عالم النحل عالم عظيم عجيب، فقد خلق الله هذه النحلة الصغيرة، وهداها هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم أرجعها إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها…
(مقتطف من المقال)
قال الله تعالى: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام: 38).
وقال الله تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور: 45).
فسبحان رب العالمين، الذي خلق العوالم من الحيوانات التي لا يحصيها ولا يعلمها ولا يرزقها إلا هو:
عالم البهائم والأنعام.. عالم السباع.. عالم الطيور.. عالم الذر.. عالم النحل.. عالم النمل.. عالم الجراد.. عالم الحشرات.. عالم الخيل.. عالم الإبل.. عالم البقر.. عالم الغنم.. عالم الدجاج.. عالم الحمام.. عالم الأسماك.
وغيرها من العوالم التي لا يحصيها إلا الله.
فتبارك الله أحسن الخالقين الذي خلق جميع هذه الخلائق، ودبر أمرها، وقسم أرزاقها، وقدر آجالها: “ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (الأنعام:102).
والله تبارك وتعالى خالق كل شيء، خلق جميع هذه الحيوانات والطيور والحشرات من ماء كما قال سبحانه: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور:45).
فالحيوانات التي تتوالد، مادتها ماء النطفة حين يلقح الذكر الأنثى، والتي تتولد من الأرض كالحشرات، تتولد من الرطوبات المائية بقدرة الله.
وقد تكفل الله عزَّ وجلَّ بأرزاق الخلائق كلهم، البشر والحيوان، والطيور والحشرات، قويهم وضعيفهم، قادرهم وعاجزهم، يسوقهم إلى أرزاقهم، أو يسوق أرزاقهم إليهم: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (هود:6).
ولا يزال الله يسخر لهذه الخلائق أرزاقها في كل وقت بوقته، ولا يمكن أن تهلك دابة من عدم الرزق، بسبب أنها خافية عليه، فهو سبحانه السميع العليم الذي لا يخفى عليه شيء: “وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (العنكبوت:60)
فسبحان خالق هذا الكون العظيم، وما فيه من المخلوقات المختلفة.
وهي مخلوقات إلى جانب منافعها، تحمل آيات وعبر، وهي مخلوقة مقدرة، مأمورة مدبرة، صغيرها وكبيرها، ذكورها وإناثها، قويها وضعيفها، كلها في قبضة الله، ونواصيها بيده، وسكنها في ملكه: “إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” (هود:56).
وكل فرد من هذه المخلوقات، قدر الله زمانه فلا يكون إلا فيه.. وقدر مكانه.. وقدر خطاه.. وقدر طعامه.. وقدر أجله.. وقدر كمية أفراده.. وهو محسوب كغيره من المخلوقات والأحداث العظام الضخام: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ” (الشورى:29).
وهذا العود الأخضر البري النابت وحده هناك في الصحراء، إنه الآخر قائم هناك بقدر، وهو طعام أعده الله للكائنات هناك.
الله أنبته، وهو يسوق طعامه وشرابه، وهو عبد يؤدي وظيفةً أمره الله بها، ويسبح بحمد ربه في كل حين.
وهذه النملة الساربة، وهذه الهباءة الطائرة، وهذه البهائم السائمة، وهذه الخلية السابحة في الماء، كالأفلاك والأجرام الهائلة سواء: لها تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الشكل: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ” (القمر: 49،50).
وفي خلق الأنعام عبرة، حيث يسقي الله العباد من بطونها المشتملة على الفرث والدم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين: “وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ” (النحل:66).
وعالم النحل عالم عظيم عجيب، فقد خلق الله هذه النحلة الصغيرة، وهداها هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم أرجعها إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها.
ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة: “وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (النحل:68،69).
فسبحان الخلاق العليم، الذي خلق كل شيء في السماء والأرض، في البر والبحر، من الجماد والنبات، والإنسان والحيوان.
وكل ناطق وصامت.. وكل متحرك وساكن.. وكل ذكر وأنثى.. وكل ماض حاضر.. وكل معلوم ومجهول.. وكل صغير وكبير.. كل ذلك مخلوق بقدر.. ومصرف بقصد.. ومدبر بحكمة.
لا شيء جزاف، ولا شيء عبث، ولا شيء مصادفة، ولا شيء ارتجال: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ” (القمر: 49، 50) ..
فهو سبحانه لم يخلق السموات والأرض والمخلوقات الأخرى لعباً ولا لهواً، بل خلقها بالحق، وخلقهما مشتمل على الحق، ليعبد الله وحده، وليأمر الله العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لأنهم لم يتفكروا في خلق السموات والأرض وما فيهما من الخلائق: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (الدخان: 38،39).
والطيور التي تسبح في الفضاء على اختلاف ألوانها وأحجامها وطيرانها، ماذا يعرف الإنسان عنها؟.
إنها أمة عظيمة من الأمم، خلقها الله عزَّ وجلَّ، وهي كغيرها مظهر من مظاهر قدرته سبحانه، وأثر من آثار التدبير الإلهي اللطيف: “أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ” (الملك:19).
فهذه الآية العظيمة التي تقع كل لحظة، تنسينا بوقوعها المتكرر ما تشي به من قدرة الله وعظمته.
فكم من طائر الآن يطير في السماء؟، وكم من طائر يلقط الحب من الأرض؟.
وكم من طائر يجمع العيدان لعشه؟، وكم من طائر يبيض؟، وكم من طير يخرج من بيضه؟، وكم من طائر يعلم فراخه ويطعمهم؟.
وجميع المخلوقات من جماد ونبات وحيوان، تسبح بحمد ربها، وكل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح، إما بواسطة الرسل كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى لها كباقي المخلوقات: “َلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ” (النور:41).
إن تأمل هذه الطيور السابحة في الفضاء، وهي تصف أجنحتها وتقبضهما في يسر وسهولة، ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة به لا يمله النظر، ولا يمله القلب، وهو متعة فوق ما هو مثار تفكر وتدبر في خلق الله العجيب الذي يجمع الحسن والجمال والكمال.
إن يد الرحمن تمسك بالسموات والأرض، وتمسك بكل طائر، وبكل جناح، والطائر صاف جناحيه، وحين يقبض، ويبصره ويراه وهو معلق في الفضاء.
إن صنع الله كله إبداع وإعجاز، وكل قلب، وكل جيل يدرك منه ما يطيقه، ويلحظ منه ما يراه: “أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ” (الملك:19).
فسبحان القوي العزيز، العليم الخبير، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
إن إمساك الطيور في الجو، كإمساك الدواب على الأرض، كإمساك الشمس والقمر، كإمساك النجوم المعلقة في الفضاء، كإمساك السماوات والأرض، وكإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله، فالله خالقها وحده، وهو الذي يمسكها بقدرته وحده.
فسبحان العزيز الجبار، القوي القهار الذي يمسك كل هذه المخلوقات بقدرته: “إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (فاطر: 41).
فمن هذا ملكه، وهذا خلقه، وهذه قدرته، وهذه رحمته، يجب أن يُطاع فلا يعصى، ويًشكر فلا يكفر، ويُذكر فلا ينسى: “فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ” (الانشقاق:20،21).
“قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (الأعراف: 23).
المصدر: بتصرف يسير عن موقع الكلم الطيب