حكمة خارقة.. و كون ينبض بالحياة (الجزء الثاني)

كيف ندرك وجود الله في كون شاسع مترامي الأطراف.. كون ملئ بالخبايا التي لم تكتشف حتى اليوم.. كون يتسع ويتمدد طيلة الوقت معلنا أننا لسنا إلا جزءا ضئيلا من عناصر إبهاره.. كيف نصل بقلوبنا إلى الله.. ونستشعر عظمته..

6- لماذا يعتبر الدين مهما؟

القرآن

تحث القيم القرآنية الناس على الإحسان لبعضهم البعض دون انتظار أي مقابل، إنهم جميعا عبيد لله تعالى.

إنّ ما ينبغي على الإنسان الذي يؤمن بالله أن يفعله أولا هو أن يكون له علم بخالقه وبالأمور التي ترضيه، فهو الذي منح الرّوح للإنسان عندما لم يكن شيئا مذكورا، وهو الذي جعله يحيا ويأكل ويشرب، وأسبغ عليه نعمة الصحة.

ومن ثم فإنّه يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها ملتزما بأوامر الله طالبا لمرضاته، فالدين هو الذي يكشف لنا الطريق في الحركات والسكنات والأخلاق وطريقة الحياة التي ترضي الله عزّ وجل.

وقد أكد الله في كتابه الكريم أنّ الذين يلتزمون بالدين الحق هم أهل الهدى والرشاد، أما الآخرون الذين يتبعون هواهم فهم في طريق الضلال. “أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإِسلاَمِ فَهوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبينٍ” (الزمر:22).

7- كيف يحيى الإنسان بتعاليم دينه؟

إنّ الذين يؤمنون بالله ويطيعونه يجعلون حياتهم تسير وفقا لما يريده سبحانه وتعالى منهم، وقد ورد ذلك كله في القرآن الكريم. هم الذيك يكيفون حياتهم على ضوء تعاليم دينه يسعى ليفعلون ما يرضي الله ويبتعدون عما يثير سخطه وغضبه، وهم بذلك يتجنبون السيئات التي تأمرهم بها نفوسهم أو كل صوت سلبيّ داخلهم.

وقد قال الله عز وجل أنه قد أعد البشر فطريّا ليهتدوا إلى الدين الحق: “فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطرَةَ الله التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ” (الروم:30).

8- كيف يمكن أن توجد أخلاق من غير الدين؟

في المجتمعات غير الملتزمة بالدين، يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال غير الأخلاقية، فعلى سبيل المثال، لا يمكن للإنسان المتدين أن يقبل التعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت.

ومن جهة أخرى، فإن ّالشخص غير المتدين لا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأعمال. إنه ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين: أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة أو أن يقول: “أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أقامر”.

والسبب، أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أيا من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله.

 أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات، فأخلاقه غير متقلبة. وقد أشار الله تعالى إلى الأخلاق الرفيعة للمؤمنين في قوله تعالى: “الذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ المِيثَاقَ، وَالذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَوْن رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب، وَالذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم سِرَّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدَّار” (الرعد:20-22).

9- ماذا كان سيحصل للنظام الاجتماعي من غير الدين؟

إنّ أول مفهوم يتم التخلص منه في بيئة لا دين فيها هو مفهوم العائلة، حيث إنّ القيم مثل الولاء والإخلاص والانتماء والحب والاحترام التي تجمع العائلة مع بعضها البعض يتم التخلي عنها بشكل كامل، و يجب التذكير هنا أن العائلة هي التي تؤسس المجتمع، فإذا انهارت العائلة فإنّ المجتمع ينهار كذلك، ثم إنّ ذلك يقود إلى إلغاء مفهوم الدولة والأمة.

وبالإضافة إلى ذلك، تضعف الحاجة إلى الشعور بالاحترام والمحبة والعطف تجاه الآخرين في مجتمع لا دين فيه، وهذا يقود بالتالي إلى فوضى اجتماعية حيث يكره الأغنياء الفقراء ويكره الفقراء الأغنياء، وينتشر الحقد بينهما، ويزداد غضب أولئك العاجزين والمحتاجين، ويشيع العنف بين الأمم والشعوب، ويصبح العمال عدوانيين إزاء رؤسائهم في العمل والرؤساء تجاه عمالهم، وتجف مشاعر الآباء إزاء أبنائهم ومشاعر الأبناء إزاء آبائهم.

إنّ سبب استمرار الحروب والعنف في العالم يرجع إلى غياب الدين من حياة كثير من الناس، فنحن نشاهد كل يوم في كثير من بقاع العالم أعمال عنف رهيبة وعمليات قتل لا تليق بالإنسان. ومن جانب آخر، وفي مقابل هذا فإن الإنسان الذي يؤمن بالآخرة لا يجرأ على أن يصوب سلاحا باتجاه أخيه الإنسان ليقتله لأنه يعلم أن الله قد حرم القتل، ولأن خشيته لله تدفعه إلى تجنب عقابه وسخطه. قال تعالى: “وّلاّ تُفسِدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ” (الأعراف :56).

إنّ انتشار الانتحار دليل على البعد عن الدين، وهو أمر غير مقبول بأي حال، ولكن الإنسان الذي يسير وفق التعاليم القرآنية يستحيل أن يفعل شيئا مثل هذا، ولا يمكن أن يفكر مجرد تفكير في الإقدام على فعل هذا الأمر لأن المؤمن يعيش لله فقط، ويصبر ويصمد أمام الصعوبات والمشاكل التي يبتلى بها في هذه الدنيا، ولا ينسى المؤمن أنه سوف يجازى بالخير على صبره هذا في الدنيا وفي الآخرة.

وفي المجتمعات غير المتدينة فإن الفضائل والقيم مثل الضيافة والتضحية من أجل الآخرين والتكافل والكرم تفقد إلى حد كبير. فهؤلاء الناس في هذه المجتمعات لا يقيمون بعضهم البعض على أساس أنهم بشر، إذ أن البعض منهم يعتقد بأنه كائن تطور عن القرد، فلا أحد يمكن أن يكون مدفوعا لإكرام غيره أو العطف عليه أو تقديم مساعدات له بسبب هذا الاعتقاد الخاطئ. فالأشخاص الذين يحملون هذه الأفكار لا يعرفون قيمة بعضهم البعض، فأغلبهم لا يفكرون في راحة غيرهم أو حفظ كرامتهم.

فالمعاملات تصبح أكثر تحضرا كلما كانت المصالح أوسع وأوثق. الأمر الآخر أن القيم القرآنية تحث الناس على الإحسان لبعضهم البعض دون انتظار أي مقابل، إنهم جميعا عبيد لله تعالى، فهم يعملون جهدهم للحصول على مرضاة الله تعالى من خلال الأعمال الصالحة، وهم يتنافسون في ما بينهم لكسب مزيد من الأجر والثواب.


المصدر: بتصرف عن موقع معرفة الله

مواضيع ذات صلة