمُعلم لأنه الأساس الرئيس في صرح طلب العلم فرسم صورته بذكر ما يجب أن يتحلى به من مكارم الأخلاق وجميل الصفات، ولأنه صاحب الفضل الذي يجب على الآخرين تقديره، وإجلاله واحترامه.

ثم ثنى بالمتعلم لأنه موطن الغرس، ومستنبت الفقه والعلم، وهو المحتاج للرعاية والتوجيه والتربية والتعليم فبين ما يتحلى به من آداب وأخلاق.

و سأحاول في هذه العجالة تلخيص ما ذكره النووي –رحمه الله- في كتابه عن “آداب العالم والمتعلم

آداب التعلم.. نماذجٌ من عناية الإسلام بالعلم

أولا: آداب العالم:

  • آداب العالم والمتعلمعلى المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى لا غرضا دنيويا.
  • أن يتحلى بالخلال الحميدة والشيم الطيبة وطلاقة الوجه والحلم والصبر والسكينة والوقار والتواضع.
  • على المعلم اجتناب كل ما يفقده هيبته و وقاره ككثرة الضحك والمزاح وسوء المظهر.
  • أن يداوم على مراقبته لله تعالى سرا وعلانية، وأن يتوكل على الله سبحانه وأن يفوض إليه أمره.
  • أن يعز علمه ولا يهينه بالذهاب إلى طالبيه.
  • على المعلم أن يداوم على الاطلاع والقراءة والبحث والاستزادة من العلم.
  • لا يجوز للمعلم كتمان علمه أو بذله لبعض الطلاب دون بعض.
  • على المعلم أن يرغب تلاميذه في العلم وأن يرفق بهم ويزيل الرهبة من نفوسهم وأن يصبر عليهم وأن يعذر من ساء أدبه وتعثرت قدمه أو زل لسانه.
  • أن يلين لطلابه ويخفض لهم جناح الذل من الرحمة.
  • أن يتفقد أحوال طلابه وأن يسأل عمن غاب منهم.
  • أن يدرك الفروق بين طلابه فيعامل كل واحد منهم بحسب فهمه وحفظه ولا يعطي أحدا ما لا يحتمله من الواجبات، ويدعم شرحه بكثرة الأمثلة ليتضح المعنى.
  • أن يسألهم بين الحين والحين في ما سبق شرحه، وأن يثني على المُجد وألا يبالغ في تعنيف المقصر، وإن خاف نفوره من التعليم خصه بمزيد رعاية وشرح وتوجيه، ويكرر ما يستشعر صعوبته، وإذا سئل عن مسألة أجاب إن كان بها عالما، وإلا أجل الإجابة حتى يتيقن منها.

ثانيا: آداب المتعلم:

أما فيما يتعلق بآداب المتعلم، فإنه يشترك مع المعلم في الآداب الخلقية والنفسية كالتواضع والاحتساب ومكارم الأخلاق ويزيد عليها:

  • احترام المعلم وتوقيره وتبجيله.
  • تحري رضا المعلم والمحافظة على سره ورد غيبته.
  • الدخول عليه بإذن في هيئة حسنة وسلوك قويم.
  • التأدب مع الزملاء في حضرة المعلم.
  • خفض الصوت أمامه، وعدم الضحك وكثرة الكلام بلا سبب.
  • عدم الانشغال عنه والاشتغال بما يصرفه من الإنصات له والإفادة منه.
  • التلطف في سؤال المعلم وحسن مخاطبته وعدم الحياء من سؤاله، والخجل من طلب تكرار الشرح حتى يفهم.
  • الصبر على جفوة المعلم و سوء تعامله والحرص على ملازمة درسه.
  • التمتع بالهمة العالية والنهم في طلب العلم وعدم تأخير ما تحصل الفائدة به.
  • العناية باستذكار الدروس ومراجعتها ودوام التفكير فيها، وعدم تحقير أي فائدة قرأها أو سمعها في أي علم.
  • على طالب العلم إرشاد زملائه إلى ما رآه نافعا مجديا مفيدا.
  • لا يسخر ممن هو أقل منه استيعابا وفهما ولا يحسد من هو أسرع منه تحصيلا.

هذا فيض من غيض، هذا منهج وأسلوب، هذه معالم مدروسة وسبل مسلوكة وطرق معبدة ووصايا نافعة، وخلاصة فكر وتجارب وشكل من أشكال عناية الإسلام بالعلم وحفاوته بالمتعلمين؛ فهلا أفدنا من تراث أجدادنا في مسيرة حياتنا بعد أن تاه منا الطريق.

الهامش:

[1] – أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي النووي الشافعي (631-676ه) المشهور باسم “النووي” هو مُحدّث وفقيه ولغوي مسلم، اشتهر بكتبه وتصانيفه العديدة في الفقه  والحديث واللغة والتراجم، كرياض الصالحين والأربعين النووية.

مواضيع ذات صلة