رغم ما يعتذر به الملاحدة عن براءة الإلحاد من جرائم النازية فإن المؤكد أن الدين كان بعيدا عن هذه الجرائم، وأن مرجعها إلى الفلسفات المادية الوضعية..
(مقتطف من المقال)
عبد الله الشتوي
في كتابه (وهم الإله) يقرر زعيم الملحدين ريتشارد دوكينز أن أكثر الصراعات في العالم نتجت عن وجود الأديان، وأن السبيل الوحيد للخروج من كل تلك الصراعات هو التخلي عن الأفكار المعتقدات، وبغض النظر عن صحة هذا القول وعن الأسباب الأخرى للحروب والجرائم، فإن ريتشارد دوكينز نفسه لما سُئل في برنامج تلفزي عن الفظائع التي ارتكبها ”ستالين” وغيره من الملاحدة، لم يجد تبريرا غير الجواب بطريقة ساخرة: ستالين ارتكب كل تلك الجرائم لأن له محتسيا للخمر!!
ظهر الإلحاد لمواجهة الدين وسوَّق له دعاة الإلحاد على أنه الحل الذي يعطي للعقل البشري مكانته وينقذ الإنسانية من خرافات الدين والمآسي التي تترتب عنها، ولطالما روّج الملحدون أن الدين هو سبب أكبر المشاكل والمآسي التي تتخبط فيها البشري…
لكن بمقارنة تاريخية بسيطة نجد أن المآسي والويلات التي كان الإلحاد سببا لها -مع العمر القصير للإلحاد المعاصر- تتجاوز بكثير كل ما سببته الأديان على طول تاريخ البشرية !
وقد اختصر الكاتب الأمريكي دينيش دسوزا (Dinesh D’Souza) العلاقة الفلسفية بين الإلحاد والجرائم التي يرتكبها معتنقوه بقوله:(وقد ارتكبت جرائم الإلحاد عموما من خلال أيديولوجية متغطرسة ترى الإنسان هو صانع القِيم وليس الله. وباستخدام أحدث تقنيات العلم والتكنولوجيا، يسعى الإنسان إلى تهجير الله وخلق جنة العلمانية هنا على وجه الأرض).
1-الإلحاد مع الثورة الفرنسية:
يرى غالب المؤرخين أن العصر الحديث يبتدئ من اندلاع الثورة الفرنسية والتي شكلت وجها من أوجه وصول الإلحاد إلى الحكم وبدء القضاء على الدين الكنسي فقد استهل قادة الأنوار حكمهم بما عرف بعصر ”الإرهاب” الذي استباحوا فيه كل شيء في سبيل ترسيخ العلمانية والقضاء على الدين، واستمرت الجرائم باسم العلمانية وتحت غطاء فلسلفي إيديولوجي يرى في الدين عدوا وحيدا.
2-الإلحاد في الأنظمة الشيوعية:
في القرن العشرين بلغ الإلحاد أوج قوته مع تعاظم الدول الشيوعية في العالم، وحملت الشيوعية الإلحاد إلى سُدة الحكم في كثير من الدول، وانطلق الفكر الماركسي يبشر العمال والفلاحين بجنة ”اليوتوبيا” على الأرض بعيدا عن الأديان، لكن الحكم انتهى بهذه الدول إلى نوع من الحكم الثيوقراطي الذي يقدس الزعيم.
ملأت جرائم الشيوعية العالم، وكثرت إحصائيات ضحايا هذا الدين الجديد، والمثير هو التفاوت الصارخ في أعداد القتلى بين المراجع، لكن المشترك بين إحصائيات جرائم الإبادات الشيوعية هو أن تعدادها كان بالملايين!!
في سنة 1997 طبع في فرنسا كتاب : ”الكتاب الأسود للشيوعية: الجرائم والإرهاب والقمع”، وكان خلاصة عمل أحد عشر باحثا أكاديميا، وأعادت مطبعة جامعة هارفارد طبعه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مما أثار الرُّعب هو عدد القتلى الفظيع الذي حصدته الشيوعية أثناء حكمها، والغريب أن المؤلفين قد استثنوا إحصائيات الحروب!! لكن العدد يتجاوز 100مليون في القرن العشرين وحده وجاءت الأعداد موزعة على الشكل التالي:
الصين: 65 مليون
في الاتحاد السوفييتي 20 مليون
فيتنام 1 مليون قتيل
كوريا الشمالية 2 مليون قتيل
كمبوديا 2 مليون قتيل
أوروبا الشرقية 1 مليون قتيل
أمريكا اللاتينية 150 ألف قتيل
إفريقيا 1.7 مليون قتيل
أفغانستان 1.5 مليون قتيل
كانت كل هذه الأعداد الهائلة من القتلى في سبيل القضاء على الأديان وترسيخ سيادة الإنسان على الأرض، والمفجع أن أكثر هذه الجرائم لم تكن في حروب متكافئة بين دول متنازعة، بل ارتكب أغلبها في حق الشعوب المستضعفة والأقليات العرقية والدينية !!
جوزيف ستالين، ماو تسي تونغ، بول بوت، كيم إيل سونغ وغيرهم، كان هؤلاء الجبابرة من الملحدين الذين نكَّلوا بشعوبهم من أجل استئصال كل المعتقدات الدينية، وكانت كل هذه الأعداد الهائلة من القتلى بسبب سياسات التهجير القسري والتعذيب في المعتقلات وإبادة العرقيات والعمل في معسكرات الأعمال الشاقة بالإضافة إلى التجويع المتعمد، هذه الممارسات التي أدت مثلا إلى قتل ربع سكان كمبوديا!! فقد كان تعداد المسلمين في كمبوديا حوالي 40 ألف نسمة لم يبق منهم بعد سقوط نظام ”الخمير الحُم” سوى أربعة أشخاص!!
وزد على هذا كثيرا من الإبادات التي ارتكبت في أوروبا على يد النازيين وغيرهم ممن تبنوا عقيدة الإلحاد، هذا ورغم ما يعتذر به الملاحدة عن براءة الإلحاد من جرائم النازية فإن المؤكد أن الدين كان بعيدا عن هذه الجرائم، وأن مرجعها إلى الفلسفات المادية الوضعية.
3-نموذج من فظائع الإلحاد: أكل لحوم البشر!
في مجتمع ملحد حيث الإنسان هو من يصنع الأخلاق ويحدد القيم كان لا بد أن تنحدر البشرية إلى دركات من الوحشية التي لم يُسبق إليها، وظهور مآسي تبررها أخلاق الإلحاد، فالإنسان ليس إلا كتلة من اللحم لا فرق بينه وبين سائر الحيوانات إلا من حيث درجته في سلم التطور، فالسبب الذي يجعلك تذبح بقرة هو نفسه الذي قد يجعلك تأكل إنسانا …
وقد ارتبط أكل لحوم البشر غالبا ببعض القبائل البدائية في إفريقيا وغيرها.. أو ببعض الحالات الإجرامية المعزولة والتي غالبا ما يتم إرجاعها لأمراض واضطرابات نفسية، كما حدث مع الملحد ”جيفري دهمر” الذي اتهم بارتكاب جرائم قتل وأكل للحوم الأطفال، ومع أنه اعترف بأن سبب فعلته هو إلحاده وإيمانه بنظرية التطور فإنه قد يعتبر من الحالات المرضية المعزولة.
لكن الأبشع هو أن يكون أكل لحوم البشر طقسا انتقاميا إلحاديا ثوريا، ففي الصين تذكر الوثائق الرسمية تعرض المعتقلين للتعذيب وأكل لحومهم من قبل السجانين!! بل حرضت سلطات الإلحاد الشيوعي طلاب بعض المدارس على قتل مدرائهم وأكل لحومهم في ساحة المدرسة احتفالا بالقضاء على كل من يعادي الثورة.
كما تم إعدام كثير من مُلَّاك الأراضي مع إجبار عائلاتهم على أكل لحومهم، أو بيع أعضائهم في مزادات احتفالية بإسقاط النظم الاقطاعية.
وفي الاتحاد السوفياتي ورغم أن أكل البشر ممنوع قانونيا فقد أدت المجاعات المتعاقبة بسبب الحروب الأهلية إلى انتشار هذه الظاهرة سواء بأكل جثث الموتى أو القتل من أجل الأكل!! خصوصا عند استهداف الأقليات المناوئة للفكر الشيوعي أو الرافضة للتخلي عن المعتقدات الدينية…
وفي كوريا الشمالية وإلى بداية القرن 21 لا زالت هناك تقارير تفيد بوجود هذه الممارسات على مستوى المجتمع بسبب الفقر والمجاعات والانتقام السلطوي.
المصدر: بتصرف يسير عن موقع مركز يقين