لا يستطيع الباحث في قضية مكانة المرأة في الإسلام أن ينكر أن الخطاب القرآني يقرر نوعا من التفاوت بين الرجل والمرأة خاصة فيما يتعلق بموضوع قوامة الرجل على المرأة…
د/ فوزية العشماوي
إن تقييم مكانة المرأة في الإسلام يعتبر من أهم القضايا الحساسة التي يهتم بها الغربيون، وقد تناول كثير من الفقهاء والعلماء والمستشرقين قضية المرأة وكتبوا فيها كتابات مطولة واختلفوا اختلافا كبيرا في كثير من الأمور مما جعل أعداء الإسلام يتخذون من تناقض الآراء ذريعة ينتقدون من خلالها الإسلام والمسلمين ويتهمونهم بأنهم يفرقون بين المرأة والرجل ويعتبرون المرأة مخلوقا ناقصا لا يتساوى مع الرجال في الحقوق ومن ثم فإن الإسلام والمسلمون لا يطبقون المساواة بين الرجل والمرأة ولا يطبقون الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
وفي واقع الأمر هناك أخطاء أساسية ارتكبت عند تقييم وضع المرأة في الإسلام عبر التاريخ منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحتى يومنا هذا ولعل أكبر خطأ ارتكب في حق المرأة المسلمة هو الاعتقاد بأن المرأة المسلمة قد حصلت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) على قمة التحرر بعد عهد الجاهلية حيث كانت المرأة متاع يُورث وليس لها إرادة ولا كرامة بل أحيانا تحرم من حق الحياة ويتم وأدها بعد ولادتها مباشرة للتخلص من العبء المادي الناتج عن تربيتها والتخلص من العار الذي يمكن أن تجلبه لقبيلتها أن تحررت وخرجت عن تقاليدها.
أولا ـ حقوق المرأة في الإسلام
و بدون أدنى شك فإن الإسلام قد كرم المرأة وكفل لها حق الحياة ونهى عن تلك البربرية التي كانت سائدة في الجاهلية ألا وهي وأد البنات ومنح المرأة من الحقوق ما رفع مكانتها وأعلى من شأنها بالنسبة لما كانت عليه قبل الإسلام. ومن الواضح جليا أن الاتجاه السائد في الخطاب القرآني وفي الأحاديث النبوية الشريفة هو المساواة التامة فيما يختص بالعبادات والواجبات الدينية. كذلك خصها الإسلام بالتكريم بوصفها أما ومنحها مكانة سامية في الجنة.
كذلك جاء في القرآن الكريم كثير من الآيات ومن المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة وتكليف المرأة بنفس ما كلف به الرجل فيما عدا ما يتنافى مع طبيعة المرأة وتكوينها الفيزيائي والبيولوجي مثل الجهاد في سبيل الله حيث أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين وأعفى الله سبحانه وتعالى المرأة من مسئوليته الجهاد.
ومن هذه المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة عبارات فيها ضبط قياسي وتطابق لغوي مثلما جاء في الآية الكريمة “… وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (الاحزاب:35) وكان يمكن الاكتفاء بجمع المذكر فقط حيث أنه من المعروف في قواعد اللغة العربية أن جمع المذكر يشمل المذكر والمؤنث ولكن حرص الخطاب القرآني على تكرار جمع المؤنث للتأكيد على أن النساء لهن مثل ما للرجال من أجر وثواب.
وكذلك الآيات “… لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ…” (النساء:82) و “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ” (البقرة:187) هذا التطابق في الآيات الكريمة ما هو إلا تأكيد على التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة . ولقد عرف الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة في كثير من الآيات الكريمة بأنهما الذكر والأنثى وقال “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ” (النجم:45) ولم يقل الرجل والمرأة لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أن العلاقة بين الجنسين علاقة تقابلية فالذكر هو الطرف المقابل للأنثى وبالالتقاء يكون التكامل بينهما.
كما أن الخطاب القرآني أكد على أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل أي أنهما جاءا من بوتقة واحدة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً…” (النساء:1) ونلاحظ هنا أن الخطاب القرآني استخدم مصطلح رجال ونساء في الجمع ولم يستخدم ذكر وأنثى حيث أن الغرض من الآية هو التأكيد على العدد الكبير الناتج عن البث من النفس الواحدة التي خلقها.
ونجد نفس التطابقية والحرص التأكيد على التسوية بين الرجل والمرأة في مجال العبادات في هذه الآية “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ…” (الأحزاب:35) للتأكيد على أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرجال والنساء معا ويكرم الاثنين معا.
كذلك هناك الآية الكريمة التي تؤكد على أن رأي المرأة لا يقل عن رأي الرجل وأنها تشترك معه في الأمر والنهي في المجتمع الإسلامي “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة:71).
وفي هذه الآية الكريمة تأكيد على أن المرأة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر تماما مثلما يفعل الرجل وليس فقط فيما يختص بأمور النساء والأطفال ولكن في كل الأمور المتعلقة بالدين والحياة والمجتمع والناس بدون أية تفرقة بينها وبين الرجل، ولذلك استخدم الخطاب القرآني الجمع (المؤمنون والمؤمنات) ولم يستخدم المفرد الذكر والأنثى، وكل هذه المعالم لشخصية المرأة المسلمة يلخصها لنا الحديث النبوي الشريف (إنما النساء شقائق الرجال) رواه أبو داوود، والشقيق هو الأخ من الأب الذي يتساوى معك في جميع الحقوق.
وعبر التاريخ الإسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنبا إلى جنب في الكفاح لنشر الإسلام والمحافظة عليه فقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة وكذلك في الهجرة إلى المدينة المنورة وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول (صلى الله عليه وسلم) لنشر الإسلام واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من إنها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح.
والتاريخ الإسلامي يؤكد لنا أن أول شهيدة في الإسلام هي امرأة تمسكت بالدين الإسلامي وبالتوحيد واستشهدت وهي تردد “أحد… أحد” وهو الشهيدة سمية من آل ياسر عليهم السلام. كما اشتركت النساء في مبايعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمبايعة أو البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقا لمصطلحاتنا الحديثة، فقد بايعت النساء المسلمات النبي في بيعتي العقبة الأولى والثانية طبقا لما ذكرته كتب السنة وعن رواية للصحابية الجليلة أميمة بنت رقيقة حيث قالت “جئت النبي في نسوة نبايعه فقال لنا فيما استطعتن وأطقتن”.
وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر إقرارا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم إذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في يثرب.
كما أن الإسلام منح المرأة حق الذمة المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر بينما المرأة المسلمة تمتعت بهذا الحق منذ ظهور الاسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وابرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا.
ثانيا ـ الاختلاف حول تقييم مكانة المرأة في الإسلام
لا يستطيع الباحث في قضية مكانة المرأة في الإسلام أن ينكر أن الخطاب القرآني يقرر نوعا من التفاوت بين الرجل والمرأة خاصة فيما يتعلق بموضوع قوامة الرجل على المرأة كما ورد في الآية الكريمة “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ…” (النساء:34).
لقد بدأت الآية الكريمة بالتأكيد على أن “الرجال قوامون على النساء”، والقوامة هنا درجة في سلم القيادة أو في إدارة الأسرة فالرجل هو رئيس الأسرة وله الكلمة العليا والمرأة هي مدير عام الأسرة تديرها كيف تشاء تماما مثل إدارة الدولة؛ فالملك أو رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة و يساعده في إدارة الدولة رئيس الوزراء أي رئيس الحكومة ؛ فالمرأة هي بالفعل الحكومة التي تحكم البيت والرجل هو رئيس البيت. إذا القوامة لا تلغي دور المرأة وانما تعطي درجة أعلى للرجل في سلم القيادة.
وهذا ما أكد عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا” (أخرجه البخاري) لقد استخدم الرسول الكريم نفس المصطلح “راع” ليصف كل من الرجل والمرأة واستخدم كذلك نفس المصطلح “مسئول” ليصف مهمة كل منهما وهذا أكبر دليل على مفهوم التسوية التامة بين الرجل والمرأة فكل منهما راع ومسئول وهما مشتركان في الرعاية والمسئولية على البيت ولكن لكل منهما درجة في سلم القيادة ودرجة الرجل على أعلى السلم لأنه مثل ربان السفينة هو الذي يقودها ويوجهها ولا يمكن أن يكون لأية سفينة منذ قديم الأجل وحتى زماننا هذا قائدان في نفس الوقت وإلا غرقت.
كما أن الرسول يأمرنا إذا سرنا ثلاثة في طريق أن نختار أحدنا أميرا علينا أي قائدا يحسم أي اختلاف في الرأي أثناء السير ويحدد اتجاه السير، وهذا الاختيار للقيادة يشترك فيه الرجل والمرأة على حد سواء أي إقرار مبدأ الشورى في أي مجتمع فيه أكثر من ثلاثة أشخاص، رجال كانوا أم نساء وهذا المبدأ أي مبدأ الشورى هو مبدأ من المبادئ الاسلامية الأساسية التي يجب أن ينتهجها المسلمون في كل أمر من أمور دنياهم “…وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ“(الشورى:38) ويستوي في الاستشارة الرجل والمرأة تطبيقا للآية الكريمة “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ…” (التوبة:71) وكما سبق وذكرنا فلا فرق هنا بين الرجل والمرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقد خلص المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة في تحليله لقوامة الرجل على المرأة إلى القول بأن: “قوامة الرجل على المرأة لا تعني أنه القائد وحده وإنما تعني ارتفاع مكانته إذا أهلته إمكانياته ـ درجة تتيح له اتخاذ القرار- في ضوء الشورى، وليس الانفراد الذي ينفي إرادة المرأة وقيادتها… ولو لم يكن هذا المضمون الإسلامي (للقوامة ) لما أمكن أن يكون كل من الرجل والمرأة راعيا في ميدان واحد، هو البيت… فهما أميران ـ راعيان وقائدان في ذات الميدان… و القوامة درجة أعلى في سلم القيادة وليست السلم بأكمله” (مجلة العربي العدد 330 مايو 1986).
وفي الحقيقة فإن المجتمعات الغربية ونتيجة لسوء الفهم الناتج عن الكتابات المغرضة التي تشوه صورة الإسلام وخاصة صورة ومكانة المرأة المسلمة وتدعي أن المرأة في الإسلام تساوي نصف رجل لأن الإسلام لا يعطي المرأة إلا نصف نصيب الرجل في الميراث ولأن الإسلام يعتبر شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد.
وهذا المفهوم الخاطئ إنما يعكس الجهل بالمفهوم الإسلامي لطبيعة المرأة من جهة ولطبيعة التكافل داخل الأسرة المسلمة من جهة أخرى؛ فالرجل المسلم يتولى الإنفاق على نساء الأسرة أي الأم والأخت والزوجة والابنة ومهما كانت المقدرة المالية ودرجة ثراء المرأة المسلمة فالأسرة والمجتمع والقانون تلزم الرجل في الدول الإسلامية بالإنفاق على المرأة.
إذا في المجتمعات الاسلامية تأخذ المرأة نصيبها من الميراث تطبيقا لما جاء في الآية الكريمة “…لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ…” (النساء:11) ومن حقها أن تحتفظ به دون الإنفاق منه ويلزم الرجل سواء أكان زوجها أو أخوها أو ابنها بالإنفاق عليها، فمن المنطقي إذا أن يحصل الرجل على ضعف نصيبها من الميراث لينفق على نفسه وينفق عليها.
ثم إن نصيب المرأة في الميراث يكون في أحيان كثيرة معادلا لنصيب الرجل بل أحيانا يفوق نصيب المرأة في الميراث نصيب الرجل. ومن أمثلة تعادل نصيب المرأة والرجل في الميراث حالة الوالدين اللذين يرثان ابنهما المتوفي فيحصل كل واحد منهما على “السدس” “…وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ…” (النساء:11).
كما أن هناك حالات تحصل فيها المرأة أحيانا على نصيب أكبر من الرجل مثلا في حالة وفاة رجل له بنت واحدة وزوجة وشقيق ففي هذه الحالة يكون نصيب الزوجة الأرملة الثُّمن ونصيب الابنة الوحيدة “نصف ما ترك” ويتبقى للشقيق الرجل 3/8 من الميراث أي أن المرأة الابنة في هذه الحالة حصلت على ميراث أكبر من ميراث الرجل (الشقيق) والامثلة كثيرة ومتعددة فيجب تعريف ذلك والتأكيد على أن مقولة ميراث المرأة نصف ميراث الرجل مقولة نسبية ولا تطبق في جميع الحالات كما أشرنا وأثبتنا بالدليل القاطع.
________________________________________________
المصدر: بحث للدكتورة/ فوزية العشماوي مقدم للمنتدى الإسلامي العالمي للحوار- جنيف